وكالة القدس للأنباء - متابعة
أعاد التصعيد الإسرائيلي المفاجئ في غزة، مساء الأربعاء وحتى فجر أمس الخميس، والذي أدى إلى سقوط 40 شهيداً، تذكير الفلسطينيين في القطاع بأن حرب الإبادة الإسرائيلية لم تتوقف بشكل كامل على الرغم من الاتفاق المبرم في العاشر من أكتوبر /تشرين الأول الماضي. ووثّقت الجهات الصحية في غزة، استشهاد 40 فلسطينياً وإصابة أكثر من 105، جراء الغارات الإسرائيلية المكثفة التي طاولت مناطق عدة في قطاع غزة خلال أقل من 24 ساعة، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وشكّل الخرق الإسرائيلي الجديد لاتفاق شرم الشيخ الموقع بوساطة قطرية وتركية ومصرية وأميركية، أحد الملامح التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى ترسيخها منذ التوصل للاتفاق، عبر تثبيت قواعد اشتباك جديدة في غزة. وباتت الخروقات الإسرائيلية المتكررة للاتفاق، تتماشى مع ما يقوم به الاحتلال من جهد استخباري ميداني يقوم على جمع معلومات يستهدف من خلالها تنفيذ عمليات اغتيال تطاول قيادات ميدانية أو قيادات بارزة في المقاومة الفلسطينية في غزة.
وقبيل التصعيد على القطاع، تذرع الاحتلال بوقوع عمليات إطلاق نار استهدفت قواته خلف الخط الأصفر في منطقة خانيونس جنوبي القطاع، إلى جانب عملية إطلاق نار شمالي القطاع، دون تسجيل إصابات في صفوف قواته.
وتعتبر هذه هي المرة الثالثة التي يشنّ فيها الاحتلال، عمليات قصف واسعة على القطاع منذ الوصول إلى اتفاق وقف النار، حيث وثّقت الجهات الحكومية في غزة استشهاد نحو 300 فلسطيني وإصابة المئات جراء الخروقات الإسرائيلية المتكررة للاتفاق.
توسيع المنطقة الصفراء
ميدانياً، أقدم الاحتلال في الساعات الأخيرة على توسيع المنطقة الصفراء (التي تسيطر عليها قوات الاحتلال في القطاع) من خلال العمل على وضع مكعبات إسمنتية باللون الأصفر في المنطقة الواقعة قرب مقبرة الشعف بحي التفاح شرق مدينة غزة، فضلاً عن تنفيذ قوات الاحتلال عمليات نسف قرب منطقة السمري في الحي ذاته.
وعلّق المتحدث باسم حركة حماس، حازم قاسم، على هذا التصعيد، بالقول إن الاحتلال الاسرائيلي ارتكب مجزرة كبيرة في قطاع غزة، رغم وجود اتفاق لوقف الحرب، حيث أقدم على انتهاك الاتفاق من خلال قتل العشرات أو إصابتهم، ومن بينهم نساء وأطفال. وأضاف قاسم عبر منصة "تليغرام" أن هذا السلوك يعكس عدم احترام واضحا من قبل حكومة الاحتلال للوسطاء والدول الضامنة، التي عجزت عن منع الاحتلال من مواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة.
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، أن ما يجري يُظهر بوضوح أن إسرائيل تريد رسم قواعد جديدة للمرحلة المقبلة، من خلال نمط الاستهدافات التي تنفذها بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر بين الفلسطينيين، وإيصال رسالة بأنها الجهة الوحيدة التي تتحكم بقطاع غزة عسكرياً وأمنياً، وأن وقف الحرب لا يمكن أن يتم إلا بالشكل الذي تريده هي. وأوضح القرا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السلوك الإسرائيلي الحالي لا يرتبط بملف سلاح المقاومة أو بأي نشاط عسكري، بقدر ما هو استمرار لانتهاكات تأخذ أشكالاً متعددة، منها محاولات اغتيال مقاومين، لكن الواضح أن غالبية العمليات الأخيرة تستهدف مدنيين فلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء داخل الخيام ومراكز الإيواء.
وأشار المحلّل السياسي، إلى أن إسرائيل تسعى لإبقاء الفلسطينيين في حالة مواجهة مستمرة تحت ذرائع غير منطقية، ضمن نمط عمل تريد تكريسه جزءا دائما من المشهد، بما يشبه محاولة لفرض واقع يعتاد عليه الفلسطينيون، وإلا فإن عمليات الاستهداف ستستمر. ورأى أن خطورة ما يحدث تكمن في احتمال أن يصبح هذا النمط دائماً، من وجهة النظر الإسرائيلية، خصوصاً في ظلّ تقدير إسرائيل أن هذه السياسة يمكن أن تستمر لأشهر أو أكثر، وأن تتحول إلى حالة اعتيادية تلجأ إليها متى رأت الفرصة سانحة، بغض النظر عن وجود رقابة أميركية أو قوات دولية أو قرار صادر عن مجلس الأمن.
تبادل أدوار في غزة
من جهته، رأى الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات، أن إسرائيل تعمل في هذه المرحلة على تكريس معادلة جديدة تشمل مختلف الجبهات، وليس فقط قطاع غزة، موضحاً أن الجبهات المركزية التي تتحرك فيها تل أبيب، هي لبنان وسورية وغزة وإيران. وأضاف بشارات في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه المعادلة تقوم على الإبقاء على قدرة إسرائيل على الوصول إلى أي هدف داخل هذه الساحات من دون أي قيود أو محددات، باعتبار ذلك جزءاً من ضمانات حماية أمنها الاستراتيجي.
وبحسب الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي، فإن إسرائيل تتجنب السماح بتبلور أي مسار سياسي يمكن أن يقيّد تدخلها العسكري أو الأمني، وتُبقي أي تفاهمات ضمن قراءتها الخاصة، بحيث لا تمنح حالة من الاستقرار لأي طرف من الأطراف، وهو ما يظهر بوضوح في السلوك الإسرائيلي تجاه لبنان وسورية وغزة، إضافة إلى طبيعة التهديدات المتواصلة لإيران.
وأشار إلى أن إسرائيل تمنح الولايات المتحدة مساحة لإدارة المسار السياسي والدبلوماسي لتحقيق أهداف لم تتمكن من تحقيقها عسكرياً، لكنها في الوقت ذاته، تحافظ على استمرار المسار الأمني والعسكري بالتوازي، في إطار من التفاهم وتبادل الأدوار مع واشنطن، وليس في سياق من التباين أو الخلاف. وذكر أن إسرائيل تعتقد أنها ما زالت قادرة على إحداث تغييرات جوهرية في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة، سواء على المستوى السياسي أو الميداني، إذ لا تزال تتحكم بالمعابر، وبإدخال المساعدات، وبالانتقال بين مراحل اتفاق وقف إطلاق النار، وتستخدم هذه المساحة الزمنية لممارسة مزيد من الضغط عبر الاغتيالات والقصف المتقطع باعتبارها أوراق قوة إضافية.
