يعيش فلسطينيو الـ48 عامة وسكان النقب من البدو الفلسطينيين خاصة حالة من الغليان والغضب يحتمل أن تؤدى إلى مواجهات عنيفة مع الكيان، قد تتطور إلى عصيان مدني وانتفاضة كبيرة في وجه مؤسسات الدولة الصهيونية في مواجهة مخطط التطهير العرقي لبدو النقب بترحيلهم عن أراضيهم وقراهم ومصادرتها لصالح اقامة مستوطنات يهودية ومعسكرات للجيش في مسعىً قومي صهيوني لتهويد ما بقى من أراضي النقب في أيدى العرب، عبر خطة أطلق عليها خطة "برفر - بيغن لتطوير وإسكان بدو النقب"، كانت قد أقرتها حكومة نتنياهو سابقاً وتنوى عرضها على الكنيست للمصادقة عليها قريباً.
على الرغم من كل ما تقوم به الحكومة واعلامها وأدواتها من محاولات التضليل والخداع لتجميل الخطة بهدف تسويقها على أنها ترمى لخدمة السكان البدو من حيث التطوير والبنى التحتية والتنظيم وتمكينهم من الاحتفاظ رسمياً ببعض أراضيهم.. الخ؛ الا أنها في حقيقة الأمر ليست سوى تطهير عرقي واقتلاع للسكان وسرقة أراضيهم بقانون رسمي يصدر عن مؤسسة عنصرية، يخدم المطامع الصهيونية في السيطرة على الأرض وتهويدها وسلب العرب لاحتياطهم من الأرض التي تؤمن لهم امكانية تطورهم المستقبلي وحصرهم في غيتوات على أقل مساحة من الارض واحاطتها بحزام من المستوطنات تحاصر تواصلهم وتمددهم، وهي خطط قديمة منذ بدايات اقامة دولة الكيان.
النقب الذي يشكل 60% من الأراضي الفلسطينية والذي كان الاغلبية الساحقة من سكانه عام 48 من البدو الفلسطينيين وكانوا يملكون قرابة 2 مليون دونم من أراضيه، نظر إليه بن غوريون باعتباره المخزون الاستراتيجي من الأرض للاستيطان اليهودي المستقبلي نظراً لصغر مساحة فلسطين، واعتبر نجاح الصهيونية مرتبط بنجاحها في التوسع الاستيطاني على أراضيه، وحاول أن يكون نموذجاً عندما سكن النقب وطالب أن يدفن به.
وبعد انتهاء حرب 48 مباشرة قامت حكومة بن غوريون، بعملية تهجير وطرد واسعة لبدو النقب وجمعتهم في معسكرات، واستولت لاحقاً على جزء كبير من أراضيهم بحجة قانون أصدرته باسم "أملاك الغائبين"، وحولت الكثير منهم إلى لاجئين داخل النقب وحرمتهم من أراضيهم؛ مما خلق ظاهرة ما يعرف "القرى الاربعون غير المعترف بها" وأشهرها قرية العراقيب التي هدمت أكثر من 40 مرة.
شارون، في العام 2000 وصف الوجود البدوي في النقب بالمشكلة الجدية، فكتب يقول: "في النقب نواجه مشكله جدية، فنحو تسعمائة ألف دونم ليست بأيدينا وانما هي بأيدي السكان البدو، انها ظاهرة ديموغرافية نتيجة للضعف وربما لنقص الوعي، اننا كدولة لا نفعل شيئاً، ان البدو ينتزعون مناطق جديدة، انهم يقتطعون من احتياطي أراضي الدولة ولا أحد يقوم بأمر جدي بشأن ذلك".
فالقضية في نظر شارون، والمجتمع الصهيوني هي قضية الاستيلاء على الأرض وليس أي هدف آخر مما يروج له، والبدو في نظرهم ليسوا الا "متطفلين" على الأرض و"مجرمون منتهكون للقانون"، وحسب موشيه ديان "متخلفون بدائيون" يجب أن تفرض عليهم الدولة التمدن القسري لوقف استيلائهم على الأرض.
عندما جاء شارون للسلطة عام 2001 كلف لجنة برئاسة برفر تحت عنوان "تنظيم اسكان البدو"، والهدف الحقيقي هو نزع ملكيتهم للأراضي ومصادرتها، وجاء من بعد برفر بني بيغن بتكليف من نتنياهو التي دمج توصياته مع توصيات برفر في تقرير باسم "تقرير برفر - بيغن لتنظيم وتسوية اسكان البدو في النقب"، وقد أقرته الحكومة بعد تعديلات طالب بها حزبا "البيت اليهودي" و"المستقبل" تتشدد في تسوية ملكية الأراضي وتضع الكثير من الصعوبات والعوائق والاجراءات المتعلقة بإثبات الملكية للأرض، وكلف المستوطن المتطرف اورى ارييل وزير الاسكان لص الأراضي بتطبيق الخطة التي يقوم أساسها على مصادرة قرابة نصف مليون دونم من أراضي السكان البدو لصالح مستوطنات فردية وجماعية لليهود.
الوجود البدوي في النقب
يعيش اليوم في النقب قرابة 160 ألف نسمة من البدو الفلسطينيين، ويشكلون قرابة 25% من مجموع سكان النقب، وأقل من نصفهم يعيشون في 38 قرية غير معترف بها، ومجموع البدو يملكون اليوم قرابة 5% فقط من مجموع أراضي النقب التي تبلغ مساحتها قرابة 12 ألف كيلو متر مربع و85% منها تخلو من السكان.
وقد واجه الوجود البدوي على أرض النقب الكثير من أشكال التنكيل والقمع والبطش والسياسات الصهيونية التي حولت حياتهم إلى سلسلة طويلة من المعاناة والتحديات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والخدمات البلدية، حيث تفتقر تجمعاتهم السكانية للحد الأدنى من البنى الخدماتية التحتية، فكثير منها بلا ماء أو كهرباء، علاوة على الافتقار للطرق والمدارس ومراكز الرعاية الاجتماعية ونسب بطالة عالية جداً، وتهميش متعمد من قبل مؤسسات الدولة، بل إن حضور الدولة اقتصر بالنسبة لهم في يد الشرطة الغليظة وفى الاجراءات التعسفية العنصرية التي استهدفت الوجود البدوي على أرض النقب.
ومن بين الصور الأكثر بشاعة وقمعية والتي كانت جزء من روتين حياتهم اليومي هدم مساكنهم وقراهم بشكل متكرر، وقيام الطائرات الزراعية برش تجمعاتهم بالمبيدات الحشرية في صورة من صور النازية الجديدة، بالإضافة إلى مصادرة قطعان مواشيهم وحرق مزروعاتهم لمحاربتهم في رزقهم، كل هذا ويقول شارون أن الدولة لا تفعل شيئا في مواجهة البدو!، فما الذي يمكن تفعله العصابات العنصرية ولم تفعله عصابة (تل أبيب) في مواجهة الصمود البدوي على أرض النقب؟.
إن الصراع المحموم والهجوم العنصري المنفلت من كل القيم والمعايير ضد الوجود البدوي على أرض النقب انما يعيد تأكيد على جوهر صراعنا مع المشروع القومي الصهيوني، الصراع على الأرض في الجليل والمثلث والقدس والضفة والنقب، هذا الصراع الذي بدأته الحركة الصهيونية منذ زرعت مستوطناتها الأولى على أرض فلسطين لم ينته بعد.
المصدر: مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية