أسماء بزيع*
لم يكن بنيامين نتنياهو سوى عنوانًا بارزًا للأزمة المركبة والعميقة التي تعصف بالكيان الصهيوني المحتل. فقد أظهر العدوان "الإسرائيلي" الغاشم على غزة، والذي يقوده نتنياهو بصفته زعيمًا لحكومة منغمسَة في التطرف، مدى التصدعات العميقة والأخطر من نوعها التي يعيشها كيانه، وهذه التصدعات ليست سوى مؤشر على هشاشة مشروع استند منذ تأسيسه إلى وهم "الدولة القومية" بوجهها الاستعماري الاستيطاني، والمشحون بطابع ديني وعنصري.
فبعد أن ربط بن غوريون (مؤسس وهم "إسرائيل") وجودها بالهجرة الواسعة إليها، أقبل طوفان الهجرة العكسية في عهد نتنياهو مهددًا بقاءها، وذلك في ضوء الهزيمتين الاستراتيجية والتكتيكية لجيش الاحتلال في غزة، والتي لم تلحق بنتنياهو شخصيًا بل بالمشروع نفسه… على غرار ما حدث بعد حرب أكتوبر 1973.
وفي خضم هذا المشهد المضطرب، تحوّلت سهام النقد، من الداخل والخارج، نحوه، باعتباره رأس الحربة كعامل كسر للوحدة خلال الحرب وفشل ذريع في تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية.
ورغمًا عن عوامل التآكل الداخلي التي كانت تنهش في المشروع "الإسرائيلي"، إلا أنه لم يواجه اختبارًا وجوديًا بحجم "طوفان الأقصى". فقد كانت الحروب الخاطفة والحاسمة التي اعتمدتها "إسرائيل" جزءًا جوهريًا من نظريتها الأمنية، مما عزز مكانتها وأوهام تفوقها داخليًا وخارجيًا، لكن انهيار هذه النظرية بفعل صدمة 7 أكتوبر/ تشرين الأول، واستمرار الحرب على غزة لأكثر من سنة دون تحقيق أهداف ملموسة، كشف بوضوح عن وهن الأسس التي قامت عليها تلك السرديات، وعن الزيف الذي أُلبست به على مرّ العقود.
وفي هذا الشأن تحدثت مصادر "إسرائيلية" رسمية وتقديرات لباحثين مصريين عن مغادرة نحو مليون يهودي خارج الكيان بعد عملية 7 أكتوبر الماضي، كما كشفته صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية إضافةً لتقارير وتحقيقات عدة تناولتها وسائل إعلام عبرية وأخرى عربية وغربية، في ضوء زيادة التهديدات واستمرار الحرب على القطاع وانخفاض مستوى المعيشة وتفاقم حدة الانقسام الداخليّ، والتي تسببت في إحداث موجات من القلق والتشاؤم وارتفاع حالات الخوف من المستقبل. فلم يعد المشروع بنفس الجاذبية التي عهدها لجذب مهاجرين جدد، بل على العكس، ازدادت معدلات الهجرة العكسية لتضعه تحت ضغوط وجودية.
لقد جاء "طوفان الأقصى" في وقت كان فيه الكيان الغاصب في حالة من الهشاشة البالغة، وفاقم الأزمة وزاد من اتساع الهوة بين مكوناته، وفي ظل الهزيمة الإستراتيجية الماثلة، تصدعت صورة "إسرائيل" عسكريًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، فلاذ الكثير بجنسياتهم وجوازاتهم الأصلية وما تبقى من ماء وجوههم، وينتظر أن تتزايد نسبة الراغبين في ترك "المشروع الإسرائيلي"، وأن تتصاعد الهجرة العكسية، وهو ما سيؤدي إلى أزمة ديمغرافية وتآكل المجتمع لديهم وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل حكومة الاحتلال قادرة على وقف هذه الموجة من الهجرة في ظلّ استمرار العدزان على غزة والحرب على لبنان، مع احتمال نشوب حربٍ إقليميّةٍ قد تحرق الأخضر واليابس، خصوصًا بعد اشتعال الجبهة الأخيرة؟
*وكالة القدس للأنباء