غزة - وكالات
يغري صمت الوسطاء وحالة اللَّامبالاة التي يمارسونها إزاء الخروقات الإسرائيلية المستمرة، جيش الاحتلال باستسهال أوامر إطلاق النار، حتى من دون وجود داعٍ عملياتي أو أي تهديد ميداني يشكّل خطراً على الجنود المنتشرين في مناطق «الخط الأصفر». واحد من تلك الخروقات الدامية وقع، مساء الجمعة الماضي، وطاول مدرسة «شهداء غزة» التي تؤوي المئات من النازحين، في حي التفاح شرقي مدينة غزة.
ووفقاً لشهادة المواطن إسماعيل البرش، فقد بادر جنود العدو المتمركزون على تلّة الريس المقابلة لمركز الإيواء الواقع غرب شارع صلاح الدين، بإطلاق الرصاص بشكل مباشر في اتجاه الصفوف التي يقيم فيها نازحون، قبل أن يطلقوا قذائف الدبابات على المركز. ويقول الرجل الستيني إن «المدرسة تؤوي نازحين من جباليا البلد، تهدّمت منازلهم ونزحوا إليها بعدما انعدمت الخيارات أمامهم. أُطلقت القذيفة الأولى وتسبّبت بمقتل وإصابة العشرات. ولدى محاولة الأهالي انتشال المصابين والشهداء، عاجلتنا الدبابة بقذيفة ثانية، ثم تقدّمت قوات العدو الراجلة وفرضت حصاراً على المنطقة، ومنعت طواقم الإسعاف من الوصول لإجلاء الشهداء والمصابين». ويفيد مسؤول «وحدات الخدمات الطبية» في شمال القطاع، فارس عفانة، بدوره، بأن جيش الاحتلال عطّل التنسيق للوصول إلى مركز الإيواء المُستهدف لمدة ساعتين، رغم أن المدرسة تقع في المناطق الخضراء البعيدة نسبياً عن «الخط الأصفر». وأدّت الحادثة، بالنتيجة، إلى استشهاد 7 مواطنين من عائلتَي البرش والنذر، وإصابة العشرات.
تلك الواقعة هي جزء من سلسلة مستمرة من الخروقات التي أضحت واقعاً يومياً في المناطق الشرقية لمدينة غزة، تَمثّل آخر فصوله في إطلاق جيش الاحتلال، مساء أمس، النار في اتجاه عمارة الملش في شارع يافا في حي التفاح، ما تسبّب في استشهاد امرأة وإصابة 4 أشخاص آخرين، علماً أن البناية السكنية تبعد عن «الخط الأصفر» مسافة تتجاوز الكيلومترين. ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة، فإن الخروقات اليومية لوقف إطلاق النار تسبّبت منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، في العاشر من تشرين الأول الماضي، في استشهاد أكثر من 400 مواطن وإصابة المئات، معظمهم في مناطق بعيدة نسبياً عن «الخط الأصفر».
ورأى «المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» أن هذه الوقائع المتصاعدة هي انعكاس للغطاء الذي منحته الولايات المتحدة لإسرائيل على طريق تأبيد الوضع الراهن في غزة، والذي يمثّل شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية. وقال المركز الحقوقي، في بيان، إن «دعم واشنطن، تل أبيب، في رهن التقدّم في مسار وقف إطلاق النار باستعادة آخر جثة من غزة، هو تواطؤ مشين في استمرار انتهاك وقف إطلاق النار وحصار المدنيين وتشريدهم وتدمير ما تبقّى من منازلهم»؛ علماً أن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، كان ربط الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، باستعادة جثمان آخر أسير إسرائيلي كانت المقاومة قد اختطفته في عملية «طوفان الأقصى». وشدّد البيان على أن «مصير أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة لا ينبغي أبداً أن يرتهن لأي اشتراطات قد يكون من الصعب تحقيقها على أرض الواقع». ولفت إلى أن «حجم الدمار الهائل في قطاع غزة والتدمير المنهجي لمعظم آليات ومعدّات البحث والإنقاذ، يعقّدان إمكانية تحقيق الشرط الإسرائيلي للتقدّم في مسار وقف إطلاق النار»، مؤكّداً أن «دعم الإدارة الأميركية إسرائيل في هذا الإطار يرسّخ خلطاً غير مشروع بين المسارات التفاوضية وحقوق إنسانية مكفولة يجب إعمالها فوراً، ومن دون رهن أو مساومة تحت أي ذريعة».
وفي سياق ذي صلة، تزايدت حالات انهيار المنازل الآيلة للسقوط على رؤوس سكانها؛ إذ انهار ليلة السبت - الأحد منزل لعائلة لبد في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، ما أدّى إلى استشهاد 9 مواطنين تحت أنقاضه، الأمر الذي يرفع عدد شهداء انهيار المنازل المتضرّرة بشكل جزئي إلى 18 شهيداً، منذ بدء المنخفضات الجوية. وبحسب المتحدّث باسم «جهاز الدفاع المدني»، محمود بصل، فإن «كارثة حي الشيخ رضوان مرشّحة للتكرار في مئات المنازل التي يسكنها المواطنون الذين لا مأوى لهم، رغم عدم صلاحيتها للسكن».
في ضوء كل ذلك، يتأكّد مجدّداً أن إسرائيل تسعى إلى تثبيت واقع ميداني ومعيشي، عنوانه اليد المطلقة في الميدان، ومضاعفة معاناة السكان، وتحويل القطاع إلى بيئة طاردة للحياة. ولا يُقرأ اشتراط استعادة آخر جثمان إسرائيلي من غزة للانتقال إلى المرحلة الثانية، إلا في إطار خلق الذرائع لتأبيد الوضع الراهن، باعتبار أن واقعاً كهذا، سيساهم في تحقيق الحلم الإسرائيلي التاريخي، المتمثّل في تهجير الجزء الأكبر من سكان غزة.
المصدر: الأخبار اللبنانية
