/مقالات/ عرض الخبر

ألقِ عصاكَ وقاوِم

2024/10/22 الساعة 02:37 م

هبة دهيني*

لقد كانتِ العَصا سلاحَهُ الأخير وهو شامخٌ في البلاد، ألقاها وهو يعرف أنّها لن تصل إلى المسيّرة، لكنّه وجّهها من دون "أن يرمش له جفن"، ثمّ قاوَم حتّى استُشهد ولم يرفع رايةً بيضاء، بكتفَين شامخَتَين ورأسٍ مرفوع، بنظرةٍ ثاقبة وصفاءِ بصيرةٍ لم تلوّثها مياه العدوّ الآسنة، وبصورةِ الشّهيد المشتبِك المُقبِل، الثّوريّ العَنيد، المُقاوِم الثّابت، استُشهد يحيى السّنوار، وقد افتتح بشهادته طوفانًا آخر.

وجهُ الطّوفانِ وملامحُ الكفاح العَنيد، الشّاهدُ على انجراف الكيان بالعمليّات النّضاليّة، وعلى سقوط نظريّة الرّدع "الإسرائيليّة"، ارتقى بصورةٍ نموذجيّةٍ وجَبَ على التّاريخ تخليدها، مشتبكًا في ساحة المعركة، كتفًا بكتفٍ مع المجاهدين في صفوف القِتال في حيّ تل السلطان داخل مدينة رفح، حاملًا العَصا.

هذه العَصا تحديدًا، وقد شكَّلَت فعلًا واحدًا قد يبدو بسيطًا بنظر الكيان الذي توهّم أنّه رسم صورةَ نصرٍ بقتل السّنوار، ثمّ اكتشف بعد ذلك، وما زال، أنّ المقاومة تمتلك قدرةً تُعيد من خلالها ترميمَ ما ادّعى العدوّ كسرَه وتحطيمَه، وأنّ الشّهيد منّا يفتح جداولَ كثيرة تسقي المجاهدينَ لينبت مكانَ السّنوار الواحدِ الآلاف، هذا الفعلُ بالذّات، أيّ، حملُ العَصا، يعني وبشكلٍ حَرفيّ، أنّ الشّهيد أدّى كلّ ما عليه بآخر ما لديه، أيّ أنّه أعطى كلّ ما بوسعه حتّى الرّمقِ الأخير، وقاوَم بكلّ ما يملك، حتّى بأضعفِ السّلاح. 

إنّ رسالةَ القائد الشّهيد هذه، هي رسالةٌ تسعى فلسطينُ لإيصالها لنا مُذ بدء العدوان الإسرائيليّ العامَ الماضي، ونحن نبصر غزّة وهي تُذبح على خشبةٍ صهيونيّة، بدعمٍ غربيّ-عربيّ، ومشاهدُ "الرّقص على الدّماء" تتصدّرُ الدّعايات العالميّة، ونحنُ ننظر بضعفٍ إلى ما يقوم به العدوّ، من دون أن يحرّك العالمُ ساكنًا.

إنّ مشهد السّنوار الأخير وهو يحمل العَصا، هو تجسيدٌ لما قاله السيد حسن نصر الله "إن كنتَ قويًّا تفرض احترامك على العالم"، فكانَ السّنوارُ قويًّا حتّى في موته، كان شامخًا شموخَ الجبال، رغم أنّه بنظر العدوّ، في أشدّ لحظاته ضعفًا، ولكنّه كان قويًّا مقاومًا، وبشهادتهِ انتصر.

وهنا مربطُ الفَرَس، نحنُ أقوياء رغم هشاشة ما نملك، وهم ضعفاء رغم مخازن أسلحتهم الإستكباريّة، نحنُ أقوياء كعَصا السّنوار في وجه مسيّرة "إسرائيل"، وكخطاب نصرِ الله وهو يتصدّر شاشات العالم بعد استشهاده، نحنُ أقوياء كشارةِ نصرٍ تنزف بدون أصابع من تحت الرّكام في جباليا، وأقوياء كحجرٍ فلسطينيّ يُرمى على دبّابة ميركافا، وكشوكةٍ في عينِ العدوّ تنقلبُ قرنفلًا على أرض البلاد، كحنجرة السّنوار يومَ سمعَ نتنياهو أنّه سيندم على السّاعة الّتي ولدته فيها أمّه، إنّا بحقّ كلّ هذا، أقوياء.

من هنا فإنّ السّنوار فرضَ بشهادتهِ احترامَه على العالم، وقد فعل هذا كلّ قادتنا الشّهداء من قبل، لأنّهم حتى في شهادتهم كانوا أقوياء، ولأنّهم رسّخوا فينا مبدأ النّضال والصّمود حتّى آخر رمق، فلو كانت الدبابة "الإسرائيلية" على رؤوسنا، وكانت شوكةٌ لوردةٍ جوريّةٍ بالقرب من أيدينا، لحملنا الشّوكةَ وبقينا نقاتل، لا لأنّنا نرى الشوكة أقوى من دباباتهم مادّيًّا، بل لأنّ مقاومتنا بسياقها أبعد من مجرّدِ فعلٍ نتلقّنُه، بل إنّها أسلوب حياة، والتخلي عنها يعني التخلي عن محورٍ متكامل، والانزلاق في حُفَر الصهيونية.

لأجل كلّ هذا، وأكثر، نقاتل بأقلّ ما نملك، والأقلُّ هذا، ليس ضعفًا، بل قوّةً نفرضها نحنُ على العالم، بالحديث عن عمليات المقاومة اليومية رغم التعتيم الصهيو-أميركيّ، وبالصّراخ باسمِ النّضال والكفاح المسلّح وباسم المقهورين ظلمًا في غزة وجنوب لبنان، بأصواتنا وكلماتنا وروحيّتنا الّتي لن ينجح العدوّ بقتلها على الرّغم من أدواته المُتأمركة، سنظلّ نقاتل ونقاتل، كعصا السنوار في وجه المسيّرة، وسننتصر، كطوفانِ المقاومةِ في وجه سيوف العدوّ الحديديّة!

*(وكالة القدس للأنباء)

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/209812