/مقالات/ عرض الخبر

المخططات "الإسرائيلية" الأميركية للمنطقة ليست قدرًا..

2025/03/10 الساعة 11:57 ص

أسماء بزيع*

تحاول "إسرائيل"، برعاية أميركيةٍ مطلقة، أن تقنعنا بأن مشاريعها التوسعية، واستراتيجياتها الاستيطانية، وخرائطها السياسية المرسومة بمداد القوة والابتزاز، هي قَدَرٌ لا مفرّ منه، ومسارٌ لا يُمكن الفكاك من براثنه، وأنّه قد كُتب على شعوبنا أن تنحني أمامه دون مقاومة، وأن تبتلع الطُعم المُر دون أن تجاهر بالغضب أو تلوّح بالرفض. لكن الحقيقة، التي تحاول آلة الدعاية المضلّلة طمسها، هي أن هذه المشاريع ليست قدَرًا منزلاً، ولا حتمية تاريخية، بل هي مخططات تُرسم بالحبر السياسي القابل للمحو، متى ما قررت الشعوب أن تُمسك بممحاة الإرادة والصمود.

على مدار العقود، لم تترك "إسرائيل" وحلفاؤها سبيلًا إلا سلكوه لتفكيك المنطقة، وإعادة تشكيلها وفق مقاسات مشروعهم الاستعماري. عبر تفكيك بُنيتها الاجتماعية والاقتصادية، ووفق خرائط تخدم مشروعها التوسعي، وتجعل منها الكيان المهيمن بلا منازع. من وعد بلفور، الذي زرع بذرة الخديعة في قلب الأمة، إلى نكبة 1948، التي خُيل للصهاينة أنها نهاية التاريخ، إلى هزائم الأنظمة التي باعت إرادة شعوبها، إلى "صفقة القرن" التي حاولت تصفية القضية الفلسطينية، إلى صفقات الاستسلام المغلّفة بشعارات "السلام"، وإلى المحاولات المستمرة لجعل التطبيع أمرًا مألوفًا، بل قدرًا محتومًا.

دائمًا ما كانت واشنطن و"تل أبيب" تعملان على فرض معادلة جديدة، حيث يتحول المحتل إلى شريك، والضحية إلى متهم يُطالَب بتقديم التنازلات. لكن، هل نجحت هذه المخططات في تحقيق أهدافها؟

لا شك أن ميزان القوى يميل لصالح من يملك القوة العسكرية والإعلامية والاقتصادية، لكن التاريخ علمنا أن الشعوب التي ترفض الذل لا تُهزم، حتى لو كانت بلا سلاح، وأن المشاريع الاستعمارية مهما بدت متماسكة، فإنها تحمل في طياتها بذور فنائها. فمَن كان يظن أن الاحتلال الأميركي للعراق سيهتز تحت ضربات المقاومة؟ ومن كان يتخيل أن غزة المحاصرة ستقف في وجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة، وتفرض على الاحتلال معادلات جديدة؟

لذا فإنّ المخططات "الإسرائيلية" الأميركية ليست قدَرًا، لأنّ القدر تكتبه إرادة الشعوب، لا أسلحة المحتل! ولأن الشعوب التي عرفت طريق الرفض، وذاقت طعم الحرية، لن تعود إلى زمن الإذعان.  قد تُفرض التوازنات، وقد تتغير معادلات القوة، لكن لا جيش الاحتلال، ولا أسلحته المتطورة، ولا تحالفاته المشبوهة، ولا الدعم الأميركي اللامحدود، قادرٌ على تغيير حقيقة أن هذا الكيان غريبٌ عن الأرض التي يدّعي ملكيتها، وأنه مهما زُرعت له جذورٌ بالقوة، فإنها ستظل هشة أمام عواصف المقاومة.

وما يجري اليوم من تحولات كبرى، من صحوة الوعي الفلسطيني الذي أسقط وهم "التعايش"، إلى تصاعد قوى المقاومة التي باتت تفرض شروطها، كلها دلائل على أن المشروع الصهيوني، مهما امتلك من دعم، ليس محصنًا ضد الهزيمة، وأن الهيمنة الأميركية على المنطقة، مهما بدت راسخة، ليست سوى وهم يتآكل مع الزمن.

إن أخطر ما تحاول "إسرائيل" والولايات المتحدة ترسيخه، ليس احتلال الأرض فقط، بل احتلال الوعي، وزرع فكرة الاستسلام في العقول، بحيث يصبح الاعتراض ضربًا من العبث، والمواجهة خيارًا مستحيلًا. لكن الحقيقة التي أثبتها التاريخ هي أن الشعوب لا تُهزم إلا إذا قررت أن تهزم نفسها، وأن المشاريع الاستعمارية مهما بدت محكمة، فهي تنهار أمام إرادة الشعوب التي تؤمن بأن الحق لا يموت، حتى لو طالت غيبته.

ليس المطلوب معجزة لإسقاط هذه المخططات، بل وعيٌ يُدرك أن الاحتلال لا يصبح شرعيًا بالتقادم، وأن التفوق العسكري لا يعني الانتصار النهائي، وأن من يملك الإرادة، يملك القدرة على تغيير المعادلات، مهما بدت الكفة غير متوازنة. إن الصراع ليس بين دولة قوية وأخرى ضعيفة، بل بين مشروع إحلالي استيطاني، وشعوب ترفض أن تُمحى من التاريخ.

قد تحاول واشنطن و"تل أبيب" رسم مستقبل المنطقة بأقلام المصالح والهيمنة، لكن الشعوب وحدها هي التي تملك حق التوقيع على الصفحة الأخيرة من التاريخ، وحين يحين ذلك اليوم، ستكون الكلمة الفصل لأولئك الذين لم يرضوا بأن يكونوا وقودًا في آلة الطغيان، بل قرروا أن يكونوا كُتّاب مستقبلهم، بأحرف من نضال وصمود. *(وكالة القدس للأنباء)

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/213573

اقرأ أيضا