هبة دهيني*
مُذ بدأت حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، وعَقِبَ امتدادها إلى لبنان، ربط العدوّ حربه العسكريّة بحربٍ على كلمة الحقّ، وعلى كلّ صوتٍ يعلو فوق صوت مذابحه، فأعلن استهدافه الوحشيّ والممنهج للصحافيين في غزة وجنوب لبنان، كان آخرها تدميرَ مقرّ الصحافيين في بلدة حاصبيا جنوب لبنان.
هذا الاستهداف أدى لاستشهاد ثلاثة صحافيين في قناتَيّ الميادين والمنار، وجرح آخرين كانت حيواتهم معرّضةً للخطرِ كذلك، هؤلاء كانوا ينقلونَ الحقيقةَ ويفضحونَ زيفَ رواية المحتلّ، ويدحضونَ أكاذيبه ويروونَ جرائمه للعالم أجمع، خافَ المحتلّ من أصواتهم فقتلهم، ولم يحترم أيّ مواثيق دولية ولا حتى قراراتٍ عالميّة في الحفاظ على سلامة حامِلي كلمة "بريس".
هذه الكلمة التي أرعبت العدوّ الذي يظنّ أن قتل الصحافي يعني قتل الكلمة وإيقاف طريق الحق وسبيل التضحيات والكفاح، هو لا يدري بأن شمس الصحافية لا يغطيها غربالُ صواريخه، وأنّ المقاومة مستمرّة في ساحتنا هذه، بالقلم والصوت وبإظهار الصورة الحقيقية التي لا يريد أن يظهرها العدو وأعوانه بروايته الزائفة.
تجاوز عدد الصحافيين الشهداء في غزة، 180 شهيدًا، هؤلاء الّذينَ رأوا أبناء بلدهم وهم يُذبحون ويُحرقون أمام أعينهم، ونقلوا أصوات مَن لا صوت لهم، وأخبروا العالم أنّ "إسرائيل" شرٌّ مطلقٌ تدعمه "أمريكا" وتتغنى به الدول العربية المطبّعة والغربُ الاستعماريّ، هؤلاء أصواتُ البلادِ التي لن تنطفئ ولو سعى المحتلّ لذلك.
لا ينتهي سعيُ المحتلّ لقتل الصحافة الحَقّة بقتل الصحافيين فحسب، ولا بتدمير أماكن تواجدهم فقط، بل بتشغيل قنواتٍ "إعلامية" لبنانية وعربية لدعم أكاذيبه ولنقل صوته ولإعطائه الحق في أن يعبّر، هذه القنوات التي تتغنى باتخاذها موقف "الحياد"، ثم وفي الوقت نفسه تنعى قتيلًا إسرائيليًّا بحُزن، وِفقًا لأجندة مموّليها.
هذا الاحتلال الإسرائيليّ الواهي الّذي يظنّ بقتله لأجسادنا أنّ أفكارنا ستهمد وتحتضر، وأنّ أصوات الحقّ ستنجلي كما يريد، هو واهٍم لا يدري بأنّ الشهيد منّا يولّد بعده ألفًا، وبأنّ الكلمة الّتي يسعى لقتلها، تُنبت مئات الكلماتِ الّتي لا تموت، بل تبقى في ذاكرتنا، وفي بلادنا التي سنبقى متشبّثينَ بها، وسنبقى ننقلُ الحقيقة بكلّ ما نملك من قدرةٍ على فعلِ ذلك، وسنبقى نناضل بكل ما لدينا، حتى نؤدّي آخر ما علينا.
*(وكالة القدس للأنباء)