كثيرات هن النساء الفلسطينيات اللاتي قدمن أرواحهنَّ وأولادهنَّ فداءً لله وللوطن، نساءٌ نذرن أنفسهن بلا هوادة ولا تقصير من أجل تحرير فلسطين، وكثيراتٌ هُنَّ النساء اللواتي سطرنَ في حياتهنَّ أعظم المواقف البطولية والوطنية في فلسطين، وحين يمرُ بنا شريط الذكريات، نتوقف عند امرأة تختلف عن باقي أمهات فلسطين بحبها الشديد للوطن ولله، هي "أم نضال فرحات"، تًوصف بقوة المشاعر ورباطة الجأش، فقد عهدنا منها المواقف القوية والصبر والتحمل حين كانت تُجهز بنفسها أبناءها للاستشهاد، وتعدُ لهم العتاد والعُدة،كانت تودعهم وهي تعلم جيداً أنهم ذاهبون للقاء الله ورسوله.
هذه هي الأم التي جسدت نفسها كمدرسة تُربي أبنائها وأبناء شعبها وتحثهم على الجهاد والرباط، تُعلم الأمهات الأخريات كيف التضحية والفداء،فقد كانت أم نضال تستقبل نبأ استشهاد أبنائها بالزغاريد،هي تكرار للخنساء التي عاشت في صدر الإسلام ونذرت أبنائها لله، فقد عرفت أم نضال "بخنساء فلسطين".
فاجعة الفراق
قبل أيام قليلة فجع الناس بنبأ وفاة الأم الفلسطينية "أم نضال"،التي قبل أن تُفارق الحياة وقبل أن نودعها،ودّعت أبنائها الثلاثة نضال ومحمد ورواد، لتكون بذلك بمثابة الأم الروحية للشباب المُجاهدين، ومثالاً للصبر والقوة، فهي "أم الرجال" التي ما كان يهزها كربٌ ولا تُثنيها مُصيبة عن الاستمرار في الجهاد، فقد تعرض منزلها للقصف أربع مرات،وكل ذلك كان يزيد من إرادتها ويقوي من حُلمها بتحرير الأقصى وفلسطين.
الإبنة الكُبرى لأم نضال "إيمان فرحات" 43 عاماً، تقول والحزن يعتريها ويجتاح قلبها:"فقدان أمي ليس خسارة لنا فقط نحن أبناؤها، بل خسارة للأمة الإسلامية أجمع، فقد كانت بمثابة الأم الحنون والمربية الصالحة التي ربتنا على حب الله والجهاد في سبيله".
وتتابع: كانت أمي رغم مُعاناتها من الألم والمرض تُشيع في البيت روح المرح والحب بين أبنائها وأحفادها، فبدل أن يقبّلوا هم يديها، كانت هي التي تقبّل أياديهم".
نهاية الألم
ويقول الإبن "وسام " الأسير المُحرر منذ ثلاث سنوات في عن معاناة والدته مع المرض: في الفترة الأخيرة عانت كثيراً من الأوجاع خصوصاً بعد عملية القلب المفتوح،حيثُ اشتد عليها المرض، فكان كل عضو في جسمها يؤلمها، وأجريت لها أكثر من عملية في الخارج، ولكن إرادة الله فوق كل شيئ".
ويتابع وسام بالقول: "قررت أن تعود لغزة بعد رحلة علاج طويلة، حيث رأت في منامها الشهيد عماد عقل، وإبنها نضال، ينتظرونها في الجنة، لذلك فضلتْ أن تموتَ على أرض غزة وكان لها ذلك".
وعن آخر المواقف التي حصلت مع أم نضال، يقول وسام: "أصعب موقف مررتُ به حين كانت مُلقاة على فراش الموت وهي تلفظ كلمة جنة وتكررها أكثر من مرة".
عشقٌ بلا حدود
وفي سؤال حول حبها للجهاد والاستشهاد، يقول إبنها "وسام": "إن من أبرز صفاتها هي حبها للجهاد ودعم المجاهدين معنوياً ومادياً، فكانت رغم آلامها وأوجاعها لا تتوانى عن بذل المزيد من العطاء، فتذهب لمواقع الرباط في الخطوط الأمامية لتُشارك المرابطين رباطهم وكانت هذه الأوقات من أسعد اللحظات لديها".
ويتابع: "أمي كانت من أشد النساء حُباً للشهادة، كانت دائما تدعو الله في صلاتها وقيامها أن يرزقها إياه، وتمنت أن تلقى الله شهيدة في عملية استشهادية".
ويؤكد أنّ أمه اختارت لنفسها ولهم طريق الله وأنهم لن يملوا من تقديم الشهداء حتى تحرير بلادنا وأقصانا "فكل شيء يهون في سبيل الله".
ذكريات في القلب
الإبنة "إيناس" 26 عاما، تحدثت عن جميل الذكريات والمواقف الحياتية التي كانت تجمعها وأخواتها مع أمهم، لتقول: "كانت أمي تحب أن نجتمع عندها لنتبادل الأحاديث، فكنا مُجتمعين ذات يوم،وأخذت تُمارس علينا روح المرح والمزاح، يومها تبسمت في وجهي وقالت سنجتمع ذات يوم في الجنة كجمعتنا هذه".
وتوضح إيناس، أن حياتها مع أمها كانت مليئة بالذكريات التي لا تُنسى وتبقى محفورة في الذاكرة، فأمها كانت منبعا للحنان والحب، لا تمل منه ولا تكل.
وخلال زيارة لمنزل أم نضال، قال صلاح سلطان، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كلمة رثى فيها الحاجة المُناضلة وأثنى على تضحياتها، وعلى ما قدمته لفلسطين من عطاء زاخر.
وأضاف: "كانت أم نضال من أشد نساء فلسطين قوة وكنتُ أستمدُ قوتي وعزيمتي منها،لأنها كانت بألف رجل، أحبتْ الله كثيراً، أكثر من حبها لأولادها، وأبقت من النساء ما نرجوا أن يكنَّ مثلها".
رحلت "أم نضال"، وتركتْ طريق جهاد تسلكه كثير من النساء اللواتي عاهدناها على المُضي قُدُماً في سبيل الله، من أجل تحقيق الهدف المنشود التي كانت تحلم بأن تحققه قبل أن تموت،ألا وهو تحرير فلسطين..كل فلسطين.
المصدر: الاستقلال