وكالة القدس للأنباء - متابعة
يبدو أن العملية الأمنية “المثيرة للجدل” التي تشنها أجهزة أمن سلطة رام الله على مدينة جنين ومخيمها في شمالي الضفة الغربية المحتلة، لم تجد الكثير من الرضى والاستحسان من قبل دول عربية تُصنف من أشد الداعمين للسلطة وبقائها.
ورغم حديث السلطة المتكرر عن تحقيقها “إنجازات كبيرة” من عمليتها الأمنية التي قاربت على دخولها الأسبوع الثالث على التوالي، إلا أن تلك النتائج لم ترقَ لتلك الدول العربية، خاصة في ظل موجه الغضب الفلسطينية التي تتصاعد يومًا بعد يوم ضد العملية، وما صاحبها من تجاوزات وارتفاع أعداد القتلى والمصابين وتجاوز عناصر أجهزة الأمن الخطوط الحمر.
تصاعد الاحداث في الضفة الغربية والتوتر الذي صاحب العملية الأمنية في جنين ومخيمها، دفع تلك الدول إلى إرسال رسالة صُنفت بأنها “خاصة جدًا” وصلت لمكتب محمود عباس، قبل أيام قليلة، حذرته فيها من تصاعد التوتر ووصولها لمنطقة خطيرة يصعب تجاوزها.
وركزت الرسالة على أن السلطة الفلسطينية في ظل تصاعد الانتقادات والرفض الشعبي لحملتها الأمنية وحالة التمرد التي تصاحبها، قد يهدد فعليًا بوجودها على الأرض، وقد يساهم لحد كبير في إضعافها وحتى سقوطها أمام هذا الغضب الشعبي حال تطورت الأوضاع نحو المرحلة الأشد خطورة.
وطالبت الرسالة السلطة لاتخاذ خطوات “عملية وجادة وسريعة” من أجل تطويق التوتر الحاصل ومحاولة إعادة السيطرة على المناطق التي تُسيطر عليها السلطة بالضفة، وفتح باب الحوار الوطني أمام الجميع لتحقيق أهداف الحملة الأمنية لكن دون إراقة دماء فلسطينية جديدة.
البعض رأى أن هذه الرسالة عبارة عن “تهديد مُبطن” للسلطة من قبل تلك الدول العربية، في حين رأى آخرون بأنها “رسالة تحذير” أكثر من انها رسالة “نُصح”، بأن مصير السلطة قد يكون في المرحلة المقبلة أشد خطورة ومستقبلها غامض في ظل حالة الغضب والاحتقان الفلسطينية الكبيرة، ضد ممارسات أجهزتها الأمنية منذ سنوات طويلة، وتفجرت خلال الحملة الأمنية “المثيرة للجدل” المستمرة ضد جنين ومخيمها.
ورغم أن السلطة الفلسطينية ترفض كل نداءات الحوار التي تطلق في الضفة لإنهاء حملتها الأمنية التي أطلقت عليها اسم “حماية وطن”، إلا أن لغة الميدان تؤكد فشلها حتى هذه اللحظة في اختراق جنين وتحقيق أهداف حملتها الأمنية، كما فشل من قبل الجيش "الإسرائيلي" على مدار سنوات طويلة، وبقيت المدينة ومخيمها عنوانًا للمقاومة والصمود يرفض الكسر.
وتدور منذ الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي معارك عنيفة في المخيم بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية و”كتيبة جنين” التي تسيطر على المخيم وتتألف من مسلحين ينتمون الى فصائل فلسطينية مختلفة، ما تسبّب بمقتل 14 شخصا بينهم 6 عناصر من الأمن الفلسطيني وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي و6 مدنيين آخرين وقيادي من كتيبة جنين.
وبدأت الأحداث، عقب اعتقال الأجهزة الأمنية قياديا ميدانيا من كتيبة جنين بتهمة حيازة أسلحة وأموال، أعقبه قيام مسلحين بمصادرة مركبتين تابعتين للسلطة، وعلى الأثر، بدأت الأجهزة الأمنية عملية عسكرية تحت شعار “حماية الوطن”، فحاصرت المخيم بعدد كبير من الآليات والعناصر. واندلعت المواجهات بين الطرفين ولا تزال مستمرة حتى اللحظة.
وتتمسّك السلطة بإنهاء “الحالة المسلّحة” في مخيم جنين، سعيا “للتكيّف” مع قيادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وإظهار قدرتها على السيطرة على قطاع غزة بعد توقّف الحرب، وفق محلّلين.
ويقول مسؤول في السلطة فضّل عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس إن “الرئيس محمود عباس يرفض بشكل قاطع أي وساطة… ويشدّد على أن يسلّم هؤلاء (المسلّحون) أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية".
ويرى محلّلون أن القيادة الفلسطينية تسعى إلى “التكيّف” المستقبلي مع قيادة ترامب من خلال سيطرتها على المخيم الذي يعتبر من أكثر المخيمات تسليحا، وإظهار قدرتها على الإمساك بزمام الأمور في قطاع غزة بعد نهاية الحرب "الإسرائيلية" المستمرة منذ 15 شهرًا.
ويقول المحلّل السياسي خليل شاهين، إن ما يحدث في جنين هو بروفا حاسمة تحاول السلطة من خلالها فرض سيطرتها وفرض الأمن في جنين ومنطقتها، ومن الممكن أن تنتقل الى مناطق أخرى، مضيفًا أن السلطة تدرك تماما أنها أمام إختبار وتحاول أن تنحني أمام العاصفة في ظل الهجمات "الاسرائيلية" والتغييرات التي حصلت في المنطقة، وتستعد لدخول مرحلة ترامب.
واتهمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي السلطة الفلسطينية بخدمة أهداف إسرائيل. ويخشى كثيرون من توسّع النزاع الفلسطيني-الفلسطيني.
وأمام هذا المشهد.. هل الرسالة العربية كانت إنذار أخير قبل السقوط؟ وهل هي تخلي صريح عن السلطة؟ ولماذا يصر عباس على موقفه ويرفض الحوار لإنهاء أزمة جنين؟