/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

"إسرائيل" والمبادرة الروسية: تقديرات ربح وخسارة/ حلمي موسى

2013/09/11 الساعة 07:10 ص

كثيراً ما شدد المسؤولون الإسرائيليون على أن ما يجري في سوريا شأن لا يخصهم وأنهم ليسوا على استعداد للتدخل إلا بقدر ما يتطلب الوضع ذلك جراء اجتياز هذا الطرف أو ذاك الخطوط الحمر المرسومة. لكن هذا التشديد لم يمنع القادة الإسرائيليين مرة ومرات من توجيه الانتقادات للأميركيين والغرب بشأن سوريا حيناً بسبب عدم التدخل، وحيناً آخر بسبب التدخل.
ومؤخراً بدا أن إسرائيل ترتاح للموقف الأميركي، خصوصاً أنه في مراحله الأولى كان يسهم في مواصلة استنزاف كل الأطراف عبر عدم توفير قدرة الحسم لأي منهما وفي مراحله المتأخرة في منع النظام السوري من الحسم عبر التوجه لضربه. ولكن هذا التذبذب في الموقف الإسرائيلي بسبب تضارب المصالح الاستراتيجية والتكتيكية، استمر أيضاً بعد إعلان المبادرة الروسية لتفكيك السلاح الكيميائي السوري.
فمن ناحية اعتبر بعض الإسرائيليين أن المبادرة الروسية جيدة لأنها تسهم في تجريد سوريا من سلاح استراتيجي كثيراً ما قض وجوده مضاجع القادة الإسرائيليين. ومن ناحية أخرى، فإن نجاح هذه المبادرة قد يعني استمرار النظام السوري وتحالفه مع إيران و"حزب الله"، الأمر الذي يشكل انتصاراً لهذا المحور وهزيمة للهيمنة الأميركية عالمياً وإقليمياً.
ومع ذلك، فإن إسرائيليين آخرين يرتاحون للتفسير الذي أعطته الإدارة الأميركية للمبادرة الروسية، والذي يرى أنها ما كانت لتظهر لولا التهديد الفعلي بضربة عسكرية كبيرة. ويذهب هؤلاء إلى حد اعتبار أن هذا البعد وحده جيد لأنه يوجه رسالة مهمة في كل ما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني، ويعتقدون أنه على أميركا بلورة تهديد عسكري مشابه يقود إلى تفكيك السلاح النووي الإيراني. وبحسب "معاريف"، قال هؤلاء إن "هذا يُثبت فقط ماذا يحصل حين يكون هناك خيار عسكري موثوق. هذه بصراحة رسالة للأسياد في ايران".
ومعروف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو طالب منذ زمن بعيد بوجوب اخراج كل نشاطات تخصيب اليورانيوم من الأراضي الايرانية بما في ذلك التخصيب الى المستوى المنخفض، ويجب وقف نشاط المنشأة النووية في مدينة قُم. لكن نتنياهو، الذي تجند مؤخراً لمصلحة الرئيس الأميركي باراك أوباما في مساعيه لإقناع الكونغرس بتأييد الضربة العسكرية، كان ولا يزال يريد الهجوم العسكري الأميركي على سوريا لأنه يوجه رسالة أهم من مجرد التهديد به.
وعموماً يبدو أن إسرائيل تقف من المبادرة الروسية موقف المشكك، ليس فقط في القبول السوري وإنما أيضاً في الجدية الروسية وضمنا بالحزم الأميركي. وتؤمن إسرائيل بأن المبادرة صيغت مؤخراً في محادثات سرية أميركية ــ روسية، وهي مقبولة على الإدارة الأميركية قبل أن تكون مقبولة على الرئيس السوري بشار الأسد. وترى أن دافع أوباما لهذا الاتفاق هو البحث عن مخرج من الضربة العسكرية قبل بحث الأمر في مجلس النواب الأميركي. وعموماً، تعتقد إسرائيل أنها في صلب الموضوع، لأن سوريا وروسيا تطلبان مقابل التجرد من السلاح الكيميائي ضمان منع الضربة العسكرية ليس فقط من أميركا وإنما أيضاً من إسرائيل.
ويذهب إسرائيليون آخرون إلى أن الزعم بأن كل شيء كان مخططاً، وأن أوباما أراد تحقيق تنازلات من الأسد من دون الاضطرار إلى توجيه ضربة عسكرية، لا يستند إلى أساس. فأفعال الرئيس الأميركي وتصريحاته في الاسابيع الاخيرة تقود إلى خلاف ذلك. وبحسب عاموس هارئيل في "هآرتس" فإن "اوباما ووزير خارجيته جون كيري من وجهة نظر تل أبيب على الأقل بدَوا متلويين ومرتجلين يردان أكثر من مرة متأخرين متفاجئين من التطورات. ونشك كثيراً في أنه قد وُجدت هنا استراتيجية كبيرة أو خطة عمل مدروسة".
ومن المؤكد أنه سيكون للأمر تعقيدات لإسرائيل دخل فيها بمقدار اتضاح الصورة وبدء مناقشة التفصيلات. وربما لهذا السبب تحاول إسرائيل إشاعة أجواء مفادها أن المبادرة الروسية لا رابح فيها سوى شخص أوباما، الذي نجا من عواقب الضربة العسكرية، والرئيس فلاديمير بوتين الذي برهن على قدرته على السيطرة على مسارات سياسية تتعلق بسوريا، وربما إيران أيضاً بسبب حضورها في الاتفاق. ويقول المقربون من نتنياهو والإعلاميون المتحدثون باسمه، وخصوصاً في "إسرائيل اليوم"، إن الخاسر الوحيد في المبادرة الروسية هو الشعب السوري، لأن الحرب الأهلية ستتواصل. ويشير المعلق العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل إلى أن الأسد يمكنه أن يرى في هذه التسوية إنجازاً "ليس فقط لأن أميركا لم تهاجمه، ولا لأنه لم يبد ذعراً من التهديدات، بل لأن التحالف الدولي الذي يدعمه، من روسيا والصين إلى إيران و"حزب الله"، استعرض قوته طوال الأزمة".
عموماً، تعتقد إسرائيل أن المبادرة الروسية أضعفت زخم الهجوم العسكري الأميركي على سوريا، ولكن ليس هناك ما يضمن نجاح هذه المبادرة. فالوضع لا يزال بعيداً عن الحسم والمساومة والمستجدات، وهي تأمل ألا تكون هذه بروفة لما سوف يحدث في العام المقبل عندما تصل إيران إلى نقطة اللاعودة. وتتذكر إسرائيل الأزمة مع إيران قبل أربع سنوات حينما عرضت فكرة إخراج اليورانيوم المخصب إلى روسيا أو تخصيبه هناك. وأياً يكن الحال، فإن إسرائيل لا تقرأ الأحداث في سوريا فقط عبر ما يظهر على شاشات التلفزيون، وإنما تقرأه أيضاً من خلال النقاشات الاستراتيجية ليس فقط مع أميركا وإنما أيضاً مع دول الاتحاد الأوروبي، بل مع روسيا أيضاً.
ويلخص بوعز بسموت في "إسرائيل اليوم" الوضع بالقول إنه "ما زلنا بعيدين عن نهاية القصة وليس واضحاً البتة ما الذي يريده اوباما. وفي مقابل ذلك يا لمبلغ السخرية أن يكون عمل مجلس الأمن هو الحفاظ على السلام والأمن العام بعملية سريعة وناجعة، كما تقضي المادة 24 من ميثاق الامم المتحدة. إنها فكاهة".


المصدر: السفير

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/42308

اقرأ أيضا