قائمة الموقع

"الخط الأصفر"... مشروع "إسرائيلي" لتحويله إلى حدود دائمة لغزة

2025-12-09T09:56:00+02:00
وكالة القدس للأنباء - متابعة

أعادت تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال "الإسرائيلي" إيال زامير، خلال جولة أمس الأول الأحد في منطقتي بيت حانون وجباليا شمالي قطاع غزة، بشأن "الخط الأصفر" الذي تتمركز فيه قوات الاحتلال حالياً، واعتباره خطاً حدودياً دفاعياً وهجومياً، النقاش حول مستقبل مساحة قطاع غزة وإمكانية فرض الاحتلال سيطرة أمنية وجغرافية وديمغرافية في تلك المنطقة.

ورغم النفي "الإسرائيلي" السابق بشأن تحوّل "الخط الأصفر" إلى حدود دائمة في القطاع، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تصريحات متنوعة لمسؤولين سياسيين وأمنيين "إسرائيليين" بشأن عدم الانسحاب من القطاع وضرورة نزع سلاح حركة حماس وإسقاط حكمها تماماً. وتتزامن التصريحات مع زيادة في وتيرة النقاش والتسريبات الإعلامية حول مستقبل المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصاً مع أقل من ثلاثة أسابيع على زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض.

الأنظار على المرحلة الثانية في غزة

وتنص المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب القوات "الإسرائيلية" وتراجعها إلى ما بعد الخطوط التي تواجدت عليها بالتزامن مع انتشار القوة الدولية وبدء بحث عملية نزع سلاح المقاومة الفلسطينية. وبدا واضحاً حالة التناغم في تصريحات زامير مع حديث نتنياهو بشأن المرحلة الثانية ومحاولة اختزالها بنزع سلاح حماس والقطاع وانتقاداته لقوة الاستقرار الدولية، إلى جانب حديث رئيس الأركان الواضح عن عدم وجود وضوح في الرؤية بشأن من سيتولى مهمة إدارة القطاع في المرحلة الثانية.

وقبل يومين وجّه نتنياهو انتقاداً مباشراً إلى المساعي الأميركية لإنشاء قوة دولية مؤقتة في غزة، حيث قال: "أصدقاؤنا في الولايات المتحدة يريدون إقامة قوة دولية لتنفيذ المهمة، قلت لهم تفضلوا، ولكن ليست كل الأمور يمكنهم القيام بها، وربما لا يستطيعون تنفيذ الأمر الأهم". في الوقت ذاته، تأتي تصريحات زامير في وقت يحذر فيه الوسطاء القطريون والمصريون من إمكانية تعثّر المفاوضات بسبب الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية المتكررة للاتفاق خلال الفترة الماضية وحالة المماطلة الحاصلة.

وسبق أنّ قال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن مفاوضات السلام في غزة تمر بلحظة مفصلية، مشيراً إلى أن الوسطاء يعملون معاً لفرض تنفيذ المرحلة التالية من وقف إطلاق النار، مؤكداً أن جهود وقف إطلاق النار التي بُذلت مطلوبة لمرحلتي الاستقرار وتأسيس الدولة الفلسطينية.

ويقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات زامير تأتي في سياق المسعى الإسرائيلي المتواصل لفرض أجندة المرحلة المقبلة وفق الرؤية الإسرائيلية حصراً، بحيث تُحصر النقاشات والمقترحات داخل الإطار الذي تضعه تل أبيب مسبقاً. ويوضح الطناني أن هذا التوجه بدأ عبر الضخ الإعلامي الكثيف حول مسألة نزع السلاح، وما يتبعها من تفاصيل مرتبطة بالأنفاق ومنظومات التصنيع العسكري وإبعاد المقاتلين، ثم انتقل الآن إلى تثبيت مفهوم "عدم الانسحاب" في حال الإعلان رسمياً عن الانتقال إلى المرحلة التالية من الحرب.

