/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

 كندا على خطى فرنسا وبريطانيا: جدار «الدعم المطلق» لإسرائيل يهتزّ

2025/08/02 الساعة 09:27 ص

لندن - وكالات

تلقّت المبادرة الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطينية، خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول المقبل، دفعةً دبلوماسية مهمّة، حين أعلن رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، نيّة بلاده القيام بالخطوة نفسها، لتصبح بذلك ثالث دولة من مجموعة الدول الغربية السبع الكبرى، التي تلتحق بالمبادرة. وبينما كان موقف أوتاوا دائماً أنها لن تعترف بدولة فلسطينية إلّا كنتيجة لمحادثات سلام مع إسرائيل، فإن كارني اعتبر أن «الواقع على الأرض، بما في ذلك أزمة الجوع المتصاعدة في قطاع غزة، يعني أن احتمال قيام دولة فلسطينية يتراجع حرفيّاً أمام أعيننا». وأعلن أن «كندا انضمّت إلى جهود الدول الأخرى سعياً للحفاظ على إمكانية تحقيق حلّ الدولتين، بعدما تآكلت بشكل مطّرد وخطير، بسبب التحرّكات الإسرائيلية لجهة ضمّ الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والفشل المستمرّ للحكومة الإسرائيلية في منع الكارثة الإنسانية المتفاقمة بسرعة في غزة». وأكّد كارني أن «كندا ملتزمة، منذ فترة طويلة، بمبدأ حلّ الدولتين، ودولة فلسطينية مستقلّة قابلة للحياة وذات سيادة (منزوعة السلاح)، تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل في سلام وأمن»، لكنه شدّد على أن هذه الخطوة «تستند إلى التزام السلطة الفلسطينية بالإصلاحات التي تشتدّ الحاجة إليها، بما في ذلك إجراء انتخابات في عام 2026، ومكافحة الفساد».

وكانت بريطانيا سبقت كندا بتوجيهها تهديداً نادراً بإمكان اعترافها بدولة فلسطينية، ما لم تتّخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء «الكارثة الإنسانية» في غزة، والالتزام بعملية سلام مستدام يؤدي إلى تحقّق «حلّ الدولتين». ومع توارد الأنباء عن قرار كارني، سارع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى مهاجمة كندا؛ إذ كتب، عبر منصّته «تروث سوشال»، أن قرار رئيس الوزراء الكندي الاعتراف بالدولة الفلسطينية «سيجعل من الصعب علينا إبرام صفقة تجارية معهم»، فيما ردّت إسرائيل بعباراتٍ أكثر حدّة، وصف فيها سفيرها لدى واشنطن، يحئيل لايتر، قرارات كندا وبريطانيا وفرنسا بأنها «رجس من عمل الشيطان»، متهماً هذه الدول بأنها تقاطعت على «تشجيع الإرهاب». وعدّت وزارة الخارجية الإسرائيلية، بدورها، الخطوة الكندية بمثابة «مكافأة للإرهابيين»، معتبراً أنها «تلحق الضرر بالجهود المبذولة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار والاتفاق على إطار للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين».

في المقابل، تلقّت السلطة الفلسطينية الأنباء من أوتاوا، بوصفها «تاريخية»، ورحّب رئيسها محمود عباس بما رآه «تعزيزاً لأمل تحقُّق الدولة الفلسطينية المستقلّة». غير أن أصواتاً فلسطينية أخرى، حذّرت من أن اعترافاً مثل هذا، إذا لم يُقرن بآليات تنفيذ وجدول زمني لإنهاء الاحتلال ورفع الحصار، فسيظلّ مبادرة عقيمة.

وفي برلين، التي تُعَدُّ حصن إسرائيل داخل أوروبا، وثاني أكبر مموّل ومورّد سلاح لجيشها بعد الولايات المتحدة، كان الموقف أكثر حذراً تجاه مسألة الاعتراف بالدولة العتيدة، لكنه حمل تغيّراً ملحوظاً في اللهجة؛ إذ أعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، أن الاعتراف بدولة فلسطينية بالنسبة إلى ألمانيا لن يأتي إلّا «كثمرة لعملية تفاوضية للسلام مع (إسرائيل)»، مضيفاً: «يجب أن تبدأ هذه العملية الآن»، وأن بلاده ستكون مضطرة إلى الردّ في حال «تمّ اتّخاذ خطوات أحادية الجانب» من طرف إسرائيل.

