راغدة عسيران
أعلن جيش العدو في 29/10/2025 أنه لن يسمح لمنظمة الصليب الأحمر الدولية استئناف زياراتها للأسرى في السجون الصهيونية، لا سيما في القاعدة "سديه تيمان" العسكرية، حيث سجن في ظروف رهيبة، العديد من مواطني قطاع غزة، ومنهم وفقا للصهاينة مقاومين شاركوا في "العبور" يوم 7 أكتوبر 2023 المبارك. تعتبر بعض المصادر أن عدد معتقلي قطاع غزة، في هذا السجن وفي السجون الأخرى، يفوق ال8 آلاف أسير بعد أن تم الإفراج عن أكثر من ألفين منهم، حتى يومنا هذا.
وبعد دخول قطاع غزة في مرحلة "السلام" الأميركي، حيث يشنّ العدو الصهيوني غارات متقطعة وأحيانا شاملة وهمجية، يدمّر ما يستطيع تدميره ويقتل كل من تطاله أسلحته، طائراته ومسيّراته ومدافعه، رفضت الحكومة الصهيونية السماح بدخول الصحافة الأجنبية الى القطاع، كي لا توثّق حرب الإبادة المستمرة، وكان قد رفض دخولها الى القطاع قبل سنتين، منذ بداية الحرب الهمجية، إلا لبعض الصحافيين الذين دخلوا على دبابات الصهاينة، لينقلوا صور "إنجازات" جيش العدو. إضافة الى منع الصحافة الأجنبية من مشاهدة الفظائع اليومية، اغتال جيش العدو ما يقارب 256 إعلاميا خلال هذه الفترة، بسبب دورهم المهم والمفصلي في نقل الصورة الحقيقية لحرب الإبادة الصهيو-أميركية الى العالم.
لم يعد هناك مجال للشك بأن الصهاينة يمارسون أبشع الجرائم بحق الأسرى، في سجونهم كافة، وليس فقط في قاعدة "سديه تيمان". كان قد أصدر بعض المحامين الفلسطينيين، بناء على شهادات أسرى تحرّروا من الجحيم الصهيوني (والصهاينة يصفون بعض أقسام سجونهم ب"الجحيم"، كما نقل بعض الأسرى)، تقارير تصف "جرائم التعذيب والتجويع، والحرمان من العلاج والرعاية الطبية، والاعتداءات الجنسية، واحتجاز الأسرى في ظروف حاطّة بالكرامة الإنسانية" (نادي الأسير الفلسطيني)، ما أكّدت عليه "جثامين الشهداء الذين جرى تسليمهم مؤخرًا التي أظهرت فظائع وعمليات إعدام ميدانية ممنهجة بحقّ معتقلي غزة". أي أن ما يريد جيش العدو إخفاءه بذرائع "أمنية"، بدأ يظهر الى العلن، ليس فقط من خلال شهادات الأسرى، الأحياء أو الشهداء، بل أيضا من خلال تبجحّ الصهاينة بجرائمهم ووحشيتهم، كما ورد في الصحافة الصهيونية مؤخرا، عن إعلان جيش العدو، قبل يومين، عن "فتح تحقيق جنائي في تسريب مقطع فيديو يوثّق اعتداء جنود "إسرائيليين" جنسيًا على معتقل فلسطيني داخل مركز الاعتقال في سديه تيمان".
قد يكون تسريب أخبار التوحش الصهيوني في السجون له علاقة بالصراع بين الأجهزة الصهيونية نفسها، وقد يكون لأسباب أخرى، شخصية أو حزبية. لكن لا يمكن إغفال أن الصهاينة أنفسهم هم الذين يتبجّحون بجرائهم أمام معارفهم، كما فعل الكثير منهم خلال حربهم الإرهابية على قطاع غزة، ما سمح لمؤسسات حقوقية في العالم بمتابعة أخبارهم والادعاء عليهم في دول العالم، ولمؤسسة "هند رجب" خاصة التي لاحقت وما زالت تلاحق المجرمين، وقد تعرفّت اليهم من خلال صور "إنجازاتهم" الوحشية التي أرسلوها لجمهورهم المتعطش لدماء الفلسطينيين.
لا يمكن أن يتوقف الصهيوني عن توحشّه وإرهابه، في إطار صمت الدول المتواطئة معه في العالم، وصمت المجتمع الدولي ومؤسساته. فلذلك جاء اقتراح التصويت في الكنيست الصهيوني على قانون يجيز إعدام الأسرى، ليس فقط أسرى قطاع غزة، بل الأسرى الذين نفّذوا عمليات فدائية بحق الصهاينة، ولم تتمكن المقاومة من تحريرهم الى الآن.
