نشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية تقريرا بعنوان “هؤلاء الشباب الملتزمون بغزة في “نضال سياسي عالمي”: “لقد تغير شيء ما بداخلي، لم أعد أستطيع البقاء متفرجاً”، تحدثت فيه عن جيل من الشباب الفرنسي في سن العشرينيات انخرط في الدفاع عن غزة وأهلها مدفوعا بتدفق صور الحرب على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يعد تحولا جذريا في الوعي السياسي للشباب الفرنسي.
وسلط التقرير، الذي أعده رشيد ليريش ومراسلتيها ميتي دارنو في ليون وإيلودي أوفراي في بريتاني، على فئة من هذا الشباب قالت إنهم لم يكونوا بالضرورة ناشطين سياسيين لكنهم وجدوا أنفسهم في “الخطوط الأمامية” للدفاع عن القضية الفلسطينية، معتبرين ذلك “نضالا سياسيا شاملا” يتجاوز الجغرافيا ليمسّ قضايا العدالة والمساواة ومناهضة العنصرية.
ويعزو المحللون والناشطون هذا التحول إلى التدفق الهائل للصور والفيديوهات عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما أسهم في نقل تفاصيل الحرب والمجاعة في قطاع غزة مباشرة إلى هواتف الشباب، حيث خلق هذا “الفيض البصري” شعورا عميقا بالظلم، خاصة عند مقارنة رد الفعل الدولي تجاه غزة بالدعم السريع الذي تلقته أوكرانيا.
فقد دفع هذا التمييز كثيرا من الشباب ـ الذين التقت الصحيفة ببعضهم- مثل كلارا وإليز (الأسماء تم تغييرها) إلى مغادرة مقاعد المتفرجين والمشاركة في المظاهرات والتحركات الميدانية للتنديد بمصير الفلسطينيين والانتهاكات المتعددة لوقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ.
صحوة داخلية وكسر الصمت
ويتحدث من تواصلت معهم الصحيفة عن صحوة داخلية، حيث تقول ليريتسيا “لقد بحثت عن المعلومات، وكلما عرفت أكثر، زاد شعوري بالمسؤولية للتحرك وبواجب فعل شيء ما. لم يكن من الممكن أن أبقى جالسة على أريكتي”.
ويقول شارل وهو طالب حقوق في جامعة السوربون، “نحن مضطرون لفعل شيء ما”. وأثناء مشاركته في تجمع صغير مؤيد لفلسطين، تنحى جانبا ليوضح “يقول الناس إننا راديكاليون للغاية، أو حتى خطرون أو معادون للسامية، وإننا نصرخ بصوت عالٍ جدا، لكن لا يمكننا البقاء صامتين أمام موت آلاف الأشخاص تحت أنظار حكوماتنا”.
وتؤكد الصحيفة على أنه بالفعل هزت الحرب في غزة الضمائر في العديد من الجامعات الفرنسية، تماما كما حدث في الولايات المتحدة، حتى جعلت هؤلاء الطلاب الغربيين المنتمين في غالبيتهم إلى الطبقات المتوسطة والعليا يخطون خطواتهم الأولى في النشاط السياسي.
ويكشف تقرير الصحيفة عن وجود صدع عائلي ناتج عن هذا الالتزام، حيث يجد الآباء صعوبة في استيعاب ما يعتبرونها راديكالية متزايدة لدى أبنائهم، إذ يرى الجيل الأكبر مثل جيرالد (والد كلارا) الوضع من منظور “التعقيد الجيوسياسي”، في حين يرى الأبناء مثل كلارا أن الموقف أخلاقي بحت ولا يقبل القسمة، واصفين صمت الجيل القديم بأنه “بورجوازية” أو “تعامٍ مقصود” عن رؤية خطورة الأحداث.
يقول جيرالد الذي يشعر بأن الوضع “تجاوزه” ويكرر أن ابنته تغيرت، “لست ضد تسييس ابنتي بل العكس، لكني أحاول أن أفهمها تعقيد الوضع في الشرق الأوسط، وهي تقول لي إنني بورجوازي يرفض رؤية خطورة الأمور”.
من التظاهر إلى العمل المنظم
ولفت التقرير إلى أن هذا الحراك يتميز بكونه مستقلا عن الهياكل الحزبية التقليدية، فالشباب ينظمون أنفسهم في مجموعات صغيرة من الأصدقاء، ويعتمدون على مصادر معلومات بديلة بسبب فقدان الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، التي يتهمونها بالانحياز أو “تبسيط الواقع".
وحسب التقرير لم يقتصر هذا الالتزام على طلاب الجامعات النخبوية مثل “سيانس بو” (معهد العلوم السياسية)، بل امتد ليشمل شباب الأحياء الشعبية الذين وجدوا في القضية الفلسطينية انعكاسا لتجاربهم الخاصة مع التهميش وازدواجية المعايير.
ولا يتوقف هذا الالتزام أيضا عند التظاهر في الساحات العامة، بل إن بعض الناشطين انتقلوا إلى العمل الإغاثي المباشر مثل التحضير لقوافل المساعدات، في حين يخطط آخرون لتحويل هذا الوعي إلى قوة انتخابية في الاستحقاقات القادمة.
وخلص التقرير إلى أن الحرب في قطاع غزة لم تكن مجرد حدث عابر بالنسبة لهذا الجيل، بل كانت “الشرارة” التي أعادت تشكيل هويتهم السياسية ودفعتهم إلى الإصرار على عدم البقاء “مكتوفي الأيدي” أمام ما يصفونه بـ”فشل المنظومة العالمية”.