/مقالات/ عرض الخبر

فلسطينيو 48: مواجهة الإرهاب الاستعماري الصهيوني والمتواطئين معه

2025/05/04 الساعة 09:57 ص

راعدة عسيران

خلال الإيام الماضية، أحيت الجماهير الشعبية الفلسطينية ذكرى نكبة 1948 في أكثر من 30 قرية مهجّرة في الجليل والمثلث والساحل والنقب، بدعوة من "جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين واللجان المحلية"، معلنة أنها لن تتخلى عن حقّها وحلمها بالعودة اليها، رغم تدميرها من قبل الزحف الاستيطاني، ومحاولة محوها عن الجغرافيا والذاكرة، وإقامة مستوطنات على أنقاضها.

جاءت مسيرات العودة المتعددة الى القرى المهجّرة هذه السنة للتعويض عن مسيرة العودة المركزية الثامنة والعشرين الى قرية كفر سبت المهجّرة (تقع جنوب غرب مدينة طبريا) التي منعتها شرطة إيتمار بن غفير، والتي كانت تقام كل عام منذ أكثر من عقدين من الزمن، للتأكيد على حق عودة اللاجئين والمهجّرين الى قراهم.

الى جانب استنكار هذا المنع من قبل العديد من المناضلين في الداخل، رأى بعضهم، كالصحافي رشاد عمري أن "التوجه الى الشرطة "الإسرائيلية" من أجل الحصول على ترخيص لفعاليات إحياء ذكرى النكبة أمر مرفوض، (لأنه) يمنح شرعية لقمع هذه الفعاليات الوطنية" وأضاف أن "الفعاليات الوطنية الكبرى، مثل يوم الأرض وهبّة الكرامة، لم تنتظر يوماً موافقة الشرطة".

قبل أسبوع، حظرت نائبة رئيس جامعة حيفا، منى مارون، نشاط طلابي في الجامعة، حيث رفع المشاركون صور أطفال قطاع غزة استشهدوا خلال الحرب. أثار قرار منى مارون وهي أكاديمية فلسطينية من ال48، انتقادا واسعا، كما نقلت المواقع الصحفية، لدى المناضلين في الداخل، حيث نعتها المحلل السياسي إيهاب جبارين ب"فخر عربسرائيل.. كونها أول عربي(ة) توقع على قرار حظر نشاط جامعي معارض للحرب في غزة".

أثار هذا القمع الصهيوني وما سبقه من طلب رخصة للمسيرة السنوية في ذكرى النكبة تساؤلات كثيرة حول أولا الأوضاع التي تعيشها الجماهير الفلسطينية في الأرض المحتلة عام 1948 بعد السابع من أكتوبر 2023، وثانيا دور الأحزاب والقوى الوطنية في التصدي لحرب الإبادة المستمرة، وثالثا الصراع المحتدم بين أسرلة نخبة متنفذة والانتماء الوطني الفلسطيني للجماهير المقموعة والملاحقة من قبل الحكم الاستعماري الصهيوني.

1 - أوضاع الجماهير: بين القمع والاعتقال والقتل من جهة والجريمة من جهة أخرى تعيش الجماهير الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948 حالة قمع ممنهجة اشتد خلال معركة سيف القدس في آيار/مايو 2021 وما رافقها من هبّة شعبية في المدن والبلدات الفلسطينية، وتصاعد بشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر 2023. لم تصل الأمور الى هذا الحد لولا الإجراءات القمعية المتدحرجة خاصة بعد قانون القومية في العام 2018، الذي كشف عن وهم الليبرالية الصهيونية والمواطنة المبنية عليها.

لقد اعتقلت الشرطة الصهيونية العشرات من الفلسطينيين، في مناطق عدة، ولأسباب متعلقة أساسا بحرية التعبير، حيث انكشف جليا تجسّس القوى الاستعمارية على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى تحركات الجماهير، التي حاولت أكثر من مرة التعبير عن غضبها بسبب حرب الإبادة بالمسيرات والوقفات الاحتجاجية في مدن الداخل.

لقد تم اعتقال قبل أسابيع المناضل رجا أغبارية، القيادي في حركة أبناء البلد وفي لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، من منزله في أم الفحم، دون أي مبرّر، إلا كونه يكتب ويعبّر عن أرائه الوطنية. ثم تم تحويله للاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر، بعد فشل المخابرات الصهيونية من تقديم لائحة اتهام ضده. وصرّحت حركة "أبناء البلد" أن "الاعتقال الإداري لرجا إغبارية، سابقة خطيرة ليست جديدة فكان إغبارية أول معتقل إداري من سكان الداخل المحتل، وذلك عام 1987، ويأتي هذا الاعتقال الانتقامي لعدم قدرة المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" توجيه تهم تستند إلى وقائع حقيقية وفعلية".

يقبع في السجون الصهيونية ما يقارب 27 معتقلا إداريا من الداخل، بينهم 5 من أم الفحم. فقالت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ان الاعتقال الإداري ليس إلا "دليل جديد على إفلاس المنظمة الإرهابية الرسمية" و"إجراء فاشي للقمع السياسي وقمع حرية الرأي".