ويشير إلى أن ما يطرحه الاحتلال من بقاء طويل الأمد في أكثر من نصف مساحة القطاع، يتجاوز بكثير الإطار الزمني الوارد في خطة ترامب، ويمكن ربطه مباشرة بحملة النسف والتجريف اليومية شرق "الخط الأصفر". ويضيف أن هذه العمليات ليست سوى تهيئة ميدانية لتحويل تلك المناطق إلى أراضٍ عازلة خالية من العوائق الحضرية، بما يسمح بسيطرة عسكرية واسعة وسهولة الحركة والمراقبة، وهو ما يعني عملياً تقليص المساحة المتاحة لسكان غزة إلى أقل من النصف، والإبقاء على أكثر من مليون فلسطيني في حالة تهجير دائم بعيداً عن مناطق سكنهم الأصلية.

ويؤكد الطناني أن التصريح ورغم صدوره عن مستوى عسكري، إلا أن جوهره سياسي بامتياز، ويحمل رسالة مُوجّهة للوسطاء وللإدارة الأميركية قبيل أي إعلان محتمل عن بدء المرحلة الثانية، فإسرائيل تسعى لمنح نفسها اليد العليا عبر فرض اشتراطات قاسية تتعلق بنزع السلاح وربطها بأي حديث عن انسحاب مستقبلي، في حين يبقى جيش الاحتلال متمركزاً وقادراً على التحرك السريع نحو المناطق المأهولة غرب "الخط الأصفر". ويبيّن أن هذه التحركات قد تُقدَّم كعمليات "موضعية ومحدودة" بزعم استهداف بنى تحتية للمقاومة، لكنها في الحقيقة تهدف إلى تكريس حرية الحركة لقوات الاحتلال داخل القطاع واستدامة الفعل العدواني، بما يمنح تل أبيب قدرة دائمة على التدخّل العسكري متى شاءت ويفرض واقعاً أمنياً جديداً يخدم مشروعها طويل الأمد.

بدوره، يقول الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي تيسير سليمان إن التصريحات الأخيرة الصادرة عن زامير تعكس استمرار غياب الرؤية الواضحة لدى المستويين العسكري والسياسي لشكل وترتيبات مستقبل قطاع غزة. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن رئيس الأركان الإسرائيلي "يواصل تبني الطروحات التي يروج لها بنيامين نتنياهو"، معتبراً أن هذا التماهي في هذا التوقيت بالذات "يكشف محاولة من بعض القيادات العسكرية، على رأسهم زامير، البقاء ضمن الدائرة الأقرب لنتنياهو، في ظل الخلاف القائم مع وزير الأمن إسرائيل كاتس.

ويلفت إلى أن إسرائيل، على المستويين السياسي والعسكري، "لا تفكر فعلياً في الانسحاب من جغرافية قطاع غزة"، رغم تعارض ذلك مع مواقف إقليمية ودولية، ومع بعض التصريحات الأميركية العلنية، مشيراً إلى أن "الذريعة الأمنية ستظل العنوان الأساس الذي تستخدمه إسرائيل لتبرير استمرار وجودها ودورها داخل القطاع مستقبلاً".

وبرأي سليمان، فإن حديث زامير الأخير يحمل في جزء منه محاولة تبرير الخروقات التي تنفذ في غزة، سواء عبر التوسع في مناطق السيطرة بين الخطين الأصفر والأحمر، أو عبر الإبقاء على جيوب أمنية وعسكرية داخل القطاع. وينبه إلى أن جيش الاحتلال يسعى إلى الحفاظ على نقاط ارتكاز تُتيح له التحكم بالمشهد الميداني والأمني، سواء على الحدود، أو في محور فيلادلفيا، أو في المعابر، أو حتى في المجال الجوي للقطاع. ويشير إلى أن إسرائيل تحاول استباق تشكيل قوة الاستقرار الدولية، عبر سحب أي صلاحيات محتملة يمكن أن تُمنح لها في مراقبة الاتفاق أو توفير الحماية الأمنية، بما يضمن لإسرائيل بقاء اليد العليا في غزة.

من جانب آخر، يعتبر سليمان أن تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق كشف بوضوح أن إسرائيل غير معنية بتنفيذ أي من المراحل وفقاً للنص الوارد في خطة ترامب وأنها تسعى لإعادة تشكيل مراحل الاتفاق بناءً على احتياجاتها ورؤيتها الخاصة، بعيداً عن جوهر الخطة.

اخبار ذات صلة