حلّ الدولتيْن، الذي يتحدّث عنه العرب والمسلمين والمجتمع الدوليّ أصبح في خبر كان، فالضفّة الغربيّة المُحتلّة باتت تحت سيطرة المستوطنين، المدعومين من الجيش، فيما التخطيط لقطاع غزّة أنْ يكون تحت سلطةٍ دوليّةٍ، دون مشاركة حتى السلطة في رام الله، ومع ذلك تُواصِل الولايات المُتحدّة الأمريكيّة مساعيها على الأرض لفرض واقعٍ جديدٍ لدفن حلّ الدولتيْن مرّةً واحدةً وإلى الأبد، دون الأخذ بعين الاعتبار الحقوق التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ، الذي سُلبَ وطنه، وتمّ تهجير شعبه وما زال التشريد مستمرًا.
قاعدة عسكرية داخل "القاعدة"
وفي هذا السياق، ونقلاً عن محافل سياسيّةٍ مطلعةٍ جدًا في تل أبيب، كشفت صحيفة (ذي ماركر) العبرية، النقاب عن تلقى كبار مسؤولي ما تُسّمى بـ “دائرة أراضي إسرائيل” طلبًا من وزارة الشتات للقاء ممثلي شركةٍ أمريكيّةٍ، ترغب في إقامة قاعدةٍ عسكريّة للولايات المتحدّة في "إسرائيل"، ويقف خلف هذا الطلب مدير عام الوزارة، الذي حاول مساعدة مصالح تجاريةٍ لشخصٍ مقربٍ منه.
ومضت الصحيفة قائلةً إنّ “مَنْ يفحص تكاليف القواعد الكبيرة للجيش الإسرائيليّ التي أُقيمت في الجنوب خلال السنوات الأخيرة سيكتشف أنّ كلّ واحدةٍ منها كلفت مليارات الشواقل. ومع ذلك، المشروع الكبير التالي لإقامة قاعدة في النقب من المتوقع ألّا يكون للجيش الإسرائيليّ، بل للجيش الأمريكيّ".
وأوضحت: “تقدَّر تكلفة إنشاء (قرية المخابرات)، التي لم تكتمل بعد، في عام 2020 بـ 3 مليارات شيكل، أمّا مدينة التدريب (معسكر شارون) فقد أُنشئت أيضًا باستثمار 2–3 مليارات شيكل، وتقدر تكلفة إنشاء كريات الاتصالات أيضًا بـ 2 مليار شيكل عند إطلاقها. لذلك، بالنسبة للقاعدة الأمريكية، حتى لو كانت التكلفة بالدولار، فإنّ مَنْ سينشئها سيجني مليارات الشواقل من الدخل المحتمل".
وشدّدّت الصحيفة العبريّة على أنّه “في الوقت الذي لم يُعرف بعد على المستوى السياسيّ أين وبأيّ شروطٍ ستُقام القاعدة، هناك مَنْ يترقب الأرباح المستقبليّة منها".
في بداية الشهر، تلقى كبار المسؤولين في سلطة أراضي إسرائيل طلبًا غريبًا بخصوص القاعدة الجديدة، جاء من وزارة الشتات تحت قيادة الوزير عميحاي شيكلي.
وتساءلت الصحيفة: ما علاقة وزير الشتات بقاعدةٍ أمريكيّةٍ جديدةٍ؟ من الصعب فهم ذلك. وزارة الشتات مسؤولة عن إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ نهاية 2024، تعمل الوزارة مع القيادة الأمريكية للتنسيق في كريات جات، ومع ذلك، إنشاء قاعدة عسكرية يختلف عن تنسيق إدخال المساعدات، وكان من المتوقع أنْ يتم بمشاركة وزارة الأمن، مكتب رئيس الحكومة أوْ وزارة الخارجية.
الشرح وراء الطلب من وزارة الشتات هو أنّ ممثلين ووسطاء يسعون لبناء علاقاتٍ مع الحكومة يحاولون استغلال أيّ معرفةٍ بالمؤسسات الحكومية كأصلٍ لتقدم مصالح شركاتهم.
من هو نايت البيرس؟
وتابعت الصحيفة أنّ اسم الشركة الأمريكيّة التي حاول مدير عام وزارة الشتات ترتيب لقاءٍ لها مع كبار مسؤولي سلطة الاراضي، هو دي.إم.جي ومتخصصة في تصميم وبناء وتشغيل المنشآت المؤقتة.
وأضافت أنّ مالك الشركة هو نايت ألبيرس، المقرب من دونالد ترامب، وقد زار مع زوجته عدة مرات مار-آ-لاجو في فلوريدا، ويتعاون مع إريك ترامب في صندوق حماية الحيوانات.
ووفق تقريرٍ نشرته (بلومبرغ) عنه، يمتلك ألبيرس طائرةً خاصّةً باسمه والتي هبطت فعليًا في "إسرائيل" في 8 كانون الأولّ (ديسمبر)، وجاءت مباشرةً من ميامي، ثم أقلعت بعد يومين.
وتابعت: “في الأشهر الأخيرة، ظهر ألبيرس في الإعلام الأمريكيّ بعد أنْ فاز بجزءٍ من مشروع إقامة معسكر احتجازٍ ضخمٍ للمهاجرين في نيو مكسيكو باستثمار 1.3 مليار دولار. ومن المفارقات أنّ إحدى الشركات السابقة التي كان لألبيرس حصص فيها تورطت في 2019 بعد توظيفها عمالًا غير قانونيين وإخفاء ذلك عن السلطات، وفق ما أوردت وسائل الإعلام الأمريكيّة.”
ولفتت الصحيفة إلى أنّ المصادر المطلعة على أحداث إنشاء القاعدة الأمريكيّة وصفت الوضع بأنّ ممثلي الشركات الخاصة يحاولون بسرعةٍ تكوين علاقات على الأرض للتفوق على منافسيهم.”الميدان مليء بالمحتالين الذين يحاولون جني أرباح”، وصف ذلك مسؤولٌ حكوميٌّ مطلعٌ.
وأكّدت: “حتى المستوردون الإسرائيليون للطعام تلّقوا بالفعل اتصالاتٍ من شركاتٍ أمريكيّةٍ بشأن إمكانية وتكلفة توفير الطعام لـ 10,000 جندي سيكونون في القاعدة بشكلٍ دائمٍ. وقد قدر هؤلاء المسؤولون تكلفة إنشاء القاعدة بـ 600 مليون دولار.”
واختتمت الصحيفة قائلةً: “تذكّر هذه الخطوة أنّه إذا تمّ اتخاذ قرارٍ بإنشاء القاعدة الأمريكيّة، سيكون من الضروريّ تحديد ما إذا كانت ستُقام في إسرائيل أوْ في قطاع غزة، في منطقة خارج الخط الأصفر التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيليّ، وما إذا كانت الشركة التي ستنشئها ستحصل على الأرض من سلطة الاراضي معفاة من المناقصة”، على حدّ تعبيرها.
جديرٌ بالذكر أنّ القواعد العسكريّة الأمريكيّة منتشرةً في الوطن العربيّ لإحكام سيطرة واشنطن على الدول العربيّة التي تُجبَر على استضافتها وعلى حسابها، ولعبت هذه القواعد دورًا كبيرًا في إمداد إسرائيل بالأسلحة خلال العدوان الهمجيّ والبربريّ على قطاع غزّة.