فضيحة مدوية أثارت غضبًا عارمًا ورفضًا واسعًا في الشارع المصري والعربي وثّقتها مقاطع الفيديو والصور، وذلك بعد مرور سفينة حربية "إسرائيلية" في مجرى قناة السويس المصرية، وفي وضح النهار، لترسو وتحت جنح الظلام، سفينة برتغالية ترفع العلم الألماني وتحمل مواد شديدة الانفجار لتصنيع القنابل لصالح الكيان المحتل في ميناء الإسكندرية.
فقد أظهرت بيانات ملاحية تم نشرها لاحقًا وصول السفينة "أم في كاترين" إلى ميناء الإسكندرية بمصر في الـ28 من أكتوبر (الماضي)، بعد أن كانت نقطة انطلاقها خلال رحلتها الحالية من فيتنام في الـ22 من يوليو/ تموز الماضي، وفي الوقت نفسه أظهرتها سجلات حركة المرور البحرية، ومن ثم غيرت علم البرتغال الذي كانت ترفعه إلى علم ألمانيا في الـ16 من أكتوبر الماضي بعد رفض دول ناميبيا ومالطا وأنغولا استقبالها، كموقف منهم يضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية وتاريخية حيال القضية الفلسطينية.
و"كاترين" KATHRIN هي سفينة عسكرية من طراز "ساعر 5" وتحمل وفق ما ذكرته وسائل إعلام "إسرائيلية"، صواريخ "بحر- أرض/ لورا" وصواريخ "بحر- بحر / غابرييل 5"، حيث بدأت قصتها حين أفادت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عن سماح مصر برسو سفينة تحمل شحنة متفجرات متجهة للكيان المحتل تزن نحو 150 طنًا. وهذا ما يعد كشفًا فاضحًا لتورط حكومات عربية متواطئة وتجلب العار لشعوبها في دعم الكيان الصهيوني، وأن ليست الولايات المتحدة والدول الغربية المتورط الوحيد في دعمها الكيان بالسلاح والعتاد.
وبين سخرية ونقد، في مقابل ترويج رواية النفي الرسمية والمطالبة بتحري الدقة وعدم الانجرار وراء الإشاعات، زاد توقيت الفضيحة من سخونتها، إذ تزامنت مع تصعيد عسكري "إسرائيلي" غير مسبوق في قطاع غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية لا سيما في منطقة الشمال، فضلًا عن استمرار الحرب الشعواء على لبنان.
وعلى ما يبدو أن السفينة "كاترين" قد أفرغت حمولتها، فوجدت طريقها لتغذية آلة الحرب "الإسرائيلية" في حرب الإبادة في غزة. وهذا الدعم للمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وفي اليمن والعراق وسوريا أمر مخجل لا يجلب إلّا العار للشعب وللجيش المصري، مهما تعالت أصوات المتملقين والمتخاذلين والمبررين.
فمصر القادرة على منع سفن الكيان المحتل من العبور بدون أي لوم أو قلق لأن لديها أسبابًا موضوعية تمنحها غطاء شرعيًا ودوليًا وقانونيًا وشعبيًا، ساقت بثلاث بيانات متفرقة تبريرات لمرور السفن بقناة السويس والرسو في ميناء الإسكندرية، متذرعة باتفاقية القسطنطينية. وهذا الأمر لا ينطلي على أحد! لأن مصر لم توقعها في عام 1888، لأنها كانت ولاية عثمانية تحتلها بريطانيا وهما من وقعاها، كما أنه وخلال الحرب العالمية الثانية سيطرت بريطانيا على قناة السويس ومنعت مرور سفن الدول المعادية لها، ما يعني أن لمصر حق منع السفن المعادية لأن وصولها للكيان الصهيوني يعني تهديد الأمن القومي المصري من غزة المجاورة.
فكان بإمكان القاهرة العمل على مبدأ المعاملة بالمثل لأن الكيان الصهيوني احتل محور "فيلادلفيا" بالمخالفة لملحق "اتفاقية السلام" (كامب ديفيد)، كما احتل معبر رفح بالمخالفة لاتفاقيات المعابر، وذلك بدل تذرعها بالتمسك باتفاقية أكل الدهر عليها وشرب في وجه كيان يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف والاتفاقيات والقرارات الدولية، ويخرق حتى معاهدة "السلام" معها بما فيها تفاهمات "محور فيلادلفيا" الذي سيطر عليه منذ عدة أشهر، وحاليًا يشيد منشآت عسكرية ويمدها بالكهرباء والإنترنت، ما يعني احتلالا دائم لأراضٍ مصرية. ويضاف إليها استباحة الكيان لأراضي فلسطين ولبنان، الدولتين العضوتين في الجامعة العربية، التي لها مقر في القاهرة.
وكخيار آخر كان بإمكان القاهرة استغلال الغطاء السياسي والشعبي العالمي المناهض لحركة وعبور الأسلحة "الإسرائيلية"، أوليست مصر من أعلنت عن انضمامها إلى توقيع رسالة تقدّمت بها تركيا إلى الأمم المتحدة، تهدف إلى وقف توريد الأسلحة إلى "إسرائيل"؟ ألا يتعارض هذا الفعل مع الموقف الرسمي المعلن، والموقف الشعبي المصري العارم ضد الحرب "الإسرائيلية" على القطاع المحاصر؟ ألا يتعارض أيضًا مع القرارات والمواثيق الدولية، التي تدعو جميع الدول إلى الامتناع عن توفير أي نوع من الدعم للجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية؟
السلطة المصرية التي لديها هوس وخوف أمني من أي تظاهر أو حتى اعتراض تضامنًا مع غزة، تسوق الحدث بتبرير يزيد السخرية ويقلل الثقة بين الحكومة والمواطن، بعد أن كانت قد فتحت وبشكل (معلن كان أو مخفي تم رصده وكشفه لاحقًا) قد حولت موانئها لمنافذ إمداد رئيسية للكيان المحتل خلال فترة الحرب على غزة، فكاترين ليست هي الوحيدة التي تبحر ذهابًا وإيابًا وتنقل حمولتها للجيش المحتل والغادر، فهنالك عشرات السفن الأخرى التي تنقل البضائع بين الجانبين. ويبقى السؤال هنا ما العلاقة التي تربط شركة المكتب المصري للاستشارات البحرية (EMCO) الذي استقبل سفينة "كاثرين" مع مشغّلي تلك السفينة وكيان الاحتلال "الإسرائيلي"؟
أن ما تزعمه بعض الحكومات العربية بأن تصريحاتهم وبياناتهم تندرج في مناصرة القضية الفلسطينية هو في واقع الأمر نفاق بامتياز بلغ إلى حد الغدر. وتلك الشعارات التي يتم رفعها وبيانات "وقف إطلاق للنار"، لا تنطلي هذه العنتريات الفارغة على الشعوب الحرة.
القدس والمسجد الأقصى، وفلسطين لا يمكن تحريرها بحفلة طربية، ولا ببيان قمة عربية أو إسلامية، يدين المجازر ويدعو لوقف إطلاق النار..
ان الشعب المصري مطالب اليوم بممارسة كل أشكال الضغط على الجهات المسؤولة في النظام لإغلاق نوافذ مصر وأبوابها (معابر وموانيء) أمام العدو الصهيوني، وهذا الأمي يعتبر أقل الواجب بعد أكثر من سنة على الحرب الكونية، والإبادة الجماعية، في غزة ولبنان.