علي السنيد
في تنازعه مع احد الصحابة طلب يهودي يقطن المدينة التقاضي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودي وهو ما يشي بأن كون الخصم يهوديا لا يعني ذلك في الإسلام الحكم لصالح المسلم ولا تأثير للموقف النفسي المعروف تجاه اليهود على ظلمهم.
وكثيرة هي الشواهد كيف حكم الولاة والقضاة المسلمون لصالح الاقليات ضد اخوانهم في العقيدة عندما كان الحق في غير صالحهم، وكيف تم التراجع عن فتح بلد ما عندما خالف فيه المسلمون العهد، وجرى ذلك بحكم قضائي، وكان عمر ينتصر للقبطي ضد والي مصر، وهو من اكابر الصحابة، والخليفة المسلم يطلب من القاضي مساواته من حيث اللقب مع خصمه الذمي في احدى القضايا.
ولم يكن احد يطمع ان يأكل باسلاميته حقا لغير المسلم، او ان يحظى بمعاملة خاصة، او بمحاباة قاضٍ له على حساب غيره، او ان يتمتع بالحصانة، فحتى عمر رمز العدالة التاريخية لم يخرج من دائرة النقد والمحاسبة.
ويبقى المسلم وغيره امام الحكم الاسلامي سواء، ولا يوجد ما يعطيه خصوصية، او يمكنه من الاستيلاء على حقوق الآخرين، او ظلمهم، ولذلك امنت الناس على حقوقها وحرياتها تحت الحكم الاسلامي، وكان الاسلام يعطي الطمأنينة لكل من يستظل به، وما خشيت الفئات الاجتماعية على نفسها من ان تظلم، او ان يصار الى اضطهادها ، او الانتقاص من حقوقها على خلفية المعتقد، او كونها اقلية داخل الوسط الإسلامي. وحكم المسلمون بالعدالة كمبادئ عامة، وليست العدالة للمسلم، وضد غيره، او ان تستخدم السلطة في صالح من يدعون انهم اسلاميون ضد غيرهم .
فكيف يجوز في هذا الزمن ان يعتقد البعض ان انتماءه لحزب اسلامي يعطيه خصوصية ضد اخيه المسلم الذي يشترك معه في العقيدة ، ويعطي لذلك مبررات دينية بدلا من الشكل الحقيقي لها وهي انما تدور في اطار الصراع السياسي للحصول على المكتسبات والسلطة.
فهل لمجرد ان الشخص عضو في حزب يتخذ له اسما اسلاميا يحدث ان يطلب لنفسه تميزا، ويلمح الى ان الحق معه حيث يسير، وان تأييد الله مكرس له، اما غيره فهم ليسوا على شيء، وان كانوا مسلمين يقيمون اركان الاسلام وفرائضه، حيث إن انتسابهم للحزب هو ما يحدد نسبة اسلاميتهم، فينحازون لانفسهم، ويحكمون لانفسهم، وتجدهم يكرسون المكتسبات لانفسهم، ولمؤيديهم، حتى اظهروا الاسلام وكأنه حالة انحياز لفئة، وليس انحيازا للمبدأ والفكرة الاسلامية.
المسلمون حكموا مجتمعات فسيفسائية جمعت كافة انواع الطيف البشري، وما ميزوا بين مسلم وغيره في الحكم الاسلامي، والكل تمتع بخيرات الاسلام، ووجدت الاقليات العرقية والدينية الأمان على نفسها، وكان ذلك مدعاة لتكون حضارة عالمية هي في محصلتها امتزاج لثقافات الأمم وخصائصها الاجتماعية وإعادة تدويرها في البوتقة الإسلامية.
ولم نشهد تاريخيا ان يتم التمييز بين المسلم، والمسلم على اساس ان هذا في الحزب، وذلك في خارجه الى درجة ان يكون شعار حملات بعض المرشحين المنتمين لحزب اسلامي “انصروا الإسلام”وذلك بالتصويت له، واعتبار التصويت لأخيه المسلم؛ الذي هو خارج الحزب ليس نصرة للاسلام بغض النظر عن الكفاءة والقدرة على شغل الموقع مدار التصويت.
راعني والله اجابات اسلاميين في الاحزاب بكونهم سيصوتون لابن التنظيم، ولو كان في مواجهته مسلم اكثر كفاءة منه، لكونهم ملتزمين للتنظيم، وموضع الغرابة انهم يدعون الى اقامة الدولة الاسلامية، والحكم الاسلامي .
قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون “.