عمر نشابة*
قد يتباهى رئيس وزراء العدو "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزراؤه وضباطه بعد تمكنهم من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ إسماعيل هنية والقائد العسكري في حزب الله السيّد فؤاد شكر وغيرهما من المجاهدين. وقد يستخدمون نجاحهم في تنفيذ الجريمتين لتطمين "الإسرائيليين"، وأصدقائهم الاميركيين والأوروبيين والخليجيين، بأنهم قادرون على تصفية اعدائهم أينما كانوا، وأن ذلك يثبت قوّة الكيان الصهيوني رغم فشله في حماية المستوطنات والمستوطنين في 7 تشرين الأول 2023 في مواجهة «طوفان الأقصى»، وفي السيطرة على قطاع غزة المحاصر وتصفية كتائب عزالدين القسّام بعد 10 أشهر من القتال.
يطرح هذا المقال السؤال عن مدى استفادة العدو "الإسرائيلي" من جرائم الاغتيال التي ارتكبها، ويشير بالدليل الى أن محاولات التطمين "الإسرائيلية" هذه ليست سوى فشل ثالث يضاف الى فشله في الدفاع وفي الحرب!..
اغتال الإرهابي إسحاق شامير مبعوث منظمة الأمم المتحدة للسلام، السويدي فولك برنادوت، في 17 أيلول 1948 بسبب إصراره على تنفيذ قرار الأمم المتحدة بالتقسيم (مشروع الدولتين). المجرم الذي كان على رأس عصابة «شتيرن» الارهابية، اصبح لاحقاً رئيس الكنيست ثم رئيساً لوزراء «إسرائيل». لكن حكومات العدو "الإسرائيلي" لم تعترف صراحة باعتمادها نهج تصفية أعدائها وكل من يعترض مشاريعها التوسعية والاستيطانية جسدياً الا بعد مرور خمسين عاماً على الاغتيالات.
76 سنة من القتل
اعترفت «إسرائيل» بتبنيها نهج تصفية قادة المقاومة ومناصريها بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. قبل عام 2001، كانت تنكر ضلوعها في «عمليات إعدام خارج نطاق القضاء»، علماً ان الموساد "الإسرائيلي" وغيره من أجهزة الاستخبارات والمجموعات الارهابية الصهيونية قاموا بعدد كبير من الاغتيالات بين عامي 1948 و2000 مستهدفين قيادات فلسطينية ولبنانية وسورية ومصرية ومن جنسيات أخرى.
الاعتراف "الإسرائيلي" الأول باستخدام نهج التصفية الجسدية كان في بيت ساحور بالقرب من بيت لحم في تشرين الثاني 2000. يومها، اطلقت مروحية حربية تابعة للجيش "الإسرائيلي" صواريخ موجهة بالليزر باتجاه القيادي في حركة فتح حسين عبيات الذي ارتقى شهيداً مع رفاقه وعدد من المدنيين. لكن هذا الإقرار لا يعني أن "إسرائيل" تعترف بكل جريمة اغتيال اقترفتها منذ عام 2000 أو خلال الحقبة التي سبقت.
أساليب التصفية
استفاد العدو "الإسرائيلي" من التعاون الاستخباري مع عدد من الدول لتنفيذ جرائم الاغتيال في مختلف انحاء العالم. كما استفاد من مروحة واسعة من العملاء الذين جنّدهم حول العالم، خصوصاً في الدول العربية والإسلامية. ونجح القَتلة في اعتماد عنصر المفاجأة من خلال التخفّي والتمويه. ولا شك في ان امتلاك الاستخبارات "الإسرائيلية" وسائل تكنولوجية للمراقبة والرصد والتعقّب والتدخّل أدى الى إصابة الأهداف بدقّة.
إضافة الى استخدام الصواريخ الموجهة بالليزر، اعتمد العدو أساليب وأدوات أخرى بما في ذلك:
- العبوات الناسفة المموهة التي توضع مسبقاً في مكان تواجد الهدف أو في آلية نقله (مثلاً اغتيال المهندس يحيى عياش بواسطة عبوة ناسفة كانت موضوعة في سماعة التلفون في غزة في 6 كانون الثاني 1996).
- العبوات الناسفة المموهة التي أرسلت في البريد الى الشخص المستهدف (مثلاً محاولة اغتيال بسّام أبو شريف في بيروت في 25 تموز 1972).
- القنص عن بعد أو اطلاق النار المباشر (مثلاً اغتيال القائد خليل الوزير «أبو جهاد» في تونس في 16 نيسان 1988).
- التسميم من خلال مواد قاتلة يمكن ان تكون مشعّة (مثلاً اغتيال الرئيس ياسر عرفات بواسطة البولونيوم في 11 تشرين الثاني 2004).
- المسيّرات المجهزة بالأسلحة والصواريخ (مثلاً اغتيال المجاهد صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 كانون الثاني 2024).
