/مقالات/ عرض الخبر

المقاطعة: بعض الملاحظات بعد 9 شهور من حرب الإبادة الصهيو-أميركية

2024/07/11 الساعة 09:40 ص

راغدة عسيران

منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي شنّها كيان العدو الصهيوني، بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية، على قطاع غزة، صعدت حملات المقاطعة للمنتوجات "الإسرائيلية" وللشركات الداعمة للكيان الاستيطاني، في عدة دول عربية وإسلامية. تكمن أهمية مقاطعة الشركات الغربية في تحميلها مسؤولية العدوان كونها تموّل وتدعم الكيان الاستيطاني المتوحّش وكونها تمثّل الغرب الاستعماري الجشع. بعد 9 شهور على هذه الحملات، كيف يمكن تقييم هذه الحملات من ناحية؟ وما هو أفقها من ناحية أخرى؟

1 – ما أن بدأت حرب الإبادة، حتى خرجت الى العلن لوائح المنتجات والشركات المرشحة للمقاطعة، وكان معظمها قد تمَّ وضعها خلال انتفاضة الأقصى (2000-2005)، مع تعديل بسيط عليها. ما يعني أن بين انتفاضة الأقصى وحرب الإبادة اليوم، لم تواصل الجماهير العربية والإسلامية حملات المقاطعة، رغم تواصل العدوان الصهيو-أميركي على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة دون توقف: القمع، الاغتيالات والاعتقال، سرقة الأرض والمياه، والاستيطان، تهويد المقدسات والقدس والخليل، الحروب العديدة على قطاع غزة والحصار.

ورغم وجود جمعيات عربية تدعو الى المقاطعة في بلدانها، ظلت هذه الحملات نخبوية وموسمية (خلال الحروب الأشد توحشا)، ما يدلّ على أن الجماهير تنتهج طريق المقاطعة فقط كوسيلة مرحلية وتكتيكية للتعبير عن غضبها وللمشاركة عمليا، ولو بالحد الأدنى، في جهود مقاومة المحتل.

2 – حملة المقاطعة تختلف من بلد الى آخر، حيث هناك أنظمة عربية وإسلامية تسمح بدخول المنتوجات "الإسرائيلية" الى أراضيها، وهي الأنظمة المطبّعة مع كيان العدو، وأنظمة غير مطبّعة تغيب هذه المنتوجات في بلدانها. في الدول المطبّعة، حيث تدخل بعض السلع "الإسرائيلية"، فتم مقاطعتها بشكل عام من قبل المواطنين، لكن استمرت الجاليات الأجنبية، خاصة الغربية، في استهلاكها، كما هو الحال في دولة الإمارات. وفي المغرب، طالت المقاطعة بضائع "إسرائيلية" وبضائع تصنّع محليا لكنها تصدَّر منذ عشرات السنين، الى كيان العدو، كأحد عناوين التطبيع الاقتصادي بين المغرب و"إسرائيل".

في الدول الأخرى، تهدف الحملات الى مقاطعة الشركات الداعمة لكيان العدو وحرب الإبادة التي يقترفها في فلسطين، وهذه الشركات غالبا ما تكون أميركية وأوروبية. 

3 – تركزت حملات المقاطعة، وهي غالبا عفوية في الدول العربية، على منتوجات الإستهلاك اليومي (أهمها المنتوجات الغذائية) والشركات التجارية وسلاسل المطاعم، والتي توسّعت وفتحت فروعا لها في العديد من المدن العربية والإسلامية، خلال العقود الأخيرة. تفاوتت أهمية المقاطعة من بلد الى آخر. في حين أقفلت متاجر ومطاعم لهذه الشركات في الأردن وماليزيا، بسبب المقاطعة، انتعش بعضها في لبنان وفتح فروعا جديدة خلال حرب الإبادة. وفي حين قاطع الجمهور الأردني منتوجات الشركات الداعمة للكيان الاستيطاني وغيرها من الشركات الأجنبية، الأميركية والأوروبية، وانتشر البديل لها من الإنتاج المحلي، لم يلاحظ صناعة البدائل في الدول الأخرى، إلا بالحد الأدنى. 

4 – تعاملت الأنظمة العربية والإسلامية مع حملات المقاطعة بطرق مختلفة. لقد هاجم أقطاب من النظام المصري حملات المقاطعة وروّجوا إعلاميا بأن المقاطعة تنعكس سلبا على الاقتصاد المصري، أي أن مقاطعة الشركات الكبرى المؤيدة لحرب الإبادة وإقفال بعض فروعها والتسبب في خسائرها يؤدي الى سحب استثماراتها من البلاد. أما في الأردن والكويت وتونس مثلا، فلم تتدخل السلطات لمنع حملات المقاطعة، بل تعتبرها السلطات الأردنية كمتنفس شعبي للتغطية على جريمة التطبيع أولا والسماح ثانيا لمرور الشاحنات من العقبة الى كيان العدو، لتعطيل الجهود اليمنية الداعمة للمقاومة.

5 – لم تتجاوز حملات المقاطعة الشعبية، البضائع والشركات الغذائية، وغيرها من المواد الاستهلاكية الرائجة. تعدّ مقاطعة هذه الأصناف إيجابية بسبب تأثيرها على الشركات المستهدفة والتسبب لها بالخسائر والإقفال أحيانا. فاستهداف ما يمثل العنهجية الاستعمارية في كافة الدول العربية والإسلامية، يبرهن على قوة الجماهير الإسلامية عندما توحّد جهودها حول هدف معيّن وقوتها عندما تلتفّ حول فلسطين وشعبها. كما تؤكد الانتقائية والمرحلية لهذه الحملات أن الهدف منها الدفاع عن شعب فلسطين ومساندته ضد الحرب الهمجية التي شنّها العدو الصهيو-أميركي-غربي. لكن عدم توسّعها الى شركات أخرى وعدم استمراريته ازمنيا يدلّان على عدم ربط مقاطعة الشركات الغربية وبضائعها بمسألة التنمية والتخلّص من التبعية الