وكالة القدس للأنباء - متابعة
خصصت مجلة “إيكونوميست” عددها الأخير للعلاقة الأمريكية–"الإسرائيلية"، وكان عنوان الغلاف “كيف تخسر إسرائيل أمريكا".
وقالت إن الحرب في غزة تقوّض العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، وإن على "الإسرائيليين" القلق من استطلاعات الرأي التي تُظهر سلبية المواقف الأمريكية من "إسرائيل"، بسبب حرب غزة، جاء في وسط محاولات نواب ديمقراطيين تقديم مشروع قرار في الكونغرس للدفع باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واستخدام نواب جمهوريين وديمقراطيين مصطلح الإبادة الجماعية لوصف أفعال "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في غزة.
وقالت المجلة إن الإسرائيليين لا يحبون التفكير بمنظور طلاق مع أمريكا، لكنهم بدأوا يقلقون بشأن مستقبل العلاقة.
وترى المجلة أن الدعم الأمريكي السياسي والشعبي لإسرائيل آخذ بالتآكل، ما يهدد الدعم العسكري الأمريكي في المستقبل لإسرائيل ويعرض إسرائيل إلى عزلة في وقت تحاول فيه الحصول على معاملة تفضيلية من الرئيس دونالد ترامب.
واحتوى العدد الخاص في أيلول/سبتمبر على سلسلة من التقارير إلى جانب افتتاحية العدد التي أشارت إلى تراجع الدعم الأمريكي الشعبي والمؤسسات لإسرائيل. وكشفت المجلة أن الحرب في غزة وسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تدفع الأمريكيين بعيدًا عن إسرائيل، مشيرة إلى أن النظام السياسي الأمريكي بدأ يعكس هذا التحول. وبحسب المجلة فإن إسرائيل تجد نفسها تعتمد وبشكل متصاعد على الولايات المتحدة، وأكثر من أي وقت مضى، وسط تآكل في قاعدة الدعم الأمريكي، ما قد يغير قواعد اللعبة.
وأشارت إلى استطلاعات الرأي وشهادات المحللين السياسيين، حيث تقدم صورة شاملة عن الصدع الحالي في العلاقة، على مستوى الأحزاب والمواقف الجيلية والمجتمعات التي قد تشكّل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل في المستقبل.
وتقدم المجلة تحليلها لملامح العلاقة والصدع الحادث فيها وأسبابه بأنه تحذير لإسرائيل، ففي حالة لم تغير من مواقفها الدبلوماسية وفي مجال الرأي العام فإنها تواجه خطر العزل والتبعية ولكن بدون داعم حقيقي على المسرح الدولي.
وفي الوقت الذي تحدث فيه نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي زار إسرائيل الأسبوع الحالي، عن العلاقة بأنها “صلبة مثل الحائط الغربي” (البراق)، إلا أن استطلاعات الرأي تتحدى هذه التصريحات، وتظهر أن نسبة 53% من الأمريكيين يحملون مواقف سلبية من إسرائيل، ويصل التعاطف مع إسرائيل مقابل الفلسطينيين إلى نسبة متدنية بـ25%. وتعتقد نسبة 43% من المشاركين في الاستطلاعات أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. وتلاحظ المجلة أن التراجع الأكبر واضح بين الديمقراطيين، حيث تزايدت المواقف السلبية بنسبة 23 نقطة في السنوات الثلاث الأخيرة، كما انخفض الدعم بين الجمهوريين، من 63% في عام إلى نسبة متساوية اليوم.
وحتى الإنجيليون الشباب، المعروفون بتحمسهم الكامل لإسرائيل وحجر الأساس في المشاعر المؤيدة لها، فقد تراجع دعمهم من 69% في عام 2018 إلى 34% في عام 2021، والتراجع مستمر حسب معدي الاستطلاعات.
وظلت العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، وعلى مدى عقود، قائمة على القيم المشتركة والمصالح الإستراتيجية المتداخلة، من الحرب الباردة إلى مكافحة التطرف الإسلامي، لكن الشبان الأمريكيين في العقود الأخيرة تبنوا رؤية ما بعد الاستعمار في التعامل مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وعارضوا حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
وقالت المجلة إن نتنياهو وضع كل بيضه في سلة الجمهوريين ونفّر الديمقراطيين، وحتى على اليمين فهناك تصدعات بادية. وتكشف المجلة عن مواقف عدد من أفراد “ماغا” أو “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، مثل النائبة المقربة من ترامب مارجوري تايلور–غرين، التي كانت أول نائبة جمهورية تستخدم عبارة “إبادة جماعية” لوصف ما يجري في غزة.
ورغم تفكير إسرائيل أن الدعم بين الجمهوريين هو مسألة واقعة، إلا أنه لم يعد مضمونًا. فحرب غزة والضربة الأمريكية–الإسرائيلية على إيران أثارت مخاوف الأمريكيين، وبخاصة المحافظين منهم، أن إسرائيل تريد جر الولايات المتحدة إلى حرب في الخارج.
