/مقالات/ عرض الخبر

الصّحافة تحت النّار.. كيف يصنع الصحفيّون الحقيقة تحت ركام غزّة؟

2025/06/10 الساعة 11:53 ص

هبة دهيني*

وسط كلّ مشاهد الإبادة في قطاع غزّة اليوم، حيثُ تغدو الشوارع شظايا لذاكرة مدينةٍ ذبحها الاحتلال بكلّ الأدوات وحشيّة، يقف الصحفيّ الفلسطينيّ، لا يحمل سلاحًا سوى كاميرته، ويسعى بكلّ ما تبقّى من طاقة، أن يوصل الحقيقة للعالم كما هي، حتّى أنّه لا يصبح فقط ناقل الخبر، بل يضحي الخبر نفسه.

إنّ الصحفي الفلسطينيّ اليوم، بمجرّد أن يقف ويدلي بما لم يتوقف المحتلّ عن فعله منذ أشهرٍ طوال، يصبح مهدّدًا ومطاردًا وجريحًا، وحتّى شهيدًا، رغم كلّ المواثيق الدّوليّة الّتي تحمي الصحفيين فيما يسمّونه "مناطق النّزاع"، يخرق الاحتلال كلّ القوانين، ويستمرّ في ذبح آلاف العائلات، أمام صمتٍ عالميّ مخزٍ.

 ورغم كلّ التهديدات التي لا يني المحتلّ عن إلقائها على رؤوس الغزّيين كلّ يوم، لا يغادر الصحفيّ الغزّي الميدان، يوثّق من تحت الأنقاض، ويبثّ رسائله من أمام المستشفيات التي ضاقت بجثامين الأطفال، ويواصل عمله لينقل رسالته بالدّم، صارخًا: نحن هنا، نُقتَل، وما زلنا نروي الحقيقة، ولو بالكلمة الأخيرة على شفير الموت.

لقد تحوّل العمل الصحفي في غزّة إلى فعل مقاومة، فباتَ بحدّ ذاته أسطورة صمودٍ ستخلدّها "الأمم"، لو فعَلَت. تُصنع الحقيقة في القطاع اليومَ تحت الرّدم، بين صرخات الثّكالى والفاقدين، من دموع الأطفال الجائعين، من تكايا الطّعام، من المذابح الّتي يفتعلها المحتلّ على بُعد أمتارٍ من كلّ صحفيّ، ثمّ يصل إليه فيستهدفه عمدًا، بعدما حاول بأكثر أدواته وحشيّة، أن يطمس الحقيقة كاملة، ولم يستطع.

يخشى المحتلّ أصواتنا، ويخاف من كلماتنا كما ترعبه البنادق، يستفحل في عنجهيّته، ويظنّ أنّ قتل الصحفيين سيسقط عزيمتنا، وسيجعلنا أناسًا مستسلمين، ولكنّ العكس يحصل في كلّ مرّة، إذ يقف الغزّيّون ويصرخون في وجه آلة الحرب "الإسرائيليّة"، في أتون الإبادة، وقد باتوا على الطّوى، معداتهم فارغة، قلوبهم تمزّقها أصوات الطائرات ودخان القصف، ومع كلّ هذا، يهتفون، ويكملونَ طريقًا لم يتوقّف منذ أكثر من 77 عامًا.

 تتصاعد وتيرة الحرب كلّ يومٍ أكثر، ويزداد عدد الشّهداء والجرحى والمفقودين، وتزداد الحاجة إلى إيصال صوت القطاع المحاصَر إلى العالم، ولو أنّ الأخيرَ يرى مذابح القطاع فيغضّ عنها النّظر، خشية "خدش" عينيه بمشاهد مؤذية يعيشها الغزّيّ كلّ يوم.

ومع كلّ هذا، يؤدّي كلّ غزّيّ تكليفه، ويعلم الصحفي منهم أنّه مهدّد لا محالة، ويكمل الطّريق، ويرفع صوته، مدركًا أنّ الحياة بأكملها وقفة عزّ وشرفٍ ومقاومة، وأنّا لو استسلمنا، فقد بعنا كلّ ما قد سلَف من كفاحٍ وجهادٍ على مرّ التّاريخ، وأنّ بقاءنا حتميّ، وزوال الكيان حتميّ كذلك، ولكنّ الأمر يحتاج صمودًا، وكفاحًا، وصرخاتٍ لا تُخفَت!

*وكالة القدس للأنباء

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/216602

اقرأ أيضا