/مقالات/ عرض الخبر

شعارات ملتبسة وتصريحات مضللة

2025/04/15 الساعة 12:29 م

راغدة عسيران

قبل أكثر من أسبوع، خرج المئات من المصريين الى معبر رفح للتنديد بمشروع تهجير أهل قطاع غزة من وطنهم، الذي يخطط له الكيان الصهيوني بدعم الولايات المتحدة الأميركية. قد يحمل الشعار المعادي لتهجير أهل القطاع، ضحية حرب الإبادة الجماعية منذ أكثر من عام ونصف، إشارات إيجابية حول يقظة الشعوب العربية والإسلامية إزاء المخاطر التي تهدد الشعب الفلسطيني وقضية العرب والمسلمين، لو لم يتم الاكتفاء به، وكأن المذابح اليومية والمتنقلة، والجوع والعطش والتهجير الداخلي المستمر، والتدمير الممنهج لكل نبض الحياة باتت أمورا عادية لا تستحق الوقوف أمامها والمطالبة بإنهائها. طرح مسألة التهجير بدلا من وقف حرب الإبادة وإلغاء اتفاقيات العار مع كيان العدو يعدّ نوعا من التضليل السياسي يعفي الأنظمة العربية والإسلامية من مسؤولياتها.

أعربت الدول العربية رسميا عن رفضها لتهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه خلال قمتها الأخيرة، وطالبت بوقف حرب الإبادة، لكنها لم تفعل شيئا لدعم أهل القطاع خاصة وأهل فلسطين عامة وتمكين صمودهم أمام وحشية الصهاينة، بسبب تبعية أغلبية هذه الدول للولايات المتحدة الأميركية، الشيطان الأكبر الذي يساند عسكريا واقتصاديا وسياسيا حرب الإبادة.

وبدلا من الإعلان عن دعمها للمقاومة ورفض الإبادة الجماعية ومطالبة أنظمتها باتخاذ إجراءات حاسمة وطنيا (وقف التطبيع) ودوليا وإقليميا لمعاقبة الكيان المتوحش ووقف الإبادة، يكتفي المتظاهرون برفع شعارات السلطة، أي معادية للتهجير، دون التساؤل لماذا أصبح هذا الشعار الملتبس شعار السلطات العربية الحاكمة.

هل يحمي هذا الشعار القضية الوطنية والقومية أم هو مجرد رد على الوقاحة الصهيو-أميركية الأخيرة ؟

كلما تصاعدت وقاحة المتوحشين الغربيين، تُطرح شعارات قد تكون جامعة (الحكومات والشعوب) لتجنب طرح القضايا الأساسية الآن، وهي وقف حرب الإبادة ودعم صمود ومقاومة أهل فلسطين وضرورة إدخل المساعدات، بدلا من الرد على آخر ما يطرحه الأعداء.

يشبه هذا الشعار الرافض للتهجير شعارا آخر رفعته جهات لبنانية قبل عقود، الرافض لما يسمى التوطين، وهو شعار لا يحمي القضية الفلسطينية ولا اللاجئين، بل يراد منه حماية الكيانية اللبنانية والميزان الديمغرافي الطائفي، وإن كان يواجه، لفظيا، مخططات الأعداء الرامية لتصفية قضية اللاجئين عبر توطينهم في دول اللجوء. لم يمنع هذا الشعار الملتبس من تهجير اللاجئين الى الدول المختلفة بسبب القوانين المجحفة بحق اللاجئين التي تمنعهم من العمل والتملك في لبنان. بدلا من طرح شعار حق عودة اللاجئين والعمل لتمكينهم سياسيا واقتصاديا ليقوموا بدورهم الوطني، فاعتبر البعض أن الشعار المعادي للتوطين شعار وطني جامع يخدم القضية الأم.

أما بالنسبة للتصريحات المضلّلة، فيمكن الرجوع الى كافة التصريحات الصادرة عن الحكام العرب والمسلمين والأجانب التي تعِد الشعوب ب"حلّ الدولتين" والاعتراف ب"الدولة الفلسطينية" الى جانب الكيان الإرهابي، في الوقت الذي تستمر فيه حرب الإبادة على قطاع غزة، وكأنها تفصيل هامشي في مسألة الصراع. لم تبادر كافة هذه الجهات الى وقفها، إلا بتصريحات عامة لا تؤثر على الوحوش، ولا تأخذ بعين الاعتبار توسع الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس، ولا تبادر لمنع تهويد المقدسات في القدس وكل فلسطين، ولا لتدمير منازل الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية والقدس، وأكثر من كل ذلك، لا تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط تصريحات المستوطنين وقياداتهم السياسية والعسكرية والحزبية، بل عدوانهم اليومي المستمر لقتل التفكير في "دولة فلسطينية" مستقبلية على جزء من فلسطين.