من جهة ثانية، تعيش جماهير الداخل المحتل حالة قلق بسبب الجريمة المتفشية في المجتمع الفلسطيني، خاصة بعد قرار السلطات الصهيونية بحظر في شهر يناير/كانون الثاني 2025 "لجان إفشاء السلام" المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا والتي كان يرأسها

الشيخ رائد صلاح. وهدف مشروع لجان "إفشاء السلام" الذي أطلق في فبراير/شباط 2022 إلى تعزيز قيم السلام وبث روح التسامح داخل المجتمع الفلسطيني. يدلّ قرار حظر هذه اللجان الى دعم المؤسسات "الأمنية" الصهيونية للمجرمين الذين يعملون بحرية تحت غطائها، وخشيتها من تماسك المجتمع الفلسطيني.

لمواجهة هذه الظاهرة القاتلة، لم يقترح "المتأسرل" منصور عباس إلا مدّ شبكة كاميرات مراقبة في داخل البلدات العربية وتفعيل أجهزة التنصّت والمراقبة، أي تصعيد حملة المراقبة والتجسّس على الفلسطينيين، بحجة محاربة الجريمة.

2- الأحزاب والقوى الفلسطينية: ضياع سياسي وشلل ساد الضياع السياسي والشلل داخل الأحزاب والقوى السياسية داخل الأرض المحتلة عام 1948 بعد عملية "طوفان الأقصى" المجيدة. باستثناء حزب منصور عباس الذي تبنّى كليا موقف المؤسسة الصهيونية، لم تتفق الأحزاب الأخرى حول معنى وأهمية هذه المعركة، وحول مشاركة قوى محور المقاومة فيها. لذلك، ما جمع هذه القوى هو الاستنكار اللفظي للمذابح اليومية وحرب الإبادة بحق أهل غزة في بيانات وتصريحات تصدر من وقت لآخر، إضافة الى استنكار صعود الفاشية الصهيونية التي تجلّت في الداخل المحتل بملاحقة ومراقبة واعتقال الوطنيين، أي كل من يشارك في وقفة احتجاح أو يترحم على الشهداء، كما تجلّت في سياسة تدمير مئات المنازل في النقب والجليل والمدن "المختلطة"، وإخلاء 12 قرية غير معترف بها في النقب، دون أي رد فعل معتبر لهذه الأحزاب والقوى السياسية.

لم تصدر أي مناقشة جدية بين الأحزاب والقوى المشاركة في الكنيست الصهيوني وفي داخلها حول هذه المشاركة، رغم ما تمرّ فيه القضية الفلسطينية من مخاطر، وخاصة بعد الهجوم الاستيطاني والتهويدي على الضفة الغربية والقدس والتهديد المباشر وغير المباشر لوجود الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل. ما دفع الكاتب محمد فوزي إغبارية الى تسجيل ملاحظات حول الخطاب السياسي الحالي لدى هذه الأحزاب، الذي لم يتغيّر رغم "انفجار الخطاب الأمني ضد الفلسطينيين في الداخل بشكل غير مسبوق... وترسخ صورة "العربي العدو الداخلي" في الخطاب العام "الإسرائيلي" بعد السابع من أكتوبر 2023.

يرى الكاتب أن "ما بعد السابع من أكتوبر لا يتطلب فقط موقفا جذريا من خطاب الاندماج، بل مراجعة نقدية حتى لخطابات المعارضة القومية، وفحص مدى صلاحيتها وقدرتها على الفعل في واقع تحوّل فيه الفلسطيني في الداخل من مواطن من الدرجة الوظيفية الى خطر سيادي في نظر الدولة"، ما يعني أن على الأحزاب والقوى السياسية الوطنية أن تعيد نظرتها لكيان العدو ومفهومها للمواطنة الذي ساد في زمن الليبرالية الصهيونية، وتعيد النظر أيضا في صناعة النخبة "المتأسرلة" التي تتماهى مع أعداء الشعب الفلسطيني والأمة، ومسألة "النجاح الفردي" لهذه النخبة واعتلاءها مناصب في الكيان الاستعماري، كما تحدّث المحامي رضا جابر، بعد حادثة منى مارون، بقوله أنه من الضروري مواجهة ظاهرة "الفردانية"... بعض المثقفين والأكاديميين والمهنيين ومن تقدموا بالمناصب بمرحلة معينة يتبنّون خطاب المؤسسة التي يعملون بها وبالتالي يتحوّلون من خدمة مجتمعهم الى الاهتمام بالنجاح الفردي".

في ظل الأوضاع بعد السابع من أكتوبر 2023، تسعى الجماهير المكبّلة سياسيا وتنظيميا الى مواصلة التعبير عن انتمائها لشعبها المستهدف من قبل الصهاينة وأدوات الهيمنة الأميركية في المنطقة، في حين تعيش الأحزاب والقوى السياسية حالة ضياع وشلل بسبب شدّة الحملة الإرهابية الصهيونية من جهة وعدم قدرتها على إعادة تقييم أدائها وتموضعها من جهة أخرى. 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/215286

اقرأ أيضا