/منوعات/ عرض الخبر

يافا.. وما قاله الميناء للبحر.. * فوزالدين البسومي

2013/07/05 الساعة 09:33 ص

صاحبنا واحد ممن احبوا مدينة يافا الى حد العشق، يوم كانت يافا عروس فلسطين، وانه ليذكر انه كان لا يتردد في الذهاب ماشيا على قدميه من الرملة الى يافا في اربعينيات القرن الماضي لكي يشتري صحيفة الدفاع او فلسطين اذا ما تأخر وصول اي منهما الى الرملة، كان يقطع الطريق ماشيا عروجا على صرفند وصولا الى دوار بيت دجن الى ان يجد نفسه على ابواب يافا حيث سكنة ابو كبير المشهورة بدوارها المعروف، ثم يأخذ طريقه الى داخل يافا ليجد نفسه في العجمي او المنشية، واذا كان اليوم يوم جمعة فانه يتأخر في العودة الى الرملة فيمشي متسكعاً الى ان يصل مسجد حسن بك على شاطئ البحر، حتى اذا ما انتهت الصلاة غادر في طريقه عائداً الى الرملة، واذا نسي فانه لا ينسى انه توقف قليلا وهو ذاهب الى يافا في الصباح مع بطل فلسطين في الملاكمة اديب الدسوقي الذي كان يلقاه وهو يركض على الطريق من يافا الى بيت دجن كجزء من تمرين رياضي يومي يقوم به الرجل، ثم ان صاحبنا كان يعود الى يافا في ايام أخر مع والده فيذهب برفقة والده لزيارة الدكتور يوسف هيكل رئيس بلدية يافا في مكتبه في مبنى البلدية، وفي احيان كثيرة كان ينتظر والده حين يذهب لزيارة اصدقائه امام برج الساعة المشهور، او يذهبان سوياً الى البحر يتناولان طعام الافطار من الجبنة البيضاء والخبز الفينو والشاي بالنعنع في مطعم ابو العبد الميناوي.
كانت يافا بالنسبة له المدينة الاثيرة عنده بعد مسقط رأسه الرملة، وصاحبنا لم ينس الى اليوم رغم مرور خمسة وستين عاماً على سقوطها في ايدي العصابات الصهيونية الحاقدة، فهو ما زال يعيش ايامها الجميلة، بل ان الحديث عن يافا يكاد يأسر صاحبنا ويأخذ بلبه، ويبكيه، وها هو الصديق والزميل سلطان الحطاب يصر الا ان يستمطر الدموع من مآقي صاحبنا حين الف كتابه ومؤلفه الجديد عن يافا واطلق عليه التسمية التي يحبها صاحبنا في يافا «يافا ما قاله الميناء للبحر» وما قاله الميناء للبحر كثير وكثير، واذا كان صاحبنا يحمد للصديق الحطاب هذا الجهد الذي بذله في تأليف الكتاب وجمع وصياغة مادته الجميلة والغنية فانه لا ينسى من رعى اصدار الكتاب لكي يخرج بالطريقة الجميلة والمتقنة التي خرج بها الا وهو السيد علي حسن قولاغاصي.
لقد جاء كتاب يافا او بالاحرى مجلد يافا ما قاله الميناء للبحر غاية في الروعة والاتقان، ولم يملك صاحبنا وهو يقلب كل صفحة من صفحاته الا ان يبكي حسرة على ما مضى من ايام يافا الجميلة، فها هو صاحبنا بداية وهو يبدأ بتقليب صفحات الكتاب بدءاً من غلافه الجميل امام برج الساعة المشهور في يافا، وها هو يقلب صفحاته لكي يعيش من جديد في حي المنشية ثم يمضي في طريقه الى اجمل احياء يافا الا وهو حي النزهة، ثم يعود ادراجه ليصل الى دوار ابو كبير حيث بيارات البرتقال والليمون وأعواد قصب السكر وهي ترتفع بدلال في الحواكير المحيطة، ثم يذهب في جولة الى شارع اسكندر عوض او يقف يتفرج على صور الفيلم المصري الجديد الذي تعرضه سينما الحمراء، ولا ينسى صاحبنا ذات يوم وقد اصطحبه والده الى سينما الحمراء لحضور مسرحية كرسي الاعتراف ليوسف بك وهبي وامينة رزق وكيف قفز يومها صاحبنا الى المسرح لكي يسلم على يوسف بك وهبي وسط دهشة الممثلين، ها هو يتجول في الكتاب مع المؤلف وهو يرسم صورة موثقة ليافا وللعصور التي مرت بها، فالكتاب يتحدث عن يافا موقعاً وجغرافية وسكانا بدءاً من تاريخها القديم وصولا الى الانتداب البريطاني ثم اخيراً يافا في ظل الاحتلال الصهيوني.
ثم ان المؤلف يهوم في الحديث عن يافا زراعة وتجارة وصناعة وسياحة وعمارة ونشاطات ثقافية واجتماعية وتعليمية، ثم العادات والتقاليد ثم قرى يافا وعائلاتها وصولاً الى اعلام من يافا كما هي في الشعر العربي.
لقد بذل المؤلف الصديق سلطان الحطاب جهداً موفقاً ومشكوراً في التاريخ لمدينة يافا في هذا الكتاب الجميل والوثيقة الرائعة التي لا يمكن لقارئ يطلع عليها الا ان يضع رأسه بين راحتيه بعد ان ينتهي منها ويبكي.
المصدر:جريدة الدستور الاردنية.
 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/36935