إلى متى يبقى العرب بحاجة الدعم العسكري الأمريكي لحسم الصراعات الداخلية في المنطقة؟ وما هي حاجة الشعوب العربية لهذا الدعم؟ وهل تدخُل أمريكا لفّظ النزاعات، أم لها مآرب أخرى من تلك التدخلات؟ وهل من الممكن أن الدعم العسكري الأمريكي له القدرة على حسم الصراعات الداخلية للشعوب العربية في ظل التحرر العقلي لأبناء هذه البلدان؟ أم أن التدخُل الأمريكي يعزز من خلق خارطتها الجديدة بالشرق الأوسط؟.
المتابع للواقع العربي اليوم يشعر للوهلة الأولى حقيقة ما وصل إليه حكام الشعوب العربية، من خلال طلب يد العون من الولايات المتحدة الأمريكية لمدها بالنفوذ العسكري لحل الصراعات العربية الداخلية، وهذا ما بدا جليا في حرب الخليج الأولى والثانية والتدخل الأمريكي بالعراق وليبيا وأخيرا في سوريا.
في هذا السياق أجمع محللون وخبراء عسكريون أن حكام الشعوب العربية هم من جعلوا أنفسهم بحاجة لأمريكا حتى يقوا أنفسهم من نار الثورات وخوفا من الانقلاب على عاقبيهم، الأمر الذي أعطى الضوء الأخضر للولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
أكد الخبير العسكري واللواء يوسف الشرقاوي، أن الشعوب العربية ليس بحاجة إلى دعم أمريكي لمساعدتهم في شؤونهم الداخلية، لكن تخاذل الحكام العرب هم من أوقعوا أنفسهم في شِباك أمريكا و"إسرائيل"، لافتا إلى أن ما تريده أمريكا يريده الحكام العرب، ومنها ما أعطته الجامعة العربية لأمريكا من غطاء لتتدخل في قضية سوريا مؤخرا.
وقال الشرقاوي: "أمريكا عبارة عن نظام استعماري تعتمد على الامبريالية أثرت في الشعوب العربية والتدخل أيضا في شؤونها، وخير مثال الأردن التي تعرض خدماتها لأمريكا و"إسرائيل"، ناهيك عن دول الخليج التي تسيطر أمريكا على معظم ممتلكاتها النفطية، هذه الدول أعطت الأمان لأمريكا بأن تدخل الساحة العربية والتدخل في شؤونها كيفما شاءت ".
وأضاف: "حكام العرب يريدون أن يبقوا تابعين لأمريكا وذلك لبناء نظام بوليسي قمعي للحفاظ على كراسيهم، ويتقاسموا ثروات بلادهم بينهم، وتغاضيهم عن أبناء شعوبهم"، منوها أن تلك الأنظمة لن تبقى على الدوام كون الحراك الشعبي العربي بدأ يتنقل من دولة لأخرى، ووجود مشروع عربي قومي يقوم بحماية نفسه ويحمل شعار العداء لأمريكا و"إسرائيل".
ورأى الشرقاوي أن أمريكا لا تتردد في التدخل حال طلب العون من بعض الدول العربية لها ضد أخرى وذلك بناء على مصالحها في المنطقة والذي يتمثل في أساسه أمن "إسرائيل"، وحماية الأنظمة المتحالفة لأمريكا وضمان استمرارهم في المنطقة.
خارطة جديدة
بدوره، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي إياس نصر الله "أمريكا تحاول إيجاد مخطط جديد في الشرق الأوسط ومساعديها في ذلك الحكام العرب، وخلق خارطة جديدة لاتفاقية "سايكس بيكو" التي لم تكن بها أمريكا مسبقا، والتي قسمت الدول العربية بين بريطانيا وفرنسا، لذلك تسعى أمريكا لتقسيم الدول العربية القوية كالعراق وسوريا وممكن مصر إلى دويلات لتنفرد في السيطرة عليها".
وأكد نصرالله أن طلب دول عربية بتدخل أمريكا لحسم صراعاتها الداخلية، له تأثير كبير على مصالح ووحدة الصف العربي، ونهب الثروات العربية التي تسيطر عليها أمريكا، لافتا إلى وجود قواعد أمريكية في أغلب البلدان العربية التي تستخدم لقمع الشعوب العربية، وهذه أمور تستطيع الولايات المتحدة التحكم في زمامها لصالحها.
قلب الموازين
أوضح نصر الله أن الحكام العرب مستفيدين من المؤامرة للبقاء في حكمهم في ظل وجود اتفاق غير مكتوب بينهم وأمريكا لدعمهم في الحفاظ على كراسيهم، إضافة لمد البترول و النفط لأمريكا، مشيرا إلى أن الثورات العربية في المنطقة العربية قلبت الموازين في المنطقة رأسا على عقب، لتصبح الشعوب قادرة على إسقاط حكم هذه الأنظمة، وسقوط حسني مبارك الرئيس المصري المخلوع في ثورة 25 يناير أكبر دليل على ذلك.
وتابع: " تدخلت أمريكا في ليبيا وفي العراق وللأسف الأحزاب الموجودة هناك هي التي مكنت من تحكُم الولايات المتحدة في شؤونها، أما بالنسبة لسوريا فالوضع مختلف تماما في ظل وجود قوى تحالف بجانب سوريا الأمر الذي سيحدث تغيّرا في المنطقة ".
لا يجدي نفعا
وفي ذات السياق تحدث الخبير العسكري المصري اللواء-طلعت مسلم:" إن الصراعات الداخلية التي تحصل في البلدان العربية لا تحتاج إلى حسم عسكري، بل إن حلها يأتي من خلال الحوار، والتفكير بكيفية التعامل السلمي، لأن الصراعات الداخلية أساساها صراعات اجتماعية ويجب أن تستخدم وسائل اجتماعية لحلها "، مؤكدا على أن طلب دعم عسكري أمريكي لا يجدي نفعا لحل تلك الأزمات، إنما يزيد الطين بلة.
واعتبر الخبير العسكري، أن الولايات المتحدة الأميركية متدخلة في الوطن العربي بشكل مباشر وغير مباشر، وهذا له تأثير كبير في المنطقة، من خلال مشاركة كثير من الدول العربية في منظمات تابعة لها، الأمر الذي أدى إلى خضوع كثير من الحكام العرب لها والعمل لصالحها، وهذا لا يدفع إلى الاستغراب في طلب يد العون من أمريكا.
وأكد مسلم أن أمريكا تحسب حساباتها بدقة حين يتم استدعائها من إحدى الدول العربية على حساب دولة أخرى فيما يخدم مصالحها، مضيفا:"أن أمريكا تورطت مع العديد من الدول في المنطقة كمصر وسوريا والعراق وغيرها".
المصدر: الاستقلال