ويعكس موقف برلين المتردّد، صراعاً داخلياً بين التزام النخبة الألمانية التاريخي بما يسمى «أمن إسرائيل»، والضغط الشعبي المتزايد لصالح الفلسطينيين. وكان استطلاع للرأي نشرته مؤسسة إعلامية ألمانية مؤيّدة لإسرائيل، بيّن أن ما يقرب من ثلثي الألمان يعتبرون أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، تجاوزت كل الحدود. وحتى المستشار فريدريك ميرتز، المعروف بدعمه الحاسم لإسرائيل، تحدّث أخيراً عن أن تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل أصبح «خياراً مطروحاً على الطاولة». ووفقاً لخبراء، فإن برلين تخشى، إن هي بقيت وحيدةً في معسكر رفض الاعتراف، فقدان موقعها كقائد للأوركسترا الأوروبية، لمصلحة باريس.

ومع أنّ كل تلك التصريحات في شأن ترفيع السلطة الفلسطينية إلى مستوى دولة معترف بها، لا تزال في طور «التلويح» أكثر ممّا هي قراراتٌ مُبرمة، فإن تعاظم هذه الموجة بين حلفاء مهمّين للولايات المتحدة، يزيد من العزلة النسبية لإدارة الرئيس دونالد ترامب في دعمها غير المشروط لإسرائيل، ويعكس بالضرورة تبدّلاً في مزاج دولي ضاق ذرعاً باستمرار الحرب على غزة، وتوسّع الاستيطان في الضفة، وبات قلقاً من الانهيار النهائي لفكرة «حلّ الدولتين».

وبحسب الخبراء، فإن ثمة سيناريويْن رئيسيَّيْن محتمليْن في ضوء تعزّز هذه الكتلة الغربيّة المتمايزة، شكليّاً، عن واشنطن: أولهما أن تصدر الجمعية العامة قراراً بدعم أكثر من 150 دولة يرحّب باعترافٍ متزامن بالدولة الفلسطينية من كندا وبريطانيا وفرنسا وربما دولٍ أوروبية أخرى، مع نصٍّ يُلزم السلطة الفلسطينية بخارطةِ إصلاحٍ وتعهّدٍ بنزع سلاح الفصائل في غزّة تحت رقابة دولية. وهكذا سيناريو سيزيد من عزلة إسرائيل، ويعقّد مسارات تطبيعها الإقليمي مع الدول العربيّة والإسلامية - ولا سيما السعودية -، لكنه لا يفرض عقوبات عليها، ويظلّ تحت السقف الإسرائيلي ويحقّق أهداف عدوانه، ما يبقي تأثيره معنوياً بالأساس.

أما السيناريو الثاني، فيفترض أن تقنع واشنطن حلفاءها بتأجيل الخطوة مقابل التزام إسرائيلي بهدنة طويلة، ووقف الاستيطان مرحليّاً. على أن تعنّت تل أبيب في هذا الشأن قد يتطوّر إلى خطواتٍ أحادية من قبل حكومة نتنياهو - من مثل التلويح بضمّ منطقة غور الأردن أو فرض حكم عسكري مباشر دائم في غزة - على نحو يظهر سبحة الاعترافات الغربية بلا قيمة في ميزان السيطرة على الأرض، وبلا تأثير في الوقائع المادية.

على أنّه وبغضّ النظر عن اتجاه الأحداث تالياً، يظلّ تلويح كتلة غربيّة وازنة بالاعتراف بدولة فلسطينية - وإن ككيان محدود السيادة، منزوع السلاح، خاضع في السياسة والاقتصاد والحدود للهيمنة العبرية - إشارة لافتة إلى بداية تآكل جدار الدعم الغربي التقليدي الصلد لإسرائيل، في ظلّ استمرار الأخيرة في تجاهل الكلفة الإنسانية والسياسية لحرب الإبادة الهجينة التي تشنّها على فلسطينيّي قطاع غزة والضفة الغربية، مسنودة بتواطؤ أميركي كامل.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/218227

اقرأ أيضا