وكالة القدس للأنباء - متابعة
ما زالت المحافل الأمنية والعسكرية لدى الاحتلال تعلن ترحيبها بالعملية الميدانية التي تنفذها أجهزة أمن سلطة رام الله ضد المقاومة في مخيم جنين، بزعم أنها أدركت أن أحداث سوريا الأخيرة قد تنعكس بشكل خطير على وضعها الأمني في الضفة الغربية، ما دفع عبّاس شخصياً لإصدار تعليماته بتنفيذ تلك العملية واسعة النطاق ضد المقاومة، ما يضع مستقبل السلطة أمام اختبارٍ وجوديٍّ.
وكشفت صحيفة (هآرتس) العبريّة عن مصادر مطلعة جدًا في جيش الاحتلال النقاب عن أنّ المجلس الوزاري الأمنيّ-السياسيّ المُصغّر أصدر أوامره لجيش الاحتلال بتقوية التنسيق الأمنيّ مع الأجهزة الأمنيّة التابعة لسلطة محمود عبّاس في رام الله، لافتةً في الوقت عينه أنّ الكيان سيقوم بتزويد سلطة عبّاس بعتادٍ ومعداتٍ عسكريّةٍ بهدف زيادة قوّة الأجهزة في حربها ضدّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة، بما في ذلك أجهزة حديثة لإبطال العبوات الناسفة.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدّت المصادر على أنّ المعونات العسكريّة للسلطة في رام الله ستصل من تنظيماتٍ دوليّةٍ والتي سيتّم السماح لها بتدريب عناصر الأجهزة الأمنيّة، كما أنّ التنسيق الأمنيّ بين الطرفيْن الإسرائيليّ والفلسطينيّ سيزداد بوتيرةٍ عاليةٍ، واعتبرت المصادر أنّ تقوية الأجهزة الفلسطينيّة سيستمّر طالما لا يُشكِّل خطرًا على مقاتلي جيش الاحتلال وعلى المستوطنين في الضفّة الغربيّة المحتلة، على حدّ تعبيرها.
في السياق، أكّد أمير بار شالوم، المحلل العسكري لموقع (زمان إسرائيل) ولإذاعة جيش الاحتلال، أنّ “مخيم اللاجئين في جنين يشهد منذ أكثر من أسبوعين عملية مكثفة مصحوبة بإطلاق نار وعبوات ناسفة، حيث تقاتل قوات الأمن الفلسطينية خلايا مسلحة سيطرت على المخيم منذ عقد من الزمن، ويتخلل هذه العملية اقتحام المخيم بمركبات مدرعة، والاستيلاء على مواقع السيطرة، ونشر القناصة، وتفتيش المنازل، ويبقى السؤال الإسرائيلي ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستنجح هذه المرة في فرض سيطرتها”.
ونقل في تقرير عن الجنرال ألون أفيتار، المستشار الأمني السابق للشؤون الفلسطينية قوله، إنّه “لن يذهب في تعريفه لهذه العملية بأنّها إستراتيجيّة، لكنّها في ذات الوقت غير عادية”.
وأضاف الجنرال، أنّ “السؤال الرئيسيّ بالنسبة لعبّاس هو ليس فقط نجاحها، بل ما إذا كانت ستتحقق الاستمرارية بمناطق أخرى من الضفة مثل طولكرم وطوباس، لأنّ تنامي عمل المسلحين في مخيمات شمال الضفة الغربية يشكل تحديًا للسلطة ورئيسها الذي يسير على الجليد الرقيق”.
كما نقل عن “باراك رافيد المراسل السياسي لموقع (WALLA) الإخباريّ-العبريّ قوله، إنّ بعض قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية عارضوا تلك العملية المكثفة في مخيم جنين، ما دفع رئيس سلطة رام الله عبّاس للتهديد بإقالتهم، لأنّه يعتقد أنّ فشله أمام خمسين مسلحًا في جنين، يعني بداية الدعوة لتنفيذ انقلاب ضده”، طبقًا لأقواله.
وتابع رافيد، “هنا يكمن التخوف الإسرائيليّ، ليس من انهيار السلطة الفلسطينيّة، بل من عمليةٍ استعراضيّةٍ تنفذها الخلايا المسلحة تنجح فيها بالسيطرة على أحد رموز حكم السلطة ذاتها، وهو حدث قد يكون له تبعات خطيرة للغاية”.
وأكّد بار شالوم أنه “ليس من قبيل الصدفة أنْ تُطلِق السلطة الفلسطينية على المسلحين مسميات وكلاء إيران وداعش، بهدف تبرير إطلاق النار عليهم".
وأردف، “أنّه يصعب فصل هذا العملية النادرة عن الأحداث الإقليمية، والسقوط السريع للنظام في سوريّة، لأنّه في كثير من النواحي، هناك أوجه تشابه بين وضع السلطة الفلسطينيّة ونظام الأسد، فهي تحكم منذ ثلاثة عقود دون انتخاباتٍ، ويعتبرها الفلسطينيون فاسدة، وبلا شرعية بينهم، ومن وجهة نظر جيل الشباب الفلسطينيين، فإنها ليست عنوانًا وطنيًا مشروعًا”.
وأشار الخبير العسكريّ الإسرائيليّ إلى أنّ “النفي الإسرائيليّ عن مساعدة السلطة الفلسطينيّة في هذه العملية لا يصمد طويلاً، لأنّ الافتراض السائد بدرجةٍ عاليةٍ أنْ تكون هذه العملية منسقة مسبقًا بين الجانبين، فضلاً عن كون الأمريكيين في قلبها، بما فيها الخطط التفصيليّة التي عُرضت عليهم، ومتطلبات التسليح التي على إسرائيل الموافقة عليها، رغم أنّها لم ترد حتى الآن، موافقة أوْ رفضًا، لكن العملية توضح مدى التعقيد السياسي الذي يواجهه الاحتلال”.
وخلُص المُحلِّل العسكريّ الإسرائيليّ، الذي اعتمد بطبيعة الحال على محافل أمنيّةٍ واسعة الاطلاع في تل أبيب، خلُص إلى القول إنّه “بالرغم من أنّ نتنياهو يعتبر نقل الأسلحة للسلطة خطًا أحمر أكثر من تسليمها أموال المقاصة، فإنّ واشنطن تطالبه بأنْ يقرر ما إذا كان سيستجيب لهم، ويمنح السلطة جرعة الطاقة من الأسلحة في ظلّ حالتها الهشة، أمْ أنّه سيتجاهلها لاعتباراتٍ حزبيّةٍ، ويخاطر بالمزيد من المناشدات للسلطة، رغم أنّ انهيارها يمثل للاحتلال سيناريو رعب، مع العلم أنّ بعض اليمين الإسرائيليّ يرى فيه تحقيقًا لرؤيةٍ سياسيّةٍ متطرفةٍ”.
وقالت حركة (حماس) في بيانٍ رسميٍّ: “إنّ استمرار العملية الأمنيّة لأجهزة السلطة الفلسطينيّة في مخيم جنين، لليوم الثامن على التوالي، جريمة مكتملة الأركان وتتطلب مواصلة النفير لكسر الحصار وحماية المقاومين.”
ودعت (حماس) الحراكات والفصائل والتجمعات العشائرية والحقوقية كافة إلى الحشد بشكلٍ كبيرٍ لصدّ هذه العملية الأمنية، التي لا تخدم إلّا جيش الاحتلال وأحلامه الخائبة في إنهاء المقاومة في الضفة الغربيّة، وفق البيان، الذي اعتبرته صحيفة (معاريف) العبريّة بمثابة إعلان حربٍ من (حماس) على سلطة رام الله.