هبة دهيني*
شللٌ حرفيٌّ أصابَ شمال فلسطينَ المحتلّة، حينَ رأى المستوطنونَ كيف تتجلّى كلمة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في تحويل حيفا -وما بعدَها- إلى منطقةٍ تضجّ بالأحمر القاني في سمائها كردٍّ أوّليّ على المجازر "الإسرائيليّة" التي طالَت لبنانَ الأسبوعَ الفائت، وليُكسر صلَفُ حكومة العدوّ الّتي أرادت أن تعيد 100 ألف مستوطنٍ إلى مستعمراتِها، ومن بعدِ ضربةِ صواريخ فادي1 و2 الأخيرة، والتي دخلتِ الخدمةَ لتدكّ حيفا وما بعدها، بات 3 مليون مستوطن تحت تهديد التّهجير، وليعلمَ الجنود العبريّونَ أنّ وعدَ المقاومةِ ناجز، وأن لا أمانَ لسارقِ الأرض ومستعمرِها.
في سياق حماقةِ الفعل "الإسرائيليّ"، قام العدوّ بثلاثة مجازر في لبنان الأسبوع الفائت، أوّلها وثانيها مجزرَتا الثّلاثاء والأربعاء، حينَ نجح في توجيه أقسى ضرباته إلى جسم المقاومة منذ بدء الصراع، في عملية أمنية أظهرت عناصر التفوق التكنولوجي والاستخباراتي "الإسرائيلي"، أدّت إلى إصابة آلاف من المقاومين والمدنيين، عجّت بهم المستشفيات في الجنوب والبقاع وبيروت والضّاحِية، هذه الأخيرة التي شكّلَ العدوان الثالث استهدافَها يوم الجمعة، ليرتقي على إثر هذه المجازر الشّهداء، مدنيّونَ ومقاومونَ وقادة، كمحاولةٍ لإضعاف بنية حزب الله، ولصدِّ عمليات المقاومة المساندة لفلسطين، فاستمرّتِ المقاومةُ بجبهة إسنادها وبوتيرةٍ تصعيديّةٍ تبرهنُ عدم قدرة العدوّ على زعزعةِ قرارها باستمرار معاضدةِ غزّةَ حتّى وقف العدوان الصّهيونيّ عليها.
ثمّ وفي السّياق نفسه، كحلقةٍ جديدةٍ من مسلسل الوحشيّة "الإسرائيليّة" والحقد الّذي يفرغه في المدنيّينَ حين يبصرُ هزيمته وهي تتجلّى أمامه صاغرًا، نفّذ العدوّ في اليومَين الماضيَين أكثر من 250 غارة على مختلف قرى الجنوب الصّامدة، كمحاولةٍ واهيةٍ أخرى لإضعاف المقاومةِ وحاضنتها الشّعبيّة، محاولاتٌ سعى العدوّ من خلالها لاجتثاث المقاومة الإسلامية في لبنان وإبعادها عن سياقِ الصّراع الوجوديّ الدّائرِ في فلسطينَ المحتلّة، غيرَ مدركٍ أنّ وحدة السّاحات هي الشّعارُ الّذي تتغنّى به المقاومةُ مع مناصريها، ولا تُحَدّ عمليّاتها ببقعةٍ جغرافيّةٍ أو بسياقٍ يتبنّاه المحتلّ، حتّى ولَو ترجّل المقاومونَ منّا شهداء، فالمسيرُ باقٍ حتّى وقفِ العدوان.
هذا ما تجلّى فعلًا لا قولًا فقط، بفَجرِ 22 أيلول، حينَ رأينا الخبرَ كما وعدَ الأمين، فكان الرّدّ الأوليّ برؤيةِ حيفا تحت نيرانِ المقاومة، وبإبصارِ رعشةِ المستوطنين وهم يهربون من مستوطناتهم إلى "اللامكان"، يدورونَ حول أنفسهم ولا تراب يغطّي أجسادهم الغريبة، لأنّهم في بلادٍ لا انتماءَ فيها إليهم، هذه البلادُ الّتي تقرأُ جغرافيّتُها أبجديّةَ المقاومِ جيّدًا، وتحفظ ملامحه عن ظهر قلب، ذاكَ الّذي يحمل العبوّة ويضعها فوق الدبابة بكلّ رويّة، وفي أتون الحرب، فيقتلُ رهطًا من جنود العدوّ، ويجرح آخرين، تضمّ البلادُ جسده المألوف، من خطّ بدمائه حدودها يومَ انتصرَت على أعتى جيوش العالم، وأكثرهم عنجهيّةً وحقدًا.
انتصرت المقاومةُ على هيبة العدوّ حينَ كسَرتها باستهدافها لقاعدة ومطار رامات دافيد التي انطلقت منها الطائرات الحربية، ثمّ وبِدَكّ مجمعات الصناعات العسكريّة "الإسرائيلية" لشركة رفائيل شمال حيفا، فاختارتِ التّوقيتَ والهدف المناسبَين، وذكّرَتِ العدوّ من خلالهما أنّ قدرات حزب الله الحقيقية، لم يستطعِ المحتلّ المساس بها، ونظام سيطرة المقاومة متماسك، وهي في جهوزيّةٍ تامّة للقتال، وعدوان الاحتلال لم يضعف من هذه الجهوزيّة شيئًا.
كلّ هذا صبَّ في رعبِ الشّمال الّذي كرّرت حكومة العدو قولها مرارًا في وصفه "خسرنا الشمال"، أمّا الآن، وبعد ضربةِ حزب الله، فإنّ 3 مليون مستوطن باتوا تحت التهديد بالتهجير، من بعد ما كان نتنياهو "يهدّد" بإرجاع 100 ألف مستوطن إلى مستعمراتهم، إذ وصفت تقارير "إسرائيلية" هذا الموقف بالقول إنّ "الشمال يشتعل"، و"الإسرائيليون" لاجئون داخل مستوطناتهم.
هكذا إذَا أكّدتِ المقاومةُ على خيارها المستمرّ في مساندةِ فلسطينَ ودحرِ العدوّ حتّى آخر رمق، وأن لا تراجعَ إن لم يتوقفِ العدوان على غزّة، وأنّ الشّمال لأهله، ورعبه سيبقى يلاحق المحتلّ، ولا عودةَ للمستوطنين مهما حاولوا أن يُرَمّموا بالمكان. *(وكالة القدس للأنباء)