ريم هاني*
تحت شعار «خليجيون نبحر لكسر الحصار»، وضع متطوعون من دول الخليج، من إعلاميين وسياسيين ونشطاء وأطباء، ممّن «يحملون القضية الفلسطينية في قلوبهم»، ويرفضون الوقوف صامتين أمام الإبادة، منذ أشهر، هدفاً جديداً نصب أعينهم، يتمثّل في تجهيز «سفينة الصمود الخليجية لكسر الحصار عن غزة» - بدعم شعوب الخليج والعالم -، لتكون جزءاً من القافلة العالمية التي ستبحر في اتجاه القطاع بدءاً من الشهر الجاري.
وعبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلقت الحملة دعوات إلى التطوع وجمع التبرعات، وسط استجابة واضحة من المتابعين، أتاحت لها، حتى اللحظة، «تأمين جزء جيد من المبلغ» الهادف إلى تجهيز السفينة، علماً أن التبرعات الشعبية تمثل، طبقاً للمنظمين، الركيزة الأساسية لدعم الحملة، وهي «مستمرة حتى اللحظة» لتأمين «المواد المطلوبة».
ولأسباب «لوجيستية وأمنية»، لا يمكن حتى اللحظة الإفصاح عن أعداد المشاركين في «السفينة الخليجية» وغيرها من السفن أو أسمائهم، إلا أن المعروف حتى الآن هو أنهم قادمون من أكثر من 44 دولة من جميع أنحاء العالم، يجمعهم «الإيمان بحقوق الإنسان، وضرورة توقف الإبادة الجماعية المستمرة منذ عامين».
ويؤكد الناطق الإعلامي باسم «السفينة الخليجية لكسر الحصار»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «غالبية الدول العربية ممثلة شعبياً في هذه الحملة، بما فيها تلك التي طبّعت مع الكيان الصهيوني»، مشيراً إلى أن «الشعوب العربية هي أكثر صموداً من أنظمة ارتهنت للإملاءات الأميركية، ودخلت في اتفاقات تطبيع مع الكيان الصهيوني لتحمي مصالحها الذاتية». ويتابع: «عبّرت الشعوب في أكثر من مناسبة عن رفضها لكل أشكال التطبيع مع الكيان رغم التطبيع الرسمي.
ولنا في الشعبين المصري والأردني أكبر دليل، بعدما لم يستطع كيان الاحتلال أن يحقق أي اختراق في هذه المجتمعات. نحن الشعوب لنا خياراتنا ومواقفنا الواضحة والتي نعبر عنها يومياً، فنحن نرفض التطبيع بكل أشكاله، ونقف مع حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وإقامة دولته وعودة المُهجرين».
وبالفعل، يشير المصدر نفسه إلى أن الحملة الخليجية جاءت على خلفية مشاركة عدد من أبناء المنطقة في مبادرات سابقة، كسفينة «مادلين» و«قافلة الصمود البرية» «والمسيرة العالمية إلى غزة»، موضحاً أنه في البداية، كانت المشاركات فردية، ومن دون أي تنسيق مسبق، قبل أن يقرر المشاركون توحيد جهودهم وتأطيرها في حملة موحدة، «لنوصل رسالة واضحة إلى أهلنا في فلسطين بأننا معكم وداعمون لصمودكم».
وحتى قبل الحرب الأخيرة، شارك عدد من الأطباء والناشطين في مجال الإغاثة والمساعدات في حملات متكررة في غزة تحديداً، كما برز «ائتلاف الخليج ضد التطبيع»، والذي تشكل من مجموعة من الجمعيات والتحالفات وكذلك الأفراد من دول الخليج، الذين كانوا يسعون إلى توحيد الجهود وتطويرها، ونظم عدة فعاليات مشتركة.
«نقطة التقاء»
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت «سفينة الصمود» على تنسيق مع سائر قوافل المساعدات الأخرى، يؤكد الناطق الرسمي أن الحملة هي عالمية بالدرجة الأولى، «وما نحن إلا جزءاً من هذا الحراك العالمي، فالحملة الخليجية هي شريكة مع التحالف الرئيسي المُكوّن من ثلاثة تحالفات عالمية، تسعى إلى كسر الحصار تحت مظلة (ائتلاف الصمود العالمي)، وهي (أسطول صمود المغرب)، (الحركة العالمية للحراك نحو غزة)، (وصمود نوسانتارا)، إضافة إلى شركاء إستراتيجيين من (تحالف أسطول الحرية)، فيما ستكون السفينة الخليجية لكسر الحصار عن غزة أحد الائتلافات المشاركة».
