/مقالات/ عرض الخبر

رحلة ترامب الخليجية وثروات الأمة المنهوبة!..

2025/05/23 الساعة 02:43 م

أسماء بزيع

بين صرير الطائرات الهابطة في مطارات الخليج، وتصفيق البروتوكولات المُنمّقة، حلّ دونالد ترامب في أرض العرب لا بوصفه رئيسًا للولايات المتحدة، بل كتاجر ماهر، يَعْرِف جيدًا من أين تُؤكل خزائننا، وكيف تُفتح صناديقنا السيادية بمفتاح الابتسامة ووعود الشراكة. ثلاثة أيام، وثلاث عواصم، ومئات المليارات، تهاوت تحت وقع الابتسامات المصطنعة والياقات المكوية، في مشهد يُشبه إعادة إنتاجٍ باهتٍ لحقبة الانتداب… بربطات عنق حديثة، وأجندات رقمية مموّهة.

من الرياض إلى الدوحة، ثم أبوظبي، مرّ ترامب كالإعصار. فبينما كانت شعوب الخليج تترقّب مستقبلًا من العدالة الاقتصادية والتنمية المستدامة، كانت طائرات بوينغ تُحجز، وقواعد عسكرية تُوسّع، ومراكز بيانات تُبنى، لكن لا بأيدٍ عربية، ولا من أجل العرب. إلى جانب صفقات الدفاع وشراء الطائرات، ومراكز الذكاء الاصطناعي، واتفاقيات الاستثمار، كلّها وُقّعت بخطٍ واهن، بينما كانت غزة تنزف بلا حبر، ويُقصف الأقصى بلا توقيع. وحتى تسليم استضافة كأس العالم، تحوّلت إلى فصولٍ في كتاب واحد: كيف تُدار ثرواتنا لصالح غيرنا؟ كيف يُحوَّل أمننا إلى سوق، وكرامتنا إلى بند في قائمة مشتريات واشنطن؟

اللافت، أن الرئيس الأمريكي لم يحتج إلى كثيرٍ من الجهد لإقناع "حلفائه" في الخليج. فالمشهد كان معدًا بإحكام: أوسمة تُمنح، طائرات تُهدى، وقممٌ تُعقد بحضور رؤساء منقسمين، وكأن الأمة العربية لا تزال تتعامل مع البيت الأبيض كما لو كان كعبة السياسات، لا عرّاب الاستغلال. لكن خلف الأبواب المغلقة، كان الصمت العربي أفصح من أي بيان. لم نسمع عن ضغط لإنهاء العدوان على غزة، ولا عن موقف صارم من تدنيس الأقصى، بل كان الصوت المهيمن هو صوت البترودولار، الذي لا يعرف لغة القيم، ولا يملك ذاكرة الشعوب.

ويا للغرابة، أن تُهدى طائرة فاخرة لرئيس متهم بعشرات القضايا، لتكون له ربما "إير فورس وان" قادمة. أهو شراء ولاء؟ أم عربون شكرٍ على ماضيه في الانحياز؟ وأين ضمير الأمة من هذا العبث المكشوف. إنها ليست مجرد زيارة سياسية، بل مرآة تعكس هشاشة القرار العربي حين يُعلّق على حبال الخارج، لا على نبض الشعوب. إنها جولة تفضح ما تبقى من وهم السيادة، وتكتب بالحبر العريض أن الثروات حين تُنهب باسم الشراكة، فإن الوطن يتحوّل إلى محطة وقودٍ على طريق الطامعين.

وها نحن نكتب، مرةً أخرى، عن رحلة… لكنها ليست كسفر الشعراء، بل كرحلة اللصوص في ليلٍ بلا حراس. وعن صمتٍ عابرٍ، بل سياسة ممنهجة، ليس غيابًا عن المشهد، بل حضورٌ بأقنعةٍ باهتة، ليس خنوعًا اضطراريًا، بل خيارٌ طُبع بختم المصالح الملطخة بالدم. وغدًا… حين تكتب الأجيال التاريخ من جديد، لن تتذكر قيمة الصفقات، بل ثمن الصمت.

ولن تحفظ أسماء الشركات، بل أسماء المدن التي احترقت… بصمتِنا. فإن ثروات الأمة ليست فقط من النفط والغاز، بل في كرامتها، في موقفها، في قدرتها على أن تقول لا. لكنهم باعوا الـ "لا" في سوق الولاءات، واستبدلوها بـ "نعم" لا تشبهنا، ولا تُشبه تاريخنا، ولا تُشبه القدس ولا تُشبه دماء غزة.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/215975

اقرأ أيضا