/مقالات/ عرض الخبر

بين "وفاء الأحرار" و"طوفان الأحرار" : الانحدار نحو الفاشية في العالم

2025/07/15 الساعة 12:50 م
استقبال المحررين
استقبال المحررين

راغدة عسيران

في المقابلات التي أجريت معهما حديثا، أكّد الأسيران المحرران نائل البرغوثي وربيع البرغوثي، اللذين تحررا مرتين من براثن الاحتلال، على تعامل الصهاينة المختلف جدا بين المرحلتين (2011 و2025)، حيث تم التعامل مع الأسرى بوحشية مفرطة في المرة الثانية بعد تجميعهم تمهيدا لتحريرهم وإبعادهم. في المرة الثانية (2025)، تحرّرا بعد الضرب وكسر الضلوع والإهانات اللفظية وحشرهم في صناديق متنقّلة، مكبّلي الأيدي والأرجل، في حين تم تحريرهم في "وفاء الأحرار" كأسرى لهم حقوق إنسانية وسياسية.

يكفي متابعة مواقف منظمة الصليب الأحمر الدولي إزاء الأسرى، من إضرابهم عن الطعام عام 2011 الى إقفال مقراتها وعدم استقبال أهالي الأسرى في 2024 والتعامل التمييزي بين الصهاينة المفرج عنهم والأسرى الفلسطينيين المحررين ضمن "طوفان الأحرار"، لرصد التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي خلال هذه المدة الزمنية.

ما الذي حصل بين "الصفقتين" ؟ ما هي التغييرات التي حصلت بين 2011 و2025 في كيان العدو، علما أن رئيس الوزراء هو نتنياهو نفسه الذي حكم خلال المرحلتين، لكن بظروف مختلفة، داخليا وإقليميا وعالميا، ما أثَّر بشكل جذري على التعامل الصهيوني المفرط في الوحشية اليوم، مقابل التعامل "شبه الإنساني" في تشرين الأول/أكتوبر 2011.

لقد تمت عملية "وفاء الأحرار" التي حرّرت حوالي 1500 أسير ومعتقل فلسطيني، منهم محكومين بالمؤبدات والأحكام العالية، ومن كافة المناطق الفلسطينية (المحتلة عام 1948 و1967) في ظل تغييرات مهمة طالت الساحة الإقليمية خاصة، أهمها ما سمي "بالربيع العربي"، حين سقطت أنظمة عربية متعاونة مع الصهاينة (تونس، ومصر) وفتحت الآفاق لحدوث تغييرات في الدول العربية الأخرى. تمت عملية "وفاء الأحرار" في فترة حرجة جدا للعدو الصهيوني، الذي استعجل بالموافقة على العملية التي كانت تتوسطها مصر، رغم أنه كان قد شنّ حربا دموية على قطاع غزة المحاصر رفضا لأي صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين مع جندي صهيوني واحد (شاليط)، تم اختطافه من على دبابة كانت تقصف القطاع وأهله. فضّل العدو الموافقة على العملية خشية من حدوث تغييرات إضافية في العالم العربي لغير صالحه وصالح الغرب الاستعماري.

لكن لم يتبدّل الوضع العربي كما أرادت الشعوب، حيث تمكنّت الأنظمة الخليجية بمساعدة الولايات المتحدة من إحداث "ثورة مضادة" طالت العديد من الأنظمة وربطتها بالتيارات الأكثر صهيونية في الدول الغربية، بحجة "الديمقراطية" وبعض "الحقوق" الزائفة. شكّل هذا النزوح نحو الصهيو-أميركية أرضية خصبة لإبرام "اتفاقيات أبراهام" (2020) التي سعى اليها الرئيس الأميركي ترامب في ولايته الأولى (2017-2021)، والتي ضمت كل من الإمارات والبحرين ثم المغرب والسودان، والتي كانت أكثر من تطبيع سياسي (مصر والأردن).

ومن أجل مواجهة تيار المقاومة الصاعد في الإقليم، وظّفت الولايات المتحدة ظاهرة "داعش" والتنظيمات المتطرفة، للتغلغل أكثر في المنطقة وأقامت قواعد عسكرية بحجة محاربة "الإرهاب الإسلامي". من ناحية أخرى، انسحبت الولايات المتحدة برئاسة ترامب من الاتفاق النووي مع ايران، وتراجعت الدول الأوروبية عن التزاماتها بخصوص هذا الاتفاق. هذا التحوّل في المشهد العربي والإقليمي دعم توحّش الكيان الصهيوني وتطلّعاته التوسعية وعنصريته المتجذرة، في كل من فلسطين والدول المجاورة.

