قائمة الموقع

الغرب المقنّع: حقوق الإنسان وصناعة هتلر الشرق الاوسط

2025-07-17T13:27:00+03:00
أسماء بزيع

في أروقة الأمم، حيث تتزيّن الكلمات بشعارات الحرية وحقوق الإنسان، يُدار خلف الكواليس مسرح عبثيّ لا يشبه شيئًا من الأخلاق… بل هو أقرب إلى مختبر خفيّ تُصنع فيه الوحوش، وتُروَّض فيها الشعوب على الخوف، تحت إضاءة كاذبة تُدعى "الشرعية الدولية".

وقد أثبتت الوقائع الأخيرة أن الغرب لا يدافع عن القيم، بل ينتجها على قياس مصالحه، ويُجهضها متى خرجت عن نصّه. فمَن يراقب كيف تُقصف غزة، وتدار الحرب في السودان، وتُهدم البيوت في لبنان، ويُترك اليمن على قيد الاحتضار، يدرك أن الغرب لا يُؤمن بالحقوق، بل يستخدمها كقناع شاحب على وجه مارد استعماري.

ومن خلف هذا القناع، تُصنع نسخ مشوّهة عن "هتلر"، ليسوا نسخة واحدة، بل عدة نُسخ موزعة بين ولاة الأمر في الشرق الأوسط، يتغذّون على صمت المجتمع الدولي، وينتعشون في ظلّ ازدواجية المعايير. تراه يندد بالأنظمة حين تخرج عن طاعته، ويغض الطرف عن الوحشية حين تكون ضمن رخصته السياسية.

في غزة، تجاوز عدد الشهداء 58026 ألفًا منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023، معظمهم أطفال ونساء، ومع ذلك، بقي الغرب يردد لازمة "إسرائيل تدافع عن نفسها"، ويمنع عن القطاع المحاصر الغذاء والدواء تحت حجّة "التحقّق الأمني". هنا، يُدفن الحق في الحياة تحت أنقاض مبانٍ مدمّرة، ويتحوّل الضحية إلى مجرم في خطاب الإعلام الغربي. وفي فلسطين، صُلبت القيم على جدار الفصل العنصري، حيث الدم الفلسطيني لا يثير في الغرب سوى "قلق" قابل للتأجيل.

أما لبنان، فهو أرض التجريب، تُقصف مناطقه بشكل شبه يومي منذ أكتوبر، ويُقتل المدنيون دون أن يهتزّ للأمم المتحدة بيان. عشرات المدارس والمستشفيات تمّ تدميرها، بينما تستمر الضغوط الدولية لسحب سلاح المقاومة، دون تقديم أي ضمان لأمن اللبنانيين، وكأن السيادة تُمنح فقط لمن يرتبط باتفاقيات أمنية مع الغرب.

ووسط هذا الخراب، يُعاد رسم الشرق الأوسط لا كفسيفساء حضارية، بل كمنطقة أمنية مرهونة بمفاتيح الخارج. كل طائفة تُدفع نحو الحائط، لتطلب الانفصال، وكل دولة تُفرّغ من مضمونها كي يُعاد تعبئتها بنظام وظيفي يخدم خارطة الغاز والنفوذ. إنها صناعة "هتلر" لكن على الطريقة الناعمة: لا معسكرات، بل صناديق تمويل. لا دبابات، بل سرديات إعلامية تخترق العقول. وقد بات واضحًا أن الغرب لا يصنع الديمقراطيات… بل يصنع "الهتلرات" الضرورية لضمان بقاء الشعوب خائفة، ومقسّمة، وعاجزة عن التحرّر

أمام هذا المشهد، لم يعد السؤال ما إذا كان الغرب يدعم حقوق الإنسان… بل متى يقرّر دفنها، وبأي صيغة. لم يعد خفيًا أن القيم عندهم ليست ثابتًا أخلاقيًّا بل سياسة خارجية تُكيّف حسب الموقع والثمن. فهل آن لنا أن ننزع الغشاوة عن "الغرب المقنّع"؟ وهل حان الوقت لأن نعيد تعريف الإنسان في شرقٍ لم يُمنح يومًا حقّه في الإنسانية؟

اخبار ذات صلة