أعده لـ"الاستقلال"/ مركز أطلس للدراسات "الإسرائيلية"
المشهد المصري خاصة والعربي عموماً هو مشهد أمني تغيب عنه السياسات، وهو إلى حد كبير تعبير عن اشتباك الفوضى وانفلات العنف وضبابية تخفي خيوط المشهد وتجعله أكثر اضطراباً وتداخلاً وتعقيداً، وإن كان العنف هو التعبير المكثف عن السياسة عند تأزم الحالة السياسية، فإننا لا نرى هنا - جهة - سوى "إسرائيل" التي هي وحدها على ما يبدو من يمتلك الخطط والسياسات ويحتكر الإمساك بخيوط المشهد الأمني في التوظيف السياسي.
لذلك فليس من الغرابة بمكان أن تكون "إسرائيل" وحدها القادرة على امتطاء ظهر النمر "حالة الانفلات والتفكك" وتوجيهه الوجهة التي تخدم مصالحها، فتحول الربيع العربي من مخاطر إلى فرص، مما جعلها وحدها في المنطقة تقف مستقرة ثابتة، بل وتجني المزيد من المكاسب لم تكن في وارد حساباتها سابقاً، فالحالة السورية – فضلاً عن كل المكاسب السياسية والأمنية لـ"إسرائيل" – جعلت من "إسرائيل" ممراً برياً لأسطول نقل البضائع التركي والأردني، الذي ينقل السلع والخدمات يومياً بين عرب آسيا وتركيا، في حالة من التطبيع المواصلاتي البعيد عن الأعين، وربما سيشكل تدريجياً جسراً لإدخالها لمنظومة المصالح العربية الشرق أوسطية.
كما ان حالة الاضطراب الأمني في سيناء شكلت لها مدخلاً قوياً لتغدو جزءاً مهماً من منظومة أمنية، وشريكاً مهماً في صنع وتنفيذ السياسات الأمنية في سيناء، وليس أدل على ذلك من عملية القصف الغامضة التي أسفرت عن قتل مجموعة من المسلحين على أرض رفح المصرية عندما كانوا يستعدون لإطلاق صواريخ، فإن كانت "إسرائيل" من قامت بعملية القصف فهي تعتبر العملية الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، حسب المعلق العسكري "الإسرائيلي" رون بن يشاي، وتشير إلى مستوى عميق وخطير في التدخل "الإسرائيلي" في أحداث سيناء.
صحيح أن الجيش المصري نفى أي دور لـ"إسرائيل" في عملية القصف، لكن بيان الجيش يقف وحده يتيما أمام شهادات أخرى تؤكد على الدور "الإسرائيلي" من بينها تصريحات مصادر عسكرية مصرية قبل نفي الجيش، وافادات شهود عيان على أن القصف تم بواسطة طائرة بدون طيار، وهو ما لا تمتلكه مصر، بالإضافة لبيان تنظيم "المجاهدين" الذي أكد أن "إسرائيل" هي من قصفت عناصرهم عندما كانوا يهمون بإطلاق صواريخ باتجاه أراضي فلسطين المحتلة، كما أن "إسرائيل" لم تنفِ علاقتها بالعملية، وفى تحليلنا لمجريات العملية وحيثياتها نعتقد أن الامن المصري كان قد امتلك معلومات أمنية من واقع التحقيقات مع من تم اعتقاله من مجموعات المسلحين تفيد أنهم ينوون قصف مدينة ايلات، فقاموا بإبلاغ "الإسرائيليين" بالأمر، وهذا ما تؤكده المصادر "الإسرائيلية"، الذين قاموا بدورهم بالاستنفار واغلاق مطار ايلات.
وهنا نعتقد أن غرفة العمليات الأمنية المشتركة للجانبين دخلت في ما يسمى بالملاحقة الأمنية المشتركة والتنسيق العالي الذي قد يصل "بحكم الظروف الأمنية الصعبة في سيناء، وبحكم محدودية القوات العسكرية المصرية فيها، وبحكم حساسية نجاح المسلحين بالمس بالمصالح الأمنية "الإسرائيلية" إلى حد المشاركة وتبادل الأدوار في اطار الفريق الواحد لمهمة محددة، وربما توصل هذا الفريق إلى تحديد موقع المسلحين، ولأن الأمر يحتاج إلى سرعة ودقة في إنجاز مهمة القضاء على المسلحين، فقد أنيطت المهمة بمن يمتلك الإمكانيات، الذي هو طبعاً الطرف "الإسرائيلي".
هذا السياق التحليلي هو ربما الذي دفع وزير الحرب يعلون الذي أراد حسبما قال ان ينفي الاشاعات والتكهنات المتعلقة بالجهة التي نفذت القصف، لأن يكتفي فقط بتصريح مقتضب أكد فيه على احترام "إسرائيل" لسيادة مصر على سيناء، وأغدق المديح على نشاط الجيش المصري في سيناء، ولو أراد يعلون أن يفسر أكثر احترامه لسيادة مصر على سيناء لقال ان أي عمل تقوم به "إسرائيل" على أراضي سيناء بالتنسيق والموافقة المصرية المسبقة لا يعتبر خرقاً للسيادة المصرية. وعن احترام "إسرائيل" لسيادة مصر على سيناء اسألوا الفلسطيني أبو ريدة الذي اختطف من سيناء ويحاكم اليوم في المحاكم "الإسرائيلية"، واسألوا المسلحين عن عمليات الاغتيال الغامض في وسط سيناء، ولماذا لم نسمع احتجاجاً مصرياً على ذلك.
انها المنظومة الأمنية الثلاثية المصرية "الإسرائيلية" الأمريكية التي سبق وتحدثنا عنها أكثر من مرة، منظومة أرادت "إسرائيل" منذ اتفاقية كامب ديفيد أن تفرضها على مصر، لكن مبارك كان يقاوم الطلب "الإسرائيلي" ويحصر الدور "الإسرائيلي" فقط بما حددته ملاحق كامب ديفيد الأمنية، لكن هذا الرفض ضعف تدريجياً مع ازدياد الفلتان الأمني في سيناء، واليوم يقف الأمن المصري بلا حول ولا قوة أمام المطالب "الإسرائيلية"، لا سيما أن مصر مضطرة للحصول على موافقة "إسرائيلية" مسبقة قبل أن تقوم بتحريك ونقل وزيادة قواتها في سيناء.
أهداف "إسرائيل" من خلف الحرب المشتعلة في سيناء تبدأ باستنزاف الجيش المصري وتوريطه في حرب يضطر فيها لتعزيز علاقاته بـ"إسرائيل" وقبول تدخلها و"مساعدتها"، وصولاً إلى تهديد مجرى قناة السويس للملاحة الدولية واستبدال ذلك بخط ايلات أسدود، ووصولاً إلى ظروف تؤدى إلى سلخ سيناء عن مصر ونشوء كيان ضعيف بين مصر و"إسرائيل"، يكون في حالة نزاع مع مصر وتحالف مع "إسرائيل".