بعد العام 2011، تكرّست التوجهات الفاشية في الدول الاستعمارية الغربية، التي استغلت تدفّق اللاجئين العرب والمسلمين وغيرهم الى هذه الدول، لتعلن عنصريتها الدفينة بالترويج بأن أزماتها السياسية والاقتصادية مرتبطة بوجود هؤلاء اللاجئين. فصعدت التيارات العنصرية الفاشية التي نادت بحماية الهويات الغربية ضد "الغرباء المتوحشين"، ودخلت بقوة بالبرلمانات الغربية الى أن وصلت للحكم في بعض الدول.

 لم تعد هذه الفاشية معادية لليهود، كما كانت في السابق، لقد تصالحت مع الصهيونية التي أصبحت تمثل بالنسبة لها الحضارة الغربية "المتفوقة" على البشر. فشهدت دول أوروبية صعود "الإسلاموفوبيا" وتباهى الإعلام الغربي المسيطر على المشهد بكراهيته للعرب والمسلمين خاصة، الى أن اندلعت الحرب الروسية - الأوكرانية في العام 2022، التي فاقمت أزمات هذه الدول مع استباحة الحريات العامة وقمع الأصوات المخالفة للتوجه الرسمي، وفرضت الحصار على روسيا بدعم الأمم المتحدة. ما يعني أن الأزمات الداخلية على أكثر من صعيد (أخلاقي، اجتماعي، اقتصادي وسياسي) في الدول الاستعمارية الغربية تجسّدت في مزيد من قمع الحريات والعنصرية، وانتقلت الفاشية من الأحزاب الى الحكم أو في داخله.

تأثرت منطقتنا بهذا التوّجه بشكل مباشر وغير مباشر، مباشر عبر فرض عقوبات على الدول التي لا تحارب المقاومة ودعم التيارات الموالية للغرب ماليا وسياسيا وإعلاميا، وغير مباشر عبر صعود الفاشية في كيان العدو المهدِّد للمنطقة وعبر المنظمات الدولية التابعة أو غير تابعة للأمم المتحدة، والتي تقع تحت السيطرة الغربية بشكل عام. رغم بعض التصريحات من هنا وهناك الداعمة للقضية الفلسطينية، أثبتت الهيئات الدولية تبعيتها للغرب الاستعماري في أكثر من قضية، الذي تماهى كليا مع التوجه الفاشي الاستعماري في فلسطين.

عاش المستوطنون في كيان العدو أزمات سياسية متتالية، بعد حكومة نتنياهو اثر انتخابات العام 2009، في الوقت الذي كان يتصاعد فيه التيار الديني الفاشي بين المستوطنين، وضد الشعب الفلسطيني وطموحاته التحررية. فتم التصويت على قانون القومية اليهودية في العام 2018، لترسيخ مفهوم الدولة الاستعمارية العنصرية الرافضة لوجود "الأقلية العربية الفلسطينية" وتكوّنت ميليشيات بين المستوطنين، ليس فقط في مستوطنات الضفة الغربية، بل في أحياء المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، لتكون القوة الضاربة ضد أي تحرك جماهيري عربي، كما حصل في أيار/مايو 2021 وبعده في النقب. سبق هذا القانون وتبعه قوانين وممارسات عنصرية استئصالية بحق فلسطينيي الداخل نالت من مفاهيم ليبرالية غربية كمفهوم المواطنة كانت تتستر على مضمون الفكرة الصهيونية.

ثم جاءت عملية "طوفان الأقصى" المباركة لتفجّر الأكاذيب التي حاولت الدول المتغطرسة، بقيادة الشيطان الأكبر، الترويج لها، حول السلام والديمقراطية. فكانت العملية البطلة والجريئة انطلاقا من قطاع غزة المحاصر نقطة تحوّل في مسار المقاومة، التي كانت قد تصاعدت بشكل ملحوظ منذ 2011، حيث تكرّس مفهوم وحدة الساحات فلسطينيا (بما فيها ساحة السجون) وإقليميا.

لم يكن أمام الغرب الاستعماري المتغطرس إلا أن ينزع أقنعته الخبيثة ويعلن تماهيه التام مع التوحّش الصهيوني لمنع انهيار الكيان الاستيطاني، قاعدته العسكرية الأولى في قلب الأمة، ومنع الدول العربية والإسلامية التابعة له من أي تدخّل لإنقاذ شعب فلسطين وتمكين المقاومة من مواصلة مسيرتها التحررية.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/217690

اقرأ أيضا