وكالة القدس للأنباء - متابعة
تعود مظاهر الحياة البدائية إلى قطاع غزة؛ فبعد منْع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الدقيق إلى القطاع وتوقُّف معظم المخابز عن العمل، لجأ الغزيون إلى طحن البقوليات وحبوب الطيور والحيوانات، ومن ثم عجنها وخبزها على أفران الطين والحطب.
وفي شرق خانيونس، جنوب القطاع، تقف أم أنس البطران (45 عاماً) أمام مطحنة القمح، منتظرة دورها لطحن ما حملته من بقوليات، كما يظهر من الكيس الذي تمسك به. وتقول، لـ"الأخبار"، إن جوع أبنائها دفعها إلى طحن الفاصولياء والأرزّ والعدس لاستخدامها كبديل من الطحين. وتوضح أن إعداد الخبز بالدقيق الجديد ليس سهلاً، إذ يحتاج إلى إضافات كي يتماسك، لكن "طعمه مقبول نوعاً ما". وكذلك الأمر بالنسبة إلى أبو محمد، الذي أحضر أرزّاً وعدساً من أجل طحنهما وصنع الخبز منهما.
ويعاني سكان غزة أزمةً شديدة لجهة الحصول على الطحين، إثر توقّف "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين"، منذ عدة أشهر، عن توزيع الدقيق على السكان، ليصبح ثمن 25 كيلوغراماً من الدقيق نحو 1000 شيكل، بعدما كان 45 شيكلاً.
ونظراً إلى ما يعانيه الغزّيون على هذا المستوى، أعادت بلدية عبسان الكبيرة شرق خانيونس، تشغيل مطحنة القمح الخاصة بها، حيث تقول مشرفة المطحنة، إيمان أبو حسن، إن الخطوة تهدف إلى "مساعدة المواطنين في مواجهة أزمة الطحين على استمرارية الحياة". وتضيف، في حديث إلى "الأخبار"، أن "المواطن يحضر ما توفّر لديه من بقوليات، كالفاصولياء والعدس والأرز وأحياناً حبوب الطيور والحيوانات لطحنها وخبزها لسد رمق أطفاله الجياع". وتلفت إلى أن أبرز ما يعيق عمل المطحنة، عدم توفّر الوقود بشكل دائم، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرّر.
ولا تتوقّف أزمة الغزّيين عند الطحين، إذ تترافق مع محدودية المخابز التي سمح الاحتلال لها بالعمل، وهو ما يضطرّهم إلى الاصطفاف في طوابير ممتدّة تصل إلى ساعات طويلة، أملاً بالحصول على رغيف خبز، ما دفع الكثيرين منهم إلى بناء أفران الطين للتخفيف من حدّة الأزمة. وتقول أم صالح شاهين (44 عاماً) إنها لجأت إلى الخبز على فرن الطين "كي لا أقف في طوابير الموت، سواء بسبب التزاحم وتكدّس المواطنين، أو خشية من استهداف الاحتلال الإسرائيلي لتلك الطوابير".
وتضيف، في حديث إلى "الأخبار": "عدنا إلى الحياة البدائية، وإلى أسوأ منها، وخاصة أنّنا اعتدنا على التكنولوجيا في مهامنا وأعمالنا"، معربة عن أملها بانتهاء الحرب والعودة إلى الحياة الطبيعية. وتوافقها الرأي أم رائد أبو حجر (39 عاماً)، التي وصلت لتوّها من فرن أبو نحل وهي تضع فرش الخبز على رأسها؛ إذ تقول، لـ"الأخبار": "نزحت وعائلتي من مدينة بيت لاهيا، شمال غزة، وتركت خلفي كل شيء، فاضطررت إلى الحضور إلى الفرن لخبز الأرغفة التي أعددتها في المنزل".
أما عبد الله الزهيري (16 عاماً)، فقد أحضر عجينه للخبز على فرن الطين بدلاً من شراء الخبز الجاهز "لأن المخبز بعيد جداً عنّا، وإن أردت الذهاب فسأعود بعد ساعات بأرغفة قليلة لا تكفي 20 شخصاً ينتظرون في البيت، فضلاً عن أن البعض يبيعها هنا بأسعار مرتفعة ليس لدينا القدرة على تحمّلها".
ويوضح سعيد أبو وردة (28 عاماً)، بدوره، أنه أعدّ بنفسه فرناً من الطين في سوق الشيخ رضوان لمساعدة الناس في خبز أرغفتها التي أعدّتها في المنزل، إثر توقف معظم المخابز عن العمل. ويوضح أن فكرة الفرن تقوم على بناء بيت النار ومن فوقه بلاطة من الاسمنت، ومن ثم سور صغير مبنيّ من الطين حتى السقف.
ويؤكد الفران أسامة أبو نحل (50 عاماً)، من جهته، أنه لجأ إلى هذه المهنة للحصول على مصدر رزق لعائلته، وتخفيف صعوبات الخبز والمخابز على الناس. ويقول، لـ"الأخبار"، إن أبرز الصعوبات التي تواجهه: "قلّة الخشب وارتفاع سعره، بحيث يصل الكيلو منه إلى 3 شواكل، ما يؤدي تالياً إلى ارتفاع سعر الخبز لدى المواطن"، مطالباً المؤسسات الدولية بالعمل على وقف الحرب وإدخال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني المحروم من مصادر الحياة في القطاع.