وتكشف مجلة “إيكونوميست” عن الصدع في داخل الكونغرس، ففي تموز/يوليو صوّت 24 عضوًا في مجلس الشيوخ الديمقراطيين من بين 47 سناتورًا مع مشروع قرار يدعم وقف تصدير السلاح لإسرائيل، مقارنة مع 18 سناتورًا في تشرين الثاني/نوفمبر. ويجد النواب في الكونغرس أنفسهم أمام ضغط الناخبين، كما قال النائب الديمقراطي أوتشينكلوس عن ماساتشوستس، حيث يُجبرون على مراجعة مواقفهم من إسرائيل.
وتشير المجلة إلى أن الناشطين المناهضين لإسرائيل بنوا على علاقاتهم مع حركات مثل “حياة السود مهمة” لحشد الشباب الأمريكي، لا سيما من اليسار، بل ومن الوسط أيضًا. حتى السياسيين المؤيدين بشدة لإسرائيل، مثل النائب الديمقراطي ريتشي توريس في نيويورك، يواجهون تحديات جديدة من النشطاء في دوائرهم الانتخابية، وخاصةً مناصري المرشح المناهض لإسرائيل لمنصب عمدة المدينة، زهران ممداني.
وفي غضون ذلك، يواصل نتنياهو توسيع المستوطنات، ويصور إسرائيل على أنها “إسبرطة عظمى” قادرة على الصمود بمفردها، مراهنا على أن التفوق العسكري يكفي. وتصف مجلة “إيكونوميست” كلامه بأنه “فكرة مأساوية” تخاطر بتنفير الدرع الحقيقي الوحيد لإسرائيل: الولايات المتحدة.
وتتحدث المجلة أيضا عن تزايد الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، حتى مع تراجع الواقع على الأرض. وتقدم رام الله واجهة حديثة بمقاهٍ ومشاريع جديدة، ولكن بدون سيادة حقيقية. فيما تواجه السلطة الفلسطينية انهيار البنية التحتية، ورواتب غير مدفوعة ومدارس مغلقة واعتمادًا اقتصاديًا متزايدًا على إسرائيل. يتطلع الشباب الفلسطيني المحبط إلى عقارات عمّان أو جوازات السفر الأوروبية كملجأ.
وتشير إلى سياسات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لتقويض السلطة الوطنية، من حجب الأموال والحد من العمليات المصرفية وشل حكم السلطة الفلسطينية، إلى جانب الزيادة الكبيرة في المستوطنات والبؤر الاستيطانية، التي تضاعفت أربع مرات منذ عام 2018، وقسمت الضفة الغربية إلى جيوب معزولة. وتتصور خريطة السيادة لسموتريتش سيطرة إسرائيلية على أكثر من 80٪ من الأراضي. وقد اقترح بعض المستشارين الإسرائيليين مقترحات مثل “إمارة الخليل”، التي تقترح حكمًا ذاتيًا تحت إشراف إسرائيلي لأكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية. مع أن هذا الحديث ليس مبادرة فلسطينية رسمية، كما تشير مجلة “إيكونوميست”، بل ناجم عن أن بعض التجار المحليين أبدوا اهتمامًا، بل وحلموا بالحصول على جوازات سفر إسرائيلية. في الوقت نفسه، يشهد الرأي العام الإسرائيلي تحولًا: إذ تظهر استطلاعات الرأي دعمًا غير مسبوق بين الإسرائيليين اليهود لطرد الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه المتفائلون الذين نقلت عنهم مجلة “إيكونوميست” على التنسيق الأمني القوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتعاون العسكري غير المسبوق ضد إيران، والدور المحوري المستمر لإسرائيل في الشرق الأوسط، إلا أن المجلة تحذر من أن التهديد الأكبر لا يكمن في الخلافات السياسية الآنية، بل في التحولات طويلة الأمد في الوعي العام الأمريكي.
ومع انتهاء اتفاقية المساعدات العسكرية الحالية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عام 2028، تتزايد المخاوف في إسرائيل من أن الرئيس دونالد ترامب قد يرفض تجديدها بموجب شروطها الحالية. ويستكشف المسؤولون الإسرائيليون سبل إعادة تسمية الحزمة ليس كـ”مساعدات” ولكن كـ”شراكة”، مع التركيز على التطوير التكنولوجي المشترك والوصول إلى الأسلحة المتطورة. ويعتقدون أن تأطيرها على أنها متبادلة بدلًا من جانب واحد قد يسهل الموافقة عليها في واشنطن. وفي الوقت نفسه، قدم أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون لأول مرة قرارًا يحث ترامب على الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح. ومن غير المرجح أن يمر هذا الإجراء الرمزي بقيادة السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوريغون جيف ميركلي، نظرًا لسيطرة الجمهوريين ومعارضتهم لحل الدولتين. ومع ذلك، قال الرعاة إنه يهدف إلى إرسال إشارة قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والضغط على الإدارة لمساعدة غزة.