تحديد الفئات المستهدفة بالاغتيالات
بعد مراجعة سجل الاغتيالات التي ارتكبتها "إسرائيل" منذ عام 1948، يمكن تقسيم المستهدفين الى أربع فئات، نعددها في الآتي مع بعض الأمثلة:
1. - قادة الصف الأول في تنظيمات المقاومة
الغاية الأساسية من اغتيال قادة الصف الأول هي:
- اضعاف معنويات المقاومين التابعين للتنظيم أو الداعمين له
- التخلّص من العقل الموجّه والمخطّط والمنظّم
- تهديد كل من يتجرّأ على الانضمام إلى لتنظيمات المقاومة
• اغتال العدو الإسرائيلي الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي (16 شباط 1992) لإضعاف معنويات المقاومين للاحتلال "الإسرائيلي" في لبنان. وبما انه كان مؤسس الأمانة العامة، أرادوا النيل من الهيكلية التنظيمية للحزب. لكن الحزب زاد تنظيماً وقوة وعديداً وتسليحاً وتطوّراً، واستمرت عمليات المقاومة الى ان اجبرت جيش العدو "الإسرائيلي" على الاندحار وانهارت الميليشيا التابعة له وتحررّ الجزء الأكبر من الجنوب عام 2000.
• في 26 كانون الأول 1995، اغتال العدو "الاسرائيلي" قائد حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي في مالطا بهدف كسر الحركة ومنعها من تطوير قدراتها التنظيمية والعسكرية. لكن قدرات الحركة تعاظمت وتمكنت من تطوير قوتها الصاروخية، كما انضمت مجموعات كبيرة من المجاهدين الى صفوفها. وها هي حركة الجهاد الإسلامي تخوض اليوم معركة طوفان الأقصى منذ 10 أشهر ببسالة وقوّة واندفاع.
• اغتال العدو قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى (27 آب 2001) ظناً ان تصفيته ستكسر عزيمة الفدائيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة. ولكن بدل ان يحصل ما أراده العدو الإسرائيلي، اطلق اسم القائد الشهيد على الجناح العسكري للجبهة الذي يقاتل اليوم في غزّة المحاصرة ويقصف بالمدفعية تجمعات الدبابات الإسرائيلية الغازية ويشتبك معها في الأزقة والاحياء.
• شهد عام 2004 جريمتي اغتيال القائدين المؤسسين لحركة حماس (بفارق أيام قليلة: 22 آذار و17 نيسان) الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي. واعتقد الإسرائيلي بعد تصفيتهما، أنه لن يكون باستطاعة حماس استعادة قوّتها ولن يتجرّأ الحمساويون على مهاجمة «إسرائيل». بعد عشرين سنة، اطلقت كتائب عزّ الدين القسّام معركة «طوفان الأقصى» البطولية التي شكلت أكبر هجوم عسكري للمقاومة داخل فلسطين المحتلة منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي عام 1948.
• في 31 تموز الفائت، اغتالت "اسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ إسماعيل هنيّة في طهران ظناً بأن ذلك يمكن ان يشكل انتصاراً ويدمّر القيادة أو يدفع الحركة الى التراجع. غير ان النتيجة جاءت معاكسة. إذ عبّرت الحركة تصميمها على متابعة الكفاح من خلال تعيين المجاهد يحيى السنوار خلفاً له وهو يقاتل منذ عشرة أشهر في قلب غزّة المحاصَرة.
2. - القياديون الميدانيون في تنظيمات المقاومة
الغاية الأساسية من اغتيال القياديين الميدانيين هي:
- ضرب القدرات الميدانية للمقاومة
- الثأر منهم بعد تمكنهم من النيل من "اسرائيليين"
• اغتالت «إسرائيل» مثلاً المقدم في الجيش المصري مصطفى حافظ في غزة والملحق العسكري صلاح مصطفى في عمّان عام 1956 بسبب تجنيد وتدريب فدائيين فلسطينيين في قطاع غزّة وتجهيزهم لمواجهة جيش الاحتلال "الإسرائيلي". ولكن، منذ ذلك الحين، تجنّد مئات آلاف الفلسطينيين في مجموعات المقاومة حتى اصبحوا يشكلون عام 2023 خطراً حقيقياً على الكيان الصهيوني وقوة قادرة فعلياً على مواجهة جيش الاحتلال.
