/مقالات/ عرض الخبر

العدوان على قطر أسقط أوهام الضمانات الأميركية

2025/09/20 الساعة 03:30 م

أسماء بزيع

منذ عقود، تُقدَّم واشنطن في الوعي العربي على أنها "الضامن الأكبر" للاستقرار في الخليج، والحامي السياسي والعسكري للدول الصغيرة المحاطة ببحر من التهديدات. القواعد الأميركية الممتدة من العديد في قطر، إلى الظفرة في الإمارات، مرورًا بالأساطيل البحرية في البحرين والكويت، صُوِّرت كشبكة أمان صلبة تحمي العروش والثروات.

 لكن العدوان الأخير على الدوحة؛ قصفًا أو استهدافًا في قلب العاصمة الخليجية، أسقط كل هذه الأوهام دفعة واحدة، وفتح الباب لأسئلة جوهرية: إذا كانت الدوحة نفسها، بما تمثله من أهمية عسكرية أميركية، لم تُستثنَ من الاستهداف، فهل بقيت لتلك الضمانات أي قيمة؟

أول ما انهار هو وهم الردع العسكري.. فوجود آلاف الجنود الأميركيين لم يمنع الاستهداف، ما يؤكد أن القواعد ليست سدًا دفاعيًا بل نقطة ارتكاز لإدارة مصالح واشنطن الخاصة. ثم سقطت الشرعية السياسية لتلك الضمانات، بعدما وقفت الإدارة الأميركية متفرجة، مكتفية ببيانات باردة تحاكي معايير "التوازن" أكثر مما تعكس التزامًا بحماية شريك. والأهم، تبخر الوهم الدبلوماسي الذي كان يعوَّل عليه في مجلس الأمن، حيث غابت أي محاولة جدية لردع المعتدي أو تحميله المسؤولية.

الرسائل إلى المنطقة

الرسالة واضحة: أمن الدول لا يُشترى بالتحالفات الخارجية، بل يُبنى على عناصر قوة ذاتية، واستراتيجيات إقليمية متينة. ما حدث في قطر يعيد طرح سؤال على الخليج كله: هل يجوز أن يبقى مصير الدول مرهونًا بعقود تسليح وصفقات اقتصادية مع قوة كبرى تتقلب أولوياتها من إدارة إلى أخرى؟

إن أخطر ما كشفه العدوان هو أن "المظلّة الأميركية" ليست سوى وهم سياسي، ينهار عند أول اختبار جدي. وما لم تُترجم الدروس سريعاً إلى مراجعة شاملة لمنظومات الأمن الوطني والإقليمي، ستبقى المنطقة رهينة لتكرار الأزمات، من دون أن تجد يومًا من يدافع عنها فعلًا. كما قد أثبت  أنّ التحالفات القائمة على المصالح الظرفية لا تساوي شيئًا أمام صراع الإرادات، وأنّ الوجود العسكري الأجنبي لا يُترجم بالضرورة إلى حماية حقيقية للدول، التي تشتري أمنها بمليارات الدولارات التي تنهبها الإدارات الأميركية المتعاقبة، لا سيما إدارة ترامب!.

فالولايات المتحدة، التي قدّمت نفسها لعقود باعتبارها الضامن الأول لأمن الخليج، اكتفت اليوم بإدارة الأزمة عن بُعد، تاركة قطر تواجه صدمة غير مسبوقة. وهذه الرسالة لم تصل إلى الدوحة وحدها، بل سمع صداها كل من كان يراهن على "المظلّة الأميركية" لتأمين استقراره.

العدوان على قطر يذكّر بأنّ الأمن لا يُستورد ولا يُشترى باتفاقيات دفاعية، بل يُبنى بقدرة ذاتية وتحالفات صلبة قائمة على وحدة المصير. ومن هنا، تتبدّى أمام المنطقة معادلة جديدة: إمّا أن نعيد صياغة منظومة الردع بأيدينا، أو نظل أسرى للرهانات الخاسرة على واشنطن وغيرها من القوى الدولية.

في المحصلة، ما جرى في الدوحة ليس حدثًا عابرًا، بل هو زلزال سياسي كشف حدود النفوذ الأميركي وأوهام "الضمانات". ومن لم يقرأ هذه الدروس سريعًا سيجد نفسه يومًا ما أمام مشهد مشابه، حيث لا تحضر واشنطن إلّا ببيانات التنديد ووعود "المراجعة"، تاركة الحلفاء تحت الركام.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/219604

اقرأ أيضا