يحيى دبوق
لا يبدو أن زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى الكيان، تهدف إلى محاولة إنقاذ المفاوضات المتعثّرة بين العدو الإسرائيلي وحركة «حماس»، بل قد تكون، وفقاً لأرجح التقديرات، بمنزلة «شهادة وفاة» لهذه المفاوضات. إذ أن انسحاب الرجل المفاجئ من الدوحة قبل أسابيع، وحديثه لاحقاً عن أنه لن يعود إلى العاصمة القطرية ما لم يتحقَّق خرق جدّي في المسار التفاوضي، ثم عودته الآن إلى تل أبيب، كلّها مؤشرات إلى أنه يعود إلى المنطقة، ليس كمبعوث بطبيعة الحال، ولكن كشاهد على فشل «الحلّ التفاوضي»، ومشجّع على انطلاق «الحلّ البديل، الرامي إلى إعادة تصميم غزة»، أو ما بات يسمّيها الإعلام العبري «الخطّة البديلة (ب)".
والواقع أن الزيارة ليست معزولة عمّا سبقها من لقاءات مكثّفة في ميامي وواشنطن، جمعت ويتكوف ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إلى مستشارَي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي. والظاهر أن تلك اللقاءات لم تُناقش خطّة العمل المَنْوي اتّباعها في حال فشلت المفاوضات، بل كيفية تمهيد الأرضية لتنفيذ ما اتُّفق عليه أصلاً؛ كما إنها لم تهدف إلى تبادل الآراء، بل إلى التنسيق العسكري والسياسي المسبق بين حليفَين، يتعذّر على أحدهما - إسرائيل - أن يبادر إلى ما يرفضه الأول.
ووفقاً للتقديرات، تناولت الاجتماعات المشار إليها ما يمكن فعله في مرحلة ما بعد الجمود التفاوضي، الأمر الذي ظهر جليّاً في التصريحات التي أعقبت الإعلان عن فشل المفاوضات في الدوحة؛ إذ قال نتنياهو إن إسرائيل تدرس «خيارات بديلة» لإعادة «الرهائن» إلى ديارهم وإنهاء حكم «حماس» في غزة، فيما أشار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى أن على إسرائيل اتّخاذ قرار في شأن الخطوات التالية في غزة، وأنه لا يعلم ما الذي سيحدث بعد انسحاب تل أبيب من مفاوضات الدوحة، فـ«هم (حماس) لا يريدون إعادتهم (الرهائن)، ولذلك سيتعيّن على إسرائيل اتّخاذ قرار".
ومن المقرّر أن يزور ويتكوف مراكز إغاثة أميركية في رفح، برفقة مراسلين «مختارين»، ليس بهدف استطلاع الواقع ومعاينة فظاعته، بل في محاولة لتقديم سردية مغايرة تعزّز الرواية الإسرائيلية في وجه الانتقادات الدولية. وهي محاولة ستبدأ بإعادة طرح أسئلة أبرزها: هل هناك مجاعة في غزة؟ هل ثمّة مَن يمنع وصول المساعدات إلى المدنيين؟ هل تتحمّل إسرائيل مسؤولية المجاعة، إن كانت موجودة أصلاً، أم حركة «حماس»؟ ثم تقديم إجابات معدّة سلفاً عليها، ملخّصها: «إسرائيل تدخل المساعدات بتوافق وتنسيق مع الأميركيين، لكنّ حماس تسرقها، وتمنع المدنيين عنها، وتحوّلهم إلى مادة لدعايتها بعد أن تستخدمهم دروعاً بشرية».
هي، إذاً، مهمّة علاقات عامة، تتوارى خلفها مهمّة أكثر خطورة، محورها «الخطة ب»، التي سيبحثها ويتكوف مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، وتشمل بحسب التسريبات: تصعيداً عسكرياً واسع النطاق؛ تقسيم غزة إلى قطاعات، بعضها خالٍ من السكان بشكل كامل؛ ضمّ جزئي لأراضي القطاع، على أن تتدحرج عملية الضمّ، إذا ما ظلّت الحركة متمسّكة بمواقفها وصامدة.
ولأنه لا يمكن تبرير «الخطّة ب» إلّا بعد إثبات فشل «الخطّة أ»، فقد جاءت زيارة ويتكوف لتقدمّ هذا الإثبات، في حين ترسم المؤشرات الآتية من الولايات المتحدة وإسرائيل مشهداً أوسع وأشمل، ليست الزيارة إلّا تفصيلاً من تفاصيله، وتتجلى معالمه في ما يأتي:
- إذا لم يحرز أيّ تقدُّم خلال أيام، وواصلت حركة «حماس» رفضها الشروط الإسرائيلية، فإن المجلس الوزاري المصغر سينعقد، وسيوافق على تصعيد عسكري شامل.
- تجهّز الإدارة الأميركية لمرحلة ما بعد الحرب، وتضع خططاً بديلة لإدارة غزة، التي لن تدار بالضرورة عبر حكم عسكري إسرائيلي، وإن كان وارداً، بل عبر بدائل تشرَك فيها مصر ودول الخليج، تحت رقابة أميركية وإسرائيلية مشدّدة.
- تحت مسمّيات مختلفة، من بينها «النطاق الأمني»، ستعمد إسرائيل إلى ضمّ كل المناطق الحدودية في القطاع، وهو ما يرشّح أن يتمدّد، وفقاً لموقف «حماس» وإمكانية تراجعها، علماً أنه لم يرد من واشنطن أيّ موقف حاسم من مشروع الضمّ، وكأن الأخيرة غير معنية بذلك أو لم تسمع عنه شيئاً.
إذاً، ليست المسألة فشلاً ديبلوماسياً، بل محاولة لإنجاح سيناريو معدّ مسبقاً، يُنفّذ خطوة بخطوة، وفقاً لتداعياته وإمكانات الاستمرار به. وعليه، فإن مهمّة ويتكوف الآن، ليست حلّ النزاع وإنهاء الحرب، بل شرعنة استمرارها، عبر حلول «تصميمية» لقطاع غزة، بما يتوافق تماماً وبالمطلق، مع مصالح إسرائيل ورغباتها.