وليست المرة الأولى التي تضع فيها مجلة “إيكونوميست” إسرائيل على غلافها. ففي آذار/مارس 2024، وبعد أكثر من خمسة أشهر من القتال في غزة، صورت المجلة علمًا إسرائيليًا وحيدًا في الصحراء، بالكاد ملتصقًا بغصن رقيق، تحت عنوان “إسرائيل وحدها”.
وتزامنت الصورة مع تزايد انتقادات إدارة بايدن وقرار كندا وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل. وبعد عام، وبعد النجاحات العسكرية الإسرائيلية ضد “حزب الله” وإيران في عمليتي “سهام الشمال” و”أيام الانتقام”، والغارات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، قَلَبَ غلاف آذار/مارس 2025 الصورة، حيث أظهر حقلًا مليئًا بأعلام إسرائيلية ضخمة على خلفية مستوطنة، تحت عنوان “غطرسة إسرائيل”.
وترى “إيكونوميست”، في افتتاحيتها، أن إسرائيل باتت معزولة، مشيرة إلى أن اجتماع الجمعية العامة المقبل، في الأسبوع المقبل، سيشهد اعتراف دول صديقة مثل فرنسا وأستراليا وكندا وبريطانيا بالدولة الفلسطينية.
وبالرغم من كل تأكيدات نتنياهو بأن العلاقات مع أمريكا متينة تمامًا، إلا أنها ليست كذلك. لقد أثار رئيس الوزراء حفيظة إدارة ترامب، ويتجاهل التصدعات العميقة في أسس التحالف. وقالت إن الخسارة المفاجئة للدعم الشعبي الأمريكي ستكون كارثة على إسرائيل.
وأكدت المجلة أن استطلاعات الرأي في أمريكا مذهلة. فنسبة الأمريكيين الذين يدعمون إسرائيل على حساب الفلسطينيين في أدنى مستوى لها منذ 25 عامًا.
وتساءلت المجلة عما حدث من خطأ؟ بالنسبة للديمقراطيين، يكمن الخلاف حول القيم، وخاصة بين الشباب. يميل الديمقراطيون إلى تحميل المستوطنين الإسرائيليين مسؤولية اضطهاد الفلسطينيين ويعودون إلى تاريخ العبودية والاستعمار الجديد في أمريكا، على الرغم من أن المقارنة تبدو متوترة. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب التحول اليميني في السياسة الإسرائيلية. علاوة على ذلك، وضع نتنياهو إسرائيل بقوة في المعسكر الجمهوري، جزئيًا على أمل أن يهاجم الجمهوريون أي إدارة ديمقراطية تضغط عليه بشأن المستوطنات أو محادثات السلام.
ولا يعود انخفاض الدعم بين الناخبين الجمهوريين إلى تضارب المعتقدات بقدر ما هو إلى تباين المصالح. يمتد الغضب من استخدام أموال دافعي الضرائب لدعم أوكرانيا إلى حوالي 300 مليار دولار قدمتها أمريكا لإسرائيل منذ استقلالها عام 1948. كما قوّضت الضربات الإسرائيلية على قطر وسوريا محاولات ترامب لإحلال السلام الإقليمي. بقيادة رئيس يعرف أين توجد الأموال، يتجه بعض المانحين نحو دول الخليج. لقد زادت الحرب في غزة من سوء الوضع.
وعندما يرى الأمريكيون صور الأطفال الجائعين يرتعدون خوفًا، فإن بعض المعلقين الجمهوريين، مثل تاكر كارلسون، يستاؤون من فكرة أن إسرائيل قد تجر أمريكا إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط بمهاجمة إيران.
وكلما وُجهت انتقادات لإسرائيل، يُطلق المدافعون عنها اتهاماتٍ بمعاداة السامية، وليس دائمًا بنزاهة. ومع الإفراط في استخدامها، تفقد هذه التهمة الشنيعة قوتها. وهذا أمر سيء لليهود في كل مكان، بما في ذلك في إسرائيل.
وتعتقد المجلة أن الحديث عن علاقات قوية في ضوء التحولات الأمريكية هو نوع من التواطؤ، لأن المواقف المتغيرة بين الرأي العام هي أخطر من الخلافات بين الحكومات. وعلى الرغم من أنها بطيئة في اكتساب الزخم، إلا أنه من الصعب عكسها. فعندما يغير الناخبون آراءهم، يمكن أن تنهار المحرمات السياسية فجأة. وحتى اليوم، يخشى بعض المحللين الإسرائيليين من أن يكون جو بايدن آخر رئيس أمريكي صهيوني بالغريزة. كما من الخطأ افتراض أن خليفة نتنياهو سيكون قادرًا على تصحيح الأمور. فإسرائيل دولة ديمقراطية، ولكنها دولة منقسمة، حيث يدعم العديد من الناخبين اليمين القومي الديني. وستبقى غزة مصدر قلق دائم، حتى مع توقف القتال، في ظل تصميم فصائل قوية على توسيع المستوطنات وضم غزة وأجزاء من الضفة الغربية.