لم يتنظر الصهاينة قانونا معيّنا يخرج عن مؤسساتهم ليعدموا الأسرى والمواطنين الفلسطينيين. منذ أن شيّدت سجون العدو، أعدم الصهاينة، خلال التوقيف أم في السجون، المئات من الأسرى، ميدانيا، أي دون محاكمة أو قانون يجيز لهم الإعدام.
وفي قطاع غزة بعد الاحتلال، تم إعدام بعض الأسرى علنيا، بعد إخراجهم من السجن لهذا الخصوص، أمام المواطنين الفلسطينيين، كما ورد في شهادات أسرى محررين ومواطنين.
ما الذي يضيفه هذا القانون في حال تم التصويت عليه؟ يعتقد الصهاينة أنه يشرعن، أمام المجتمع الدولي وجمهورهم، جريمة الإعدام، بل يمنح مجتمعهم الفاشي قوة دفع للمزيد من الإعدامات العلنية "الشرعية"، ومن جهة أخرى، قد يمنع المقاوم من تنفيذ المزيد من العمليات الجريئة والبطولية ضد جنوده ومستوطنيه، ذلك لأن العقل الغربي لا يمكن ان يستوعب معنى الشهادة التي يحملها المقاوم البطل.
منع الصحافة الأجنبية من دخول قطاع غزة، رفض زيارات منظمة الصليب الأحمر الدولية الى الأسرى في سجون العدو، إغتيال الصحفيين الفلسطينيين في غزة وسابقا في الضفة الغربية (الشهيدة شيرين أبو عقلة)، منع الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس من متابعة الاعتداءات اليومية على المواطنين، واعتقال من يمكن اعتقاله ولو لساعات، كلها وسائل إجرامية يستعملها كيان العدو لمنع تدهور صورته "النقية" أمام شعوب العالم.
فهو يريد القتل والإعدام والاعتقال والتعذيب وسرقة الأرض وتدمير المنازل دون شهود، تماما كما كان الوضع سابقا في فلسطين خلال النكبة وما بعدها، وفي مستعمرات الدول الأوروبية، قبل ثورة المواصلات وانتشار الصورة والخبر، حيث كانت المجازر تلو المجازر والإعدامات تلو الإعدامات، في البلاد والسجون، تُنفّذ بلا شهود. هو يريد أن يستفيد حصريا من هذه الثورة، لبث أكاذيبه و"الإنجازات" التي يحققها ضد المقاومة.
المهم بالنسبة للعدو هو المحافظة على الصورة التي روّجها منذ احتلاله واستيطانه فلسطين، ظنا منه أن هذه الصورة الكاذبة والتضليلية تؤمن له شرعية وجوده وتجعله مقبولا من قبل المجتمع الدولي، غير أن جرائمه اليوم أعادت نبش جرائم الأمس، التي أراد طمسها، وباتت شعوب العالم الحرة تتناقلها وتساعد على فضحها. هل يتصوّر الصهاينة وداعميهم من الغرب والشرق أنهم قادرون على طمس الحقيقة مرة أخرى، باستخدام كل التقنيات المتطورة، بعد حرب الإبادة التي اقترفوها في قطاع غزة؟ ستلاحقهم جميعا صور الإبادة وتهزّ كيانهم، ودول أخرى تواطأت ودعمت وقمعت شعوبها لمنعها من دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته.
فإن كان الفلسطينيون في قطاع غزة والقدس والمناطق المحتلة عام 1948 يواجهون التوحّش الصهيوني وداعميه الدوليين، يواجه المواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية هذا التوحّش الاستعماري الى جانب شراسة قمع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، التي اتخذت من التوحّش الصهيوني والاستعماري الغربي مثالا لها، كما يبدو من خلال شهادات المعتقلين السياسيين الذي يقبعون في سجون السلطة.
هنا أيضا، لا رقابة، بل تواطؤ دولي واضح مع هذه الأجهزة "الشرعية"، لمواصلة التعذيب والإهانات والملاحقة وكم الأفواه لكل من يتجرأ على إبداء ملاحظة أو نقد للسلطة ورئيسها والجوقة المحاطة به، بسبب المعاداة لكل فكر أو عمل مقاوم، بحجة "الحفاظ على الأمن المجتمعي" ومحاربة "التطرف" و"النعرات العنصرية"، كما جاء مؤخرا في التهمة الموجهة للمحامي مهند كراجة، رئيس مجموعة "محامون من أجل العدالة"، الذي اعتقل بعد حملة إعلامية كاذبة شرسة ضده وضد المجموعة التي يترأسها.
لقد اعتقلت أجهزة السلطة المئات من الشباب الفلسطيني حفاظا على أمن كيان العدو، وبث روح الاستسلام أمام الهجمة الصهيو-الأميركية على المنطقة، واختراع حجج لتسويق الاستسلام لهذه الهجمة.
