لم تكد عينا المحرر إياد أبو خضير تذوق طعم النوم في أول ليلة قضاها بعد التخلص من عتمة السجن وقهر السجان، خشية منه أن يكون ما جرى حوله حلما عاشه لساعات سرعان ما ينقضي؛ فلم يصدق بأنه يتنفس الحرية بعد ثماني سنوات أمضاها خلف القضبان والتنقل من زنزانة لأخرى والبعد عن الأهل والأحبة.
الأسير إياد أبو خضير (38عاماً) من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، مواطن فلسطيني ترعرع في الأردن وهو من أب وأم فلسطينيين، وكان يحمل وثيقة سفر وإقامة أردنية، وفي عام 1999م, حصل على تصريح زيارة لدخول غزة وتزوج من ابنة عمه, واستقر معها برفح وأنجب ثلاثة أبناء.
واعتقل أبو خضير في الثاني عشر من نيسان/ أبريل عام 2005 م, عند حاجز مستوطنة "نتساريم" سابقا، ووجهت له تهمه الإعداد والتجهيز لعملية استشهادية وحيازة سلاح ناري وحكمت عليه محكمة عسكرية (إسرائيلية) بالسجن لمدة ثماني سنوات، إلا أن الاحتلال رفض الإفراج عنه بعد قضاء محكوميته بحجة أنه ليس له عنوان وأن الأردن سحبت الجنسية منه وترفض استقباله.
ويتحدث المحرر أبو خضير الذي أفرجت عنه سلطات الاحتلال الأحد الماضي عن لحظات أسره وما تخللها من التعذيب التي تعرضا له، ومحاولات الاحتلال مساومته الضغط عليه لإبعاده، وشعوره بفرحة التحرر.
أيام صعبة
ووصف الأسير أبو خضير أول أيام اعتقاله بالصعبة للغاية، حيث تعرض لكافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي خلال فترة التحقيق معه في محاولة لانتزاع اعترافات منه، إضافة إلى عمليات الشبح المتواصلة، وكذلك زجه في الزنازين المعزولة تحت الأرض لمدة تزيد عن 30 يوما، ورفض الاحتلال إبلاغ ذويه عن مكان تواجده.
وقال أبو خضير: بعد انتهاء فترة الثمانية سنوات التي أمضيتها داخل السجن بكل قسوتها التي كنت أعد ساعاتها وأيامها من أجل الخروج لمعانقه أبنائي الثلاثة الذين لم أتمكن من رؤيتهم منذ اعتقالي، جاء قرار رفض الاحتلال إطلاق سراحي ليصيبني بصدمة كبيرة جعلتني أشعر بحالة من الإحباط الكبير في ظل تبدد الأمل الذي طالما عشت من أجله".
وأضاف بكلمات ممزوجة بالألم والحسرة: خلال مدة الأربعة أشهر الإضافية التي أمضيتها في العزل الانفرادي داخل الزنازين عرض على الاحتلال الكثير من العروض، منها الإبعاد إلى عدد من الدول الأوروبية كلاجئ سياسي بمواصفات جيدة، إضافة إلى الطلب مني التوقيع على ورقة تتضمن بنودا لنبذ الإرهاب،إلا أنني رفضت ذلك بشدة وواصلت مشواري في الصمود وتحدى الاحتلال".
العصيان والإضراب
وذكر الأسير المحرر أنه لم يكن أمامه في ظل التعنت (الإسرائيلي) برفض الإفراج عنه سوى الدخول في العصيان على إدارة السجن الذي تطور بعد ذلك إلى الإضراب عن الطعام ثم وصل مؤخرا قبل الإفراج عنه مباشرة للامتناع عن شرب الماء، مشددا على أن صموده في الإضراب هو ما أجبر الاحتلال في نهاية المطاف على الإفراج عنه.
ولم يصدق المحرر نفسه عندما تم إبلاغه من قبل إدارة السجن بالإفراج عنه بعد ثلاثة أيام، حيث انتابه شعور بالسعادة الممتزجة بالخوف والقلق، كون الاحتلال أبلغة في السابق بالإفراج عنه، ولكن سرعان ما تراجع عن ذلك، مشيرا إلى أن الاحتلال واصل ممارسة أساليب التعذيب والمضايقات النفسية عليه، حتى وهو في طريقة العودة لغزة من خلال الزعم بأن غزة رفضت استقباله ولم يبق له خيار سوى الإبعاد أو العودة للسجن، ولكن بعد مماطلة استمرت لساعات في ظل إصراره وتحديه وفقدانهم الأمل قاموا بإدخاله لغزة.
فرحة منقوصة
وعن فرحه التحرر، أشار إلى أنها كانت منقوصة، كونه كان يأمل باحتضان والديه وأشقائه فور وصوله، غير أن تواجدهم في الأردن حال دون ذلك، ولكن سرعان ما زال شعور الحزن بمجرد أن وطأت قدماه أرض غزة وشعر بأن الجميع هم عائلته، إضافة إلى أنه لا يزال يعتبر نفسه نصف حرّ والنصف الآخر ما زال في الأسر، في إشارة إلى بقاء الأسرى داخل السجون، مبينا أن احتضانه لأبنائه الذين وجد الكثير من ملامحهم قد تغيرت، أدخل البسمة والسعادة على قلبه من جديد بعد أن كادت تفارقه جراء طول الحرمان.
وبيّن المحرر أبو خضير أنه لم يفقد الأمل يوما بالإفراج عنه من كثرة الدعاء ويقينه بأن الله لن يترك المظلومين، منوها إلى أنه رغم مرور أكثر من خمسة أيام على الإفراج عنه، لم يتمكن من النوم سوى ساعة ونصف طوال اليوم الواحد، كما أنه لا يزال يشعر بالفزع كلما دق الباب ظنا منه أنه لا يزال داخل السجن.
ويوضح أن السجن يمثل تجربة جيدة يصقل من خلالها الأسير شخصيته وتتوسع مداركه للأمور باحتكاكه بالأسرى القدامى ذوي الأحكام العليا، ويجسد من خلاله لوحة صمود للواقع المرير، موضحا أن الأسرى يتعرضون لتضييق مستمر من قبل مصلحة السجون من خلال التفتيش العاري لما فيه من إهانه لهم، وعملية الاقتحامات المتكررة للأقسام والغرف التي تأتي من وقت لآخر بهدف محاصرتهم بكافة الوسائل للنيل من عزيمتهم وصمودهم.
وبيّن أن الأسرى في شهر رمضان يواجهون ظروفا قاسية تفرضها إدارة السجون عليهم فيما يتعلق بالأكل، مبينا أن معظم الأسرى يقضون هذا الشهر الكريم في الصلاة وقراءة القرآن والتضرع إلى الله بالدعاء والانشغال بالطاعات والعبادات.
مواقف مؤلمة
وبحسب أبو خضير، فإن من أكثر المواقف المؤلمة التي أثرت فيه وتركت أثرا سيئا في نفسيته داخل السجن كانت عندما توفت شقيقته جراء حادث سير في الأردن عام 2010، إضافة إلى منع ذويه من زيارته في الفترة الأخيرة كغيرة من أسرى غزة بحجة أنه أسير أردني، وهذا الأمر يحتاج إلى تنسيق مع الأردن.
وأشار أبو خضير إلى أنَّ قضية الأسرى من أبرز الهموم التي تستحق المتابعة والاهتمام من كافة القطاعات الفلسطينية والدولية، متمنيا زيارة أهله في الأردن الذين حرم من رؤيتهم منذ ما 14 عاما.