تستمر هذه الجهات كافة (باستثناء الولايات المتحدة وملحقاتها المقربة) بإطلاق تصريحات تنديد بحرب تدميرية في الضفة الغربية (الشق الثاني للدولة الفلسطينية الموعودة) ينفذها كيان العدو وجماهيره الاستيطانية المتعطشة لدماء الفلسطينيين.

ما أهمية هذه التصريحات ولماذا تطلق في الوقت الحاضر؟

تصدر هذه التصريحات المضلّلة عن هذه الجهات العربية والعالمية من أجل إثبات أولا أنها ما زالت على قيد الحياة السياسية في العالم، خاصة بعد دخول الرئيس الأميركي ترامب على الساحة والسيطرة على المشهد الإعلامي (ترامب قال، ترامب كتب، ترامب هدّد...)، وتذكّر بمواقفها التي لا تتبدّل رغم تبدّل المشهد عالميا وإقليميا ومحليا. وبدلا من العمل الجاد لوقف المذبحة وإدخال المساعدات الى قطاع غزة، والحرب الهمجية في الضفة الغربية، تفضّل هذه الجهات الابتعاد عن الآني (حرب الإبادة) وطرح حلول للمستقبل البعيد. فلم يكلّفها ذلك شيئا، إلا أنها تعطي الانطباع أنها تفكّر بالشعب المظلوم وتسعى الى حلّ "مناسب" له.

من خلال هذه التصريحات، تريد الأنظمة المختلفة إقناع شعوبها التي تخرج بالمظاهرات والمسيرات نحو "الحدود" (الأردن) مطالبة بوقف المذبحة وإدخال المساعدات، بأنها تعمل أيضا للقضية الفلسطينية، لكن ب"الديبلوماسية" وليس ب"العنف". وعندما تعلن الجماهير الخارجة في المسيرات عن دعمها للمقاومة، التي تعاديها هذه الأنظمة (في الأردن والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في فلسطين)، ينهال عليها الضرب ويتم اعتقال العشرات (الأردن)، بتهمة أنها تجاوزت الخطاب المسموح.

لم تكتف هذه الأنظمة التي تصدّر التصريحات حول الحلول المرتقبة بقمع جماهيرها، بل تواصل التعامل مع القيادة الصهيونية المتهمة دوليا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إضافة الى مواصلة التطبيع بين بعض الأنظمة العربية وكيان العدو (مناورات عسكرية جوية قبل إيام في اليونان مع جيش الكيان)، أشارت الصحافة الفرنسية الى أن فرنسا ارتكبت مخالفة عندما لم تعترض عبور رئيس وزراء الكيان الصهيوني المجال الجوي الفرنسي في طريقه الى الولايات المتحدة قبل أيام، رغم إدانته دوليا، وتلاحق المناضلين في محاكمها وتطرد الطلاب من جامعاتها، وما زالت ترفض رسميا حملات المقاطعة للبضائع والشركات "الإسرائيلية" وتتهمها بمعاداة السامية. بالمقابل، يتساهل القضاء مع الحركات الصهيونية التي تهدّد المناضلين المناهضين للصهيونية بنشر صورهم، للتأثير على عملهم المهني والاجتماعي.

خلال السنوات الماضية، تم صياغة مصطلح يعبّر عن التصريحات الكاذبة والفارغة والمضلّلة، التي باتت تنتمي الى "زمن ما بعد الحقيقة"، أي أنه لا أهمية لها ولا يجب التوقف عندها، لأنها تصدر لغايات أخرى، غير التي من المفترض أن تعبّر عنه. بدلا من العمل من أجل وقف المذابح في زمن حرب الإبادة، تصدر تصريحات في "زمن ما بعد الحقيقة" للتضليل وتوجيه الجماهير نحو أفق مسدود.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/214728