وحول آلية التنسيق، فإن فرق عمل مركزية تأسست لتجمع كل تلك التحالفات وتنسق الحملات والمواقف، وترتب كل الاستعدادات الخاصة بإبحار السفن في المواقيت المتفق عليها، وتجهيزها بالكادر البحري المتمرس والقادر على الإبحار في مواقف صعبة ومعقدة من المتوقع مواجهتها، ولا سيما عبر «الاستفادة من التجارب السابقة». وبالفعل، بدأ العمل، منذ أشهر، على تشكيل «فرق العمل اللازمة لتأمين السفينة وطاقمها، والترتيبات اللوجستية والمساعدات التي سيتم تحميلها على ظهر السفينة، وإطلاق حملة التبرعات والحراك الإعلامي».
وستنطلق القافلة البحرية الجماعية إلى غزة مع نهاية آب الجاري من إسبانيا، ثم من تونس ومن موانئ أخرى ممتدة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، في مواعيد متقاربة، لتلتقي جميعها في نقطة محددة في عرض البحر في الرابع من أيلول، وتبدأ رحلتها الجماعية إلى الأراضي الفلسطينية.
وإذ يشير المتحدث إلى أن السفن المشاركة ستكون مُحملة بمساعدات غذائية وطبية، إلا أنه ينوّه إلى أن المساعدات المشار إليها «ستكون رمزية مقارنة بحجم الاحتياجات في القطاع، والهدف الرئيسي هو كسر الحصار وفتح ممر لإدخال المساعدات بشكل يتناسب والاحتياجات الحقيقية»، خصوصاً مع استمرار عملية التجويع التي «تمارسها عصابات الكيان بدعم ومساندة أميركية واضحة، وضعف مُركب من الأمم المتحدة ووكالاتها».
مبادرة في وجه «الأكاذيب»
ويأتي قرار خوض غمار البحر على خلفية فرض الاحتلال حصاراً كاملاً على قطاع غزة، أصبحت، على إثره، الممرات البرية إما مغلقة بالكامل أو تخضع لرقابة صارمة من قبل قوات الاحتلال «ومؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من الولايات المتحدة، ما يقوّض آلية تسليم المساعدات، ويجعلها، في كثير من الأحيان، محفوفة بالأفخاخ والمخاطر.
وعليه، أصبح الهدف الرئيسي من الحملة «كسر الحصار غير القانوني المفروض على غزة، وإنهاء الإبادة الجماعية التي تُنقل أحداثها على الهواء مباشرة»، فضلاً عن السعي إلى فتح ممر إنساني يكون بمنزلة ثغرة يمكن عبرها إيصال المساعدات، «وإثبات أن الوصول إلى غزة ممكن في حال كانت هناك الرغبة الجادة».
وفي هذا الإطار، يقول المتحدث، إلى «الأخبار»، إنّ «كل ما يُقال من قبل الحكومات والمنظمات الدولية حول عدم إمكانية الوصول إلى غزة أو إن المساعدات يجب أن تتم بصورة رسمية وقانونية، عبر التواصل مع قوات الاحتلال، هو غير واقعي وليس إلا تخاذلاً وتواطؤاً مع العدوان»، مشيراً إلى أن «هناك بالتأكيد أهدافاً أخرى لا تقل أهمية، وهي تعزيز الوعي العالمي بهذه القضية الإنسانية، قضية شعب تُحتل أراضيه، ويُهجّر شعبه ويُباد ويجوّع، وتصادر كل فرصه في الحياة الكريمة».
ويتابع: «الغريب أن ما يُسمى بالرأي العام الدولي مهتم جداً بعدم خرق القانون الدولي والأعراف الدولية في حال كان ذلك لمصلحة الكيان الصهيوني، في وقت ما تزال فيه عصابات الاحتلال تقتل وتهدم وتهجّر وتجوّع وتضرب عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية»، لافتاً إلى أن «الدول الاستعمارية والإمبريالية، كالولايات المتحدة وفرنسا، لجأت، سابقاً، إلى مبدأ (مسؤولية الحماية)، في شن عدوانها على عدد من الدول، بحجة أن تلك الدول انتهكت القانون الدولي والحقوق الأساسية للإنسان، فيما لم يتجرأ أحد على الحديث عن هذا المبدأ منذ بدء العدوان على غزة، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة».
يُشار إلى أن جملة من المبادرات الشعبية لفك الحصار عن قطاع غزة، كانت قد بدأت منذ ما قبل عملية السابع من أكتوبر، ومهّدت الطريق أمام الحراك الدولي الأخير الذي تصاعد على وقع الإبادة. ومن أبرز تلك المبادرات التي شهدت مشاركة عربية وعالمية واسعة، الرحلات البحرية الافتتاحية لـ«حركة غزة الحرة» عام 2008، التي وصلت إلى مياه غزة، و«مسيرة الحرية لغزة» عام 2009، التي كان الهدف منها الدخول عبر معبر رفح، وهو ما أعاقته السلطات المصرية، ما تسبّب في اندلاع تظاهرات داخل مصر، جنباً إلى جنب قوافل «Viva Palestina» البرية، وغيرها من المبادرات الشعبية التي اجتهدت لسنوات طويلة وسط مواكبة إعلامية واسعة.
*الأخبار (اللبنانية)