• قامت الاستخبارات "الإسرائيلية" بعدد كبير من جرائم الاغتيال للثأر من المقاومين الذين نفّذوا أو شاركوا في عملية ميونخ البطولية عام 1972 بهدف «تلقين الفلسطينيين درساً» لعدم تكرار هجماتهم (مثلاً اغتيال المقاومين كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت في 9 نيسان 1973). لكن منذ ذلك الحين، قامت المقاومة بعدد كبير من العمليات التي ألحقت خسائر بالإسرائيليين فاقت خسائرهم في ميونخ، أهمها عملية تفجير حافلة بورغاس (بلغاريا) بجنود إسرائيليين في 18 تموز 2012 وهجوم 7 تشرين الأول 2023 حيث تمكنت المقاومة من اسر اكثر من 200 جندي وجندية في الجيش الإسرائيلي وعدد من المستوطنين.
• يقوم جيش العدو "الإسرائيلي" منذ تشرين الثاني 2023 برصد وتعقّب قياديين ميدانيين عسكريين في حزب الله، وتمكن من قتل عدد منهم بهدف تعطيل أو إضعاف جبهة الاسناد وتدمير معنويات المقاومة (مثلاً اغتيال القائد العسكري السيد فؤاد شكر في 30 تموز الفائت). لكن استمرار جبهة الاسناد من جنوب لبنان والاستعدادات للردّ يثبتان فشل اهداف جريمة اغتيال السيّد محسن.
• يستمر العدو "الإسرائيلي" في حملة الاغتيالات لقادة ميدانيين في المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية بهدف شلّها ومنعها من شن هجمات (مثلاً اغتيال المقاوم تيسير الجعبري في 5 آب 2022 في غزة). لكن قدرات حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي الجعبري اليها استمرت بالتعاظم حتى بلغت اليوم مستوى يتيح لها الصمود والقتال لأكثر من عشرة أشهر بوجه الجيش "الإسرائيلي" الذي يعد من اقوى جيوش العالم وأكثرها تطوّراً وفتكاً.
3. - علماء ومهندسون وومثقفون ومهنيون مقاومون
الغاية الأساسية من اغتيال العلماء والمهندسين والمهنيين هي:
- منع المقاومة من التطوّر التكنولوجي العسكري
- حرمان المقاومة من الرؤية والمعرفة العلمية
- اضعاف شعبية المقاومة وعزلها
• اغتال الموساد "الإسرائيلي" عدداً من العلماء والمهندسين وخبراء تطوير الصواريخ (منهم الألماني هاينز كروغ في 11 أيلول 1962 في ميونخ) ومهندسين مصريين لمنعهم من تطوير منظومة الصواريخ لمواجهة الاحتلال "الإسرائيلي". لكن، لم يغير ذلك من العزيمة على قتال العدو، فاستمرت مصر في تطوير قدراتها العسكرية والصاروخية حتى المواجهة حتى حرب 1973.
• اغتالت "إسرائيل" عددا كبيراً من المهندسين وعلماء الذرة الإيرانيين خلال الحقبة الزمنية الأخيرة (مثلاً اغتيال المهندس محسن فخري زاده في طهران يوم 27 تشرين الثاني 2020) بهدف النيل من البرنامج النووي الإيراني ومنع تطوير قنبلة نووية. لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكرت في تقاريرها الأخيرة ان البرنامج النووي الإيراني يستمرّ بالتطوّر والنموّ وقد يُضعف اغتيال العلماء البرنامج لفترة وجيزة ولكن سرعان ما يعود الى العمل بوتيرة أسرع بعد تعيين علماء وخبراء ليتولوا مهام زملائهم الشهداء.
• اغتالت الاستخبارات "الإسرائيلية" عدد من المثقفين من بينهم كتاب وصحافيين وشعراء ومن بين هؤلاء الشهيد غسان كنفاني في 8 تموز 1972 في بيروت بواسطة عبوة ناسفة وضعت في سيارته وكانت برفقته ابنة شقيقته لميس (6 سنوات).
4. - سياسيون أجانب ونازيون سابقون
إضافة الى تصفية برنادوت عام 1948، يشتبه في قيام العدو "الإسرائيلي" باغتيال رئيس الوزراء السويدي السابق اولوف بالمه في 28 شباط 1986 بسبب دعمه لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، كما يشتبه بقيام الاستخبارات "الإسرائيلية" باغتيال مسؤولين أجانب آخرين من دون الاعتراف بذلك.
صفّت الاستخبارات "الإسرائيلية" عدداً من الضباط الألمان المتقاعدين الذين زعمت انهم قتلوا يهوداً خلال الحرب العالمية الثانية، من بينهم مثلاً هيربيرت كوكورز الذي اغتاله الموساد في الاوروغواي في 23 شباط 1965. وكان الهدف من الاغتيال تصفية حسابات تعود للحرب العالمية الثانية. ولكن الفائدة من ذلك منعدمة على المستوى العملي، إذ إن الرجل العجوز كان متقاعداً ولا يبدو ان اغتياله يردع اليوم تعصّب النازيين الجدد، بل يزيدهم عنصرية وكراهية لليهود. (المصدر: الأخبار اللبنانية – 10/8/2024)