"فصائل السلام" هي المجموعات الفلسطينية التي أنشأها وموّلها الاحتلال البريطاني لضرب الثورة في العام 1938، من خلال الاغتيالات وتشويه سمعة الثوار وزراعة الفتنة في المجتمع الفلسطيني بين الفلاحين والمدنيين. فكانت "فصائل السلام" الإجرامية وغطاءها السياسي المتمثل ببعض الشخصيات والسماسرة والتجار الملتفين حول الاحتلال البريطاني والمستفيدين من وجوده، والمموَّلين من قبل بعض الأنظمة العربية الموالية لبريطانيا، أحد أسباب فشل الثورة الفلسطينية، التي اندلعت مجددا في العام 1938، رفضا لقرار تقسيم فلسطين بين العرب الفلسطينيين واليهود الصهاينة. فكانت "فصائل السلام" تلك، بمثابة الثورة المضادة التي مكّنت الاحتلال البريطاني من تمكين المشروع الصهيوني في فلسطين.
واليوم، وبعد ما يقارب السنة من اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 انطلاقا من قطاع غزة، وامتدادها الى الضفة الغربية في فلسطين، والى ساحات الإسناد وغيرها من الوطن العربي، اجتمعت قبل إيام بعض الشخصيات العشائرية والعائلية والتجارية مع وزير الداخلية في سلطة الحكم الذاتي، ومحافظ الخليل، وقادة في الأجهزة الأمنية في محافظة الخليل لتهاجم المقاومة والمقاومين خاصة في شمال الضفة المحتلة، وتتطاول عليهم بالفاظ ونعوت تذكّر بأدبيات "فصائل السلام" العميلة.
قالت هذه الشخصيات، إن المقاومة "تجلب الدمار للمجتمع" وإن المقاومين من أبناء المخيمات معدومون ماديا وغير متعلمين، ودعت لـ"تجنيب الخليل الالتحاق بالعمليات ضد الاحتلال"، وطالبت الأجهزة الأمنية بملاحقة من اعتبرتهم "خارجين عن القانون" و"المخلين بالأمن"، أي المقاومين الذين يشنون هجماتهم على المحتلين الصهاينة ويقتلون الجنود والمستوطنين.
ردّ شباب الخليل مباشرة على هذه التصريحات في بيان قالوا فيه: "نحن شباب عائلات وعشائر الخليل، نعلن رفضنا القاطع لما ورد في الاجتماع بين الأجهزة الأمنية وشخصيات من الخليل، من إشارات وإساءات غير مقبولة بحق المقاومة والشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً لفلسطين وقضيتها العادلة.
إن ما تم طرحه خلال هذا الاجتماع لا يعبّر عن قيم وتقاليد شعب الخليل الأبي، الذي كان وما زال سنداً للمقاومة، وقلعة من قلاع الصمود في وجه الاحتلال...
نحن أبناء الخليل نعتز بتضحيات شعبنا في كافة المحافظات الفلسطينية، ونعتبر أن دماء الشهداء هي التي رسمت معالم كرامتنا الوطنية وحقنا في التحرير."
وقالت رابطة شباب عائلة أبو سنينة، في بيان لها، إنها "تبرأ إلى الله أمامكم الأصوات النشاز التي ارتفعت تحت سقف مهزوم، مرة تشيطن المقاومة، وأخرى تلهث خلف مصالحها وعلاقاتها مع الاحتلال الزائل". كما فنّدت عائلات الشهداء في محافظة جنين في مؤتمر صحفي مزاعم المجتمعين الذين صوّروا المجاهدين والشهداء وكأنهم شباب "صايعين".
ليست هي المرة الأولى التي تحاول فيها بعض الشخصيات الفلسطينية في الضفة الغربية، المستفيدة من وجود "السلطة الفلسطينية" وتعاملها وتنسيقها مع الاحتلال الصهيوني والمموّلين الغربيين والعرب، من النيل من المقاومة والمقاومين والشهداء.
لكن، ومنذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" وإطلاق يد المستوطنين في الضفة الغربية والاعلان عن تضييقات مالية وسياسية ضد السلطة الفلسطينية من قبل وزير المالية الصهيوني سموتريتش، صعدت أصوات بعض المستفيدين من "الوضع القائم" (وجود الاحتلال) لمهاجمة المقاومين والنيل من مكانتهم في المجتمع، وتحميلهم مسؤولية الضائقة الاقتصادية التي يعانون منها بسبب أقفال الطرق المتكررة واقتحام المدن وأخيرا، بعد عملية الشهيد الأردني ماهر الجازي على معبر الكرامة، منع مرور الشاحنات من المعبر، ذهابا وإيابا، ما يعني خنق التجارة بين الضفة الغربية والعالم.
لم يعد سرا أن حكومة نتنياهو تسعى الى إضعاف "السلطة الفلسطينية"، ولولا "المجتمع الدولي" المموّل لها والمدافع عن وجودها لكسر المقاومة ومنع التحرير، لسقطت منذ فترة، إلا أن هذا المجتمع الدولي المنافق يريد إبقاء دورها في التنسيق الأمني مع العدو وقمع الثوار قبل أي شيء آخر. وبدلا من تصويب سلاحها ضد العدو المحتل ودعم المجتمع على التصدي له ومساندة المواطنين المهدّدين بالاقتلاع من المناطق "ج" التي رسمتها اتفاقيات أوسلو، صوّبت "السلطة الفلسطينية" وأعوانها وأجهزتها الأمنية سلاحها المادي والمعنوي على المقاومة والمقاومين من أجل مواصلة تمويلها وإبقاء وجودها كسلطة تمارس وظيفتها ضد الشعب الفلسطيني.
في خضم المعارك التي خاضها المجاهدون ضمن "رعب المخيمات" ضد اقتحامات جيش العدو، كانت هذه الأصوات "المأجورة"، كما وصفتها "وحدة التحقيق الإلكتروني في مجال الإسقاط "في طولكرم، تبث السموم وتنال من المقاومين، فوصفت "هؤلاء الأشخاص" الذين رموا مناشير في أزقة المخيم معادية للمقاومين، بأنهم "يريدون أن يكونوا تحت وطأة الإحتلال عبيد تحت أقدامهم، يريدون العيش بحرية على حساب الفقراء وتولي مناصب قيادية ورفيعة لهم ولأبنائهم على حساب أهالي الشهداء". فجاء في بيان حركة الجهاد الإسلامي في طولكرم أن هؤلاء يشكلون "الأدوات القذرة" للاحتلال و"عملائه الذين يساعدون على ضرب الحاضنة الشعبية عبر دعم وترويج ما يريده الاحتلال" (4/9/24).
أفاد الإعلام الصهيوني أن السلطة الفلسطينية اتفقت مع قوات العدو في الضفة الغربية لنشر 400 عنصر من قوات الحرس الرئاسي في مخيم جنين في محاولة للسيطرة عليه، وذكر أيضا أن قوات "الأمن الفلسطينية" قامت بتفكيك العديد من العبوات الناسفة ودمّرت 15 عبوة جاهزة للتفجير في مدينة جنين. في الوقت ذاته، استمرت أجهزة السلطة باعتقال الطلاب والصحافيين في عدة مناطق من الضفة الغربية، وخاصة في نابلس، وما زالت تحتجز معتقلين صدر بحقهم قرار الإفراج عنهم، وذلك من أجل تبييض وجه السلطة أمام الصهاينة من جهة، والمموّلين الأجانب من جهة أخرى.
لم تدعم "السلطة الفلسطينية" صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلا من خلال بيانات وتصريحات تطالب فيها المجتمع الدولي المنافق للتدخل لوقف حرب الإبادة التي يشنها العدو المتوحش، كما تفعل الأنظمة العربية، وكأن قطاع غزة ليس جزءا من الوطن الفلسطيني. فبعد التخلي عن الجزء الأوسع من فلسطين لصالح كيان العدو في اتفاقيات أوسلو (1993) والتخلي عن مصير اللاجئين، تخلّت اليوم عن مسؤوليتها الوطنية إزاء قطاع غزة، ويبدو أنها تتخلى اليوم عن أجزاء أخرى من فلسطين والضفة الغربية (المناطق "ج" المهددة)، فلم تنشر قواتها الأمنية للدفاع عن أهاليها ضد المستوطنين الإرهابيين، بل فضلّت نشر قواتها في أنحاء الضفة الغربية لقمع الثوار، قبل انسحابها حين يقتحمها العدو.
تقف اليوم "السلطة الفلسطينية" في رام الله وأجهزتها الأمنية على مفترق الطرق أمام الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني في قطاع غزة والتطهير العرقي والتهويد الممنهج في الضفة الغربية، بموافقة ومشاركة الأنظمة الغربية الامبريالية: هل تعتبر نفسها جزءا من الشعب الفلسطيني المهدَّد في حياته ومصيره وأرضه، وبالتالي، تكف عن ملاحقة الثوار وإثارة الفتن في المجتمع الفلسطيني، وتؤدي دورها الحامي للبيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة، أم تعتبر نفسها جزءا من النظام العربي التابع للامبريالية الغربية، وجزءا من النظام الدولي الظالم الذي أنشأها ويموّلها (الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا أساسا) لضرب المقاومة والقضاء على القضية الفلسطينية، وتقوم بالتالي بدور "فصائل السلام" التي أوجدها الاحتلال البريطاني خلال ثورة 36-39 لقتل الثورة وإضعاف المجتمع؟
هل ستتجاوب مع الأصوات الوطنية ومنها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي تدعوها "إلى مراجعة مواقفها قبل أن تخسر ما تبقى من وهم سيادة على مناطق مستباحة" ؟