وكالة القدس للأنباء - متابعة
تعيش مدينة جنين ومخيمها، منذ أيام، على صفيح ساخن، في ظل تصاعد الاشتباكات المسلحة العنيفة بين المقاومين وعناصر الأجهزة الأمنية "الفلسطينية". وتشي تلك المواجهات بمنحى بالغ الخطورة إذا لم يتمّ احتواؤها، في ظل تهديد السلطة باقتحام المخيم وملاحقة كل المقاومين هناك، وتعهّد الأخيرين، في المقابل، بالدفاع عن أنفسهم وعن جنين. وشهد اليوم الخامس من الاشتباكات تطوّرات استثنائية، أبرزها انفجار مركبة وسط المدينة، ما أدى إلى إصابة عدد من العناصر الأمنيين، وإطلاق الأجهزة الأمنية، في المقابل، النار على شاب واعتقاله، بعد إصابته بجروح خطيرة للغاية، وفق ما وثّقته الكاميرات.
وجاء ذلك في وقت واصلت فيه قوات السلطة حصار مخيم جنين، حيث أفادت مصادر محلية بأن أمن "سلطة رام الله" عزّز قواته داخل المخيم، ونشر المدرّعات المصفّحة في طرقاته، والقناصة على أسطح منازله، في ما يعيد إلى الأذهان ممارسات جيش العدو لدى اقتحاماته للمنطقة. وأضافت المصادر أن قوات الأمن أطلقت النار بكثافة وعشوائية، ما أثار حالة من الذعر في صفوف المواطنين. كما أُطلقت صافرات الإنذار داخل المخيم لتحذير المقاومين من الاقتحام، قبل أن تندلع اشتباكات بالأسلحة النارية، ويُسمع دوي تفجيرات ناتجة من عبوات ناسفة محلية الصنع، استخدمها المقاومون في محاولة لصدّ تقدم العناصر الأمنيين.
وتُعدّ تلك التطورات فصلاً جديداً من مسلسل تعيشه مدينة جنين ومخيمها منذ 5 أيام، بعدما تفجّرت الأوضاع في أعقاب اعتقال الأجهزة الأمنية مجموعة من عناصر «كتيبة جنين»، ومصادرة أموال خاصة للمقاومين، ليردّ هؤلاء بالسيطرة على مركبات حكومية في المدينة ونقلها إلى المخيم. وأدّت المواجهات بين الطرفين إلى اشتعال حريق كبير في قسم الطوارئ في مستشفى جنين الحكومي، واحتراق قسم الأوكسيجين مساء السبت، جنباً إلى جنب إصابة العديد من الشبان وعناصر الأجهزة الأمنية، وهو ما دفع بالأطباء في المستشفى الملاصق للمخيم إلى رفض التوجه إلى عملهم ابتداءً من اليوم، وحتى "عودة المستشفى مكاناً آمناً للعمل".
ورغم المناشدات والدعوات لاحتواء التصعيد الأخير، يبدو أنّ الأجهزة الأمنية مصمّمة على «حسم المواجهة»، ما قد يعقّد إمكانية التوصل إلى حلول.
وفي هذا السياق، تفيد مصادر محلية بأن اتفاقاً كان قد تبلور مساء الأحد لاحتواء الأوضاع، قبل أن يتفاجأ أهالي المخيم، صباح الإثنين، بتعزيزات عسكرية للأجهزة الأمنية التي عمدت إلى اقتحام المخيم بأعداد كبيرة. وتعقيباً على ذلك، قال الناطق باسم المؤسسة الأمنية، العميد أنور رجب، إنّ «عدداً من المواطنين وعناصر الأمن أصيبوا، جراء تفجير خارجين على القانون - وهو اللقب الذي يطلقه رجب على المقاومين، لتبرير استمرار الإجراءت الأمنية في جنين وتوسيعها - مركبة في جنين» أمس، مضيفاً أنه «لا تراجع عن فرض القانون والنظام واعتقال كل الخارجين على القانون وتجفيف مواردهم وقطع قنوات الدعم المالي المشبوه عنهم»، متابعاً أنه «سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وتقديمهم إلى القضاء الفلسطيني ومحاسبتهم".
وعلى الرغم من أنّ المقاومين يزرعون عبوات ناسفة بهدف التصدي لقوات الاحتلال "الإسرائيلي" خلال اقتحامها لمدينة جنين ومخيمها، إلا أن رجب ادعى بأن «هذه المجموعات، وتحت عناوين مضلّلة، تقوم بزرع عبوات في الشوارع العامة وبجانب المدارس والمستشفيات، وهو ما عرّض حياة المواطنين للخطر أكثر من مرة»، زاعماً أن الأجهزة الأمنية تتلقى مناشدات متكررة من المواطنين لإزالة هذه العبوات، علماً أنه خلال الأشهر الماضية، دأبت الأجهزة الأمنية الفلسطينية على تفكيك عبوات ناسفة محلية الصنع في طوباس، وجنين، وطولكرم، ونابلس.
وعلى الضفة المقابلة، اتهمت «كتيبة جنين»، السبت، الأجهزة الأمنية بمحاولة اغتيال أحد عناصر المقاومة، وقالت «إن السلطة أصابته ولاحقته حتى المستشفى الحكومي، وحاصرته ثم اعتقلته»، مؤكدةً أنّ «الأجهزة تغرّد خارج السرب والصف الوطني».
كما اتهمت الكتيبة قوات الأمن بإطلاق النار على الأهالي في مخيم جنين واقتحام مستشفى ابن سينا في المدينة، واختطاف أحد الجرحى، مطالبة بوقف ما سمّته «عدوان الأجهزة الأمنية على أبناء الشعب» وردع ممارساتها.
وكانت الكتيبة توجّهت برسالة إلى أهالي جنين، الجمعة، جاء فيها: "إننا خرجنا ونهضنا من تحت أنقاض ما دمّره الاحتلال، ومن بين دماء وتضحيات إخواننا الشهداء، ولأجل ذلك نناشدكم من باب حرصنا على أمنكم وسلامتكم، ونخاطب وعيكم وخوفكم ألا نقع وإياكم في شباك المحظور الذي يرسمه لنا القريب والبعيد"، محذّرة من وجود «مخطط يحاك ضدها على أيدي بعض قادة الأجهزة». وزادت: "نهيب بكم أنه ومنذ صباح السبت، أن لا تقتربوا من منطقة المقاطعة وما يحيطها من محالّ ومؤسسات ودوائر حكومية وأهلية لضمان سلامتكم، وأن تكونوا بعيدين عن مناطق الاشتباك والاحتكاك، فإن ما يصل إلينا من رسائل وتسريبات يكشف نوايا وأحقاد بعض المتنفّذين داخل أجهزة الأمن، والذين يتعاملون بحقد وبناءً على حسابات شخصية، ما يجبرنا على أن نكون على قدر المسؤولية والحيطة بالتعامل والاستعداد لأي مخطط قادم أو تصرف غبي قد يوصل الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه".
بدورها، نعت حركة «حماس»، أمس، الشهيد الشاب، ربحي الشلبي، الذي ارتقى برصاص أجهزة السلطة، داعية كل الفصائل إلى اتخاذ موقف حاسم في مواجهة ما تقوم به تلك الأجهزة من اعتداءات «ضد أبناء شعبنا ومقاومينا». كما دعت قيادة السلطة إلى وقف ملاحقة المقاومين وإطلاق سراح المعتقلين في سجونها، «وتصحيح البوصلة» في اتجاه تحقيق الوحدة.