وكالة القدس للأنباء - متابعة
شكّلت كلمة رئيس سلطة رام الله، محمود عباس، خلال افتتاح جلسة «المجلس المركزي لمنظّمة التحرير»، نقطة تحوّل لافتة في الخطاب السياسي الرسمي الفلسطيني، بعدما شنّ هجوماً حاداً وغير مسبوق على حركة «حماس»، مستخدماً ألفاظاً نابية، وملقياً باللوم على المقاومة في ما تتعرّض له غزة من قتل ودمار. وبدا عباس كمن يقدّم الرواية "الإسرائيلية" على طبق من ذهب، محمّلاً الفصائل الفلسطينية المسؤولية عن الجرائم المُرتكبة بحق المدنيين، بذريعة احتجاز الجنود "الإسرائيليين". وقال «أبو مازن»، خلال حديثه عن الجندي "الإسرائيلي" – الأميركي الأسير عيدان ألكسندر، موجّهاً حديثه إلى «حماس»: «يا أولاد الكلب سلّموا الرهائن اللي عندكم وخلصوا»، مدّعياً بأن استمرار احتجاز هؤلاء يوفّر الذرائع "لإسرائيل" لمواصلة عدوانها على القطاع.
لكن في الوقت الذي كان فيه عباس يُنحي باللائمة على المقاومة في ما آلت إليه الأوضاع، كانت جرّافات الاحتلال تنصب ثلاث بوابات عسكرية داخل مخيم جنين، في خطوة تهدف إلى تطويق المخيم بالكامل، ما يؤكّد، مرة جديدة، أن العدوان "الإسرائيلي" لا يحتاج إلى ذرائع، بل يقوم على استراتيجية التوسّع بالقوة. وليس معلوماً ما هي الأجوبة التي سيردّ بها عباس على أبناء الضفة الغربية، إذا ما سألوه عن الذرائع التي احتاج إليها العدو، لإطلاق الحملة "الإسرائيلية" التوسّعية المستمرّة منذ عامين على الأقل، في الضفة، من الاستيطان إلى العمليات العسكرية والتدميرية المتتالية. كما يبدو أن «أبو مازن» تعمّد تجاهل تصريحات صدرت قبل ساعات من خطابه، من وزير مالية الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، الذي أكّد أن «إعادة الرهائن ليست الهدف الأهم» في الحرب "الإسرائيلية" على غزة، ما يضعف حجّة عباس ويكشف التماهي الخطير مع خطاب العدو.
أيضاً، لم يخفِ رئيس السلطة رغبته في عودة الأخيرة إلى غزة، حتى لو تطلّب الأمر تبنّي الشروط الأميركية – "الإسرائيلية"، وعلى رأسها تسليم المقاومة لسلاحها، إذ طالب «حماس» صراحةً بذلك، قائلاً إن «الدولة الواحدة لا تحتمل سلاحين»، في إشارة إلى ضرورة خضوع غزة لسلطة رام الله. لكنه تحدّث وكأنّ السلطة تملك مقوّمات الدولة، من الشرعية والشعبية والإدارة، إلى المال والسلاح والسيادة، وهي شروط تفتقد إليها رام الله، بشكل شبه كامل. وفي خطابه، وصف عباس «حماس» بـ«الانقلابيين»، واتّهم الحركة بإلحاق الأذى بالقضية الفلسطينية عبر ممارساتها منذ عام 2007، معتبراً أن ست حروب جرت على غزة كانت بسببها، «ما أعطى الاحتلال ذرائع مجانية لتنفيذ جرائمه»، على حدّ تعبيره.
المفارقة أن هذا الخطاب جاء في جلسة «المجلس المركزي لمنظّمة التحرير»، والذي لم يُعقد طوال 18 شهراً من حرب الإبادة على غزة، ولم يتحمّل يوماً مسؤوليته التاريخية؛ بل انعقد هذه المرة، بمقاطعة من «الجبهة الشعبية» وحركة «المبادرة الوطنية»، لتبنّي خطاب عباس وقراراته، وأبرزها الهجوم على المقاومة والدعوة إلى تسليم السلاح، في تماهٍ صريح مع المطالب "الإسرائيلية" والأميركية.
وفي سياق متصل، أثنى عباس، خلال كلمته، على قادة وزعماء عرب، علماً أن «المركزي» لم يلتئم إلا استجابة لضغوط مارستها دول عربية خلال الفترة الماضية، بهدف إحداث إصلاحات سياسية وإدارية في بنية «منظمة التحرير» والسلطة، ومنها استحداث منصب نائب للرئيس - وهو ما أشار إليه «أبو مازن» في كلمته -، وكذلك السماح بعودة المفصولين من حركة «فتح» إلى الحركة، وتحديداً أولئك المحسوبين على تيّار محمد دحلان. وبرّر عباس استحداث المنصب المذكور برغبته في ضمان استمرار السلطة في حال حدوث فراغ، مع أن تاريخ الرجل في تعطيل المؤسّسات وتركيز السلطات بيده، يشي بعكس ما تقدّم تماماً. وعلى أي حال، بات من المعروف أن دولاً عربية، من مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية، تسعى إلى ترتيب السلطة، تمهيداً لليوم التالي لعبّاس.
من جانبها، دانت حركة «حماس» خطاب عباس، ووصفت كلماته بـ«الهابطة والمُسيئة»، مشيرة إلى أن رئيس السلطة «يهاجم جزءاً أصيلاً من الشعب الفلسطيني في اجتماع مغتصب للشرعية». وأشارت الحركة إلى أن «عباس يصرّ بشكل متكرّر ومشبوه، على تحميل شعبنا مسؤولية جرائم الاحتلال وعدوانه المستمر». وبدورها، استنكرت قوى «تحالف المقاومة الفلسطينية» تصريحات «أبو مازن»، ورأت فيها «إساءات واضحة وخطيرة ضدّ قوى المقاومة الفلسطينية»، «تُغذّي الانقسام وتخدم الاحتلال»، معتبرة أن «المجلس المركزي»، بصيغته الحالية، «لا يمثّل الشعب الفلسطيني، بل يسعى إلى إعادة إنتاج قيادة فقدت شرعيتها، بسبب سياساتها الفاشلة التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى حافة الانهيار».