يوم بعد يوم، يقترب الاحتلال "الإسرائيلي" من المسجد الأقصى، ويشدد قبضته عليه شيئاً فشيئاً لضبط السيطرة الكاملة عليه لليهود، وطرد المسلمين منه تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم على انقاضه.
وآخر الإجراءات "الإسرائيلية" المتبعة في هذا السياق، هو النقاش داخل الكنيست "الإسرائيلي" حول فتح أبواب المسجد الأقصى أمام اليهود لأداء طقوسهم التلمودية بالإضافة إلى مناقشة فتح جميع أبواب الأقصى وليس فقط باب المغاربة في وجه اليهود.
وناقشت لجنة الداخلية في "الكنيست" "البرلمان" "الإسرائيلي"، أمس، هذا الاقتراح وهو ما حذّرت منه هيئات مقدسية من أن يقوم الاحتلال بتقسيم المسجد كما فعلت في المسجد الإبراهيمي بالخليل.
وذكر موقع "الكنيست" الإلكتروني الرسمي أن لجنة الداخلية ناقشت فتح أبواب المسجد الأقصى المبارك أمام اقتحامات اليهود طوال أيام الشهر لأداء طقوسهم وشعائرهم التلمودية فيه، وخاصة في جميع أيام الأعياد اليهودية.
ومن المتوقع أن تشهد الجلسة طرح مطلب منظمات ما يسمى "المعبد" المزعوم والتي سيشارك بعضها في الجلسة، المتمثل في فتح جميع أبواب الأقصى وليس فقط باب المغاربة في وجه اليهود.
وشارك في الجلسة ممثلون عن وزارات: الداخلية، والسياحة، والأمن العام، وجمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية المتطرفة، ومؤسسة "تراث جبل الهيكل"، ومؤسسة الحائط الغربي للتراث، والحاخامية الكبرى، وبلدية الاحتلال في القدس وسلطة آثار الاحتلال.
هجمة شديدة
ويرى الخبير في الشأن المقدسي، حسن خاطر، أن مساعي الكنيست "الإسرائيلي" تشريع اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ومنحهم الغطاء الأمني لتحقيق ذلك بشكل متتابع ومستمر، يعبر عن قوة وشدة الهجمة "الإسرائيلية" ضد المسجد الأقصى في الوقت الذي يغرق فيه الوطن العربي بالخلافات الداخلية.
وقال خاطر: "هناك زيادة ملحوظة في الاقتحامات اليومية للأقصى من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، إضافة إلى الحفريات التي لا تزال متواصلة أسفله"، مشددًا على أن الأقصى مسجد خالص للمسلمين، ولا علاقة لليهود فيه.
وأضاف: إن "شرطة الاحتلال تسمح لكافة المستوطنين بالدخول للمسجد الأقصى، وتُقدم لهم كافة التسهيلات اللازمة، منبهاً إلى أن هذه الاقتحامات تسير في الأوقات ما بين صلاتي الفجر والظهر، "ولكن التوجه اليوم يسير نحو جعل الوقت مفتوح لاقتحامات المستوطنين".
وبيّن أن أهالي القدس والغيورين من أبناء الضفة الغربية والداخل المحتل الذين يستطيعون الوصول إلى الأقصى يقفون سداً منيعاً امام تطلعات الاحتلال لتقسيم القدس، "ولكن هذا السد لا يكفي لصد هذا الاعتداء المدعوم بشكل كبير".
وأضاف خاطر: "هناك منظمات وجماعات يهودية تشن حملة تحريضية ضد الطلاب، كونهم من طليعة المدافعين عن الأقصى والتصدي لاقتحاماتهم، حيث نشروا على عدة مواقع تابعة لليمين المتطرف مطالبة بتشديد الخناق على طلاب العلم وملاحقتهم بشكل كامل".
وحذر من التهاون العربي أو المحلي مع تهديدات المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى، وتابع: "هناك شبه إجماع "إسرائيلي" على أن بناء الهيكل المزعوم تأخر كثيراً، وأنه لن تنجح محاولات إقامته إلا بتكثيف محاولات اقتحام الأقصى وتشديد الخناق على المقدسيين".
وتابع خاطر: "إن حملات الاقتحامات للمسجد الأقصى ومحاولات تقسيمه بين المسلمين واليهود يعد دليلاً على رغبة الاحتلال في جر المنطقة إلى مرحلة مواجهات واشتباكات بين المقدسيين والمستوطنين".
وأشار إلى أن الغرض من هذه الخطوات هو تعويد المقدسيين على وجود المستوطنين في المسجد الأقصى حتى يصبح الأمر لديهم طبيعيًا، وهي خطوة تمهيدية لخطوات متتالية منها الاستيلاء على المسجد الأقصى وهدمه- وفق خاطر.
وبيّن الخبير بالشأن المقدسي أن "إسرائيل" تسعى لحشد رأي عام عالمي سعياً لتعزيز مفهوم ضم القدس والمسجد الأقصى لقائمة التراث اليهودي، أمام تراجع ملحوظ لتأثير الإعلام العربي على الرأي العام الغربي، بسبب اعتباره قضية القدس قضية ثانوية، وفق قوله.
وأكمل: "إن الدول العربية والإسلامية لا تزال لا تتخذ خطوات أكثر جدية في مواجهة الزحف اليهودي في المدينة المقدسة، فالقدس قضية إسلامية يجب على كل مسلم في العالم الدفاع عنها، وهذا يتطلب الكثير على المستويات السياسية والمادية والتفاعلية".
استهداف الوجود الإسلامي
من ناحيته، حذر مدير مركز القدس للدراسات الاجتماعية والاقتصادية في القدس المحتلة، زياد الحموري، من تنفيذ هكذا مخطط يستهدف الوجود الإسلامي في القدس المحتلة ويقرب الطريق إلى تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
وقال الحموري : "قبل عدة عقود ماضية كنا نعتقد أن إعلانات إقامة الهيكل المزعوم التي تروجها "إسرائيل" والجماعات اليهودية الدينية في الأوساط "الإسرائيلية" درباً من دروب الخيال، ولكن اليوم يجب أن نعترف أن هذا المخطط بات قريباً للغاية".
وأوضح أن "إسرائيل" عملت منذ سنوات طويلة على المضي قدماً نحو السيطرة الكاملة على الأقصى من خلال زيادة اقتحامات المستوطنين لباحاته وإقامة الشعائر اليهودية داخله، واليوم باتت المطالب تترأسها فكرة تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين اليهود والمسلمين.
وبيّن الحموري أن ما يناقشه الكنيست "الإسرائيلي"، يعكس قرب المسافة من تحقيق الحلم اليهودي في ضم الأقصى إلى اليهود وتدميره لإقامة الهيكل المزعوم، مشدداً على أن ذلك ينذر بكارثة كبيرة لم يستفيد الوطن العربي عليها بعد.
ولفت النظر إلى أن الدول العربية ليس لها موقف واضح من كافة الإجراءات "الإسرائيلية"، منوهاً إلى أن "إسرائيل" لم تعد تخشى هذا الموقف الصامت ما يمهد الطريق أمامها لاغتيال قبلة المسلمين الأولى وتحويلها إلى الهيكل المزعوم.
وبيّن الحموري أن المخططات "الإسرائيلية" ليس لها بداية أو نهاية وليست محصورة جميعها ومعروفة بشكل واضح، "فما يمارس في الخفاء وأسفل الأرض أكبر بكثير مما يمارس فوق الأرض، وكل هذا يأتي في سياق مشروع ضخم وكبير يهدف إلى إنهاء الوجود الإسلامي في القدس المحتلة وجعلها عاصمة يهودية لدولتهم وإقامة هيكل سليمان المزعوم".
ولفت النظر إلى أن الاحتلال يحاول تزييف الجغرافيا والتاريخ والآثار، عبر طمس المعالم الإسلامية العربية الأصيلة وتغييرها إلى مسميات عبرية توراتية باطلة، ومحاولة إيجاد تاريخ عبري وهمي.
وأضاف الحموري: "إسرائيل" تسعى لتكريس مفهوم يهودي بأن القدس أراضٍ دينية وأن داوود وسليمان عليهما السلام سارا فيها وعزف فيها داوود مزاميره، كما أن هناك العديد من الروايات التي يحاول الاحتلال ترويجها للسياح الأجانب من أجل حشد الرأي العام الدولي نحو يهودية القدس".
وطالب مدير مركز القدس للدراسات الاجتماعية والاقتصادية، كافة المؤسسات الدولية المعنية وعلى رأسها "اليونسكو"، بالمحافظة على هوية المدينة المقدسة وضرورة التحرك العاجل لمنع سلطات الاحتلال من تنفيذ جرائمها الجديدة في حق القدس وهويتها الدينية والحضارية.
المصدر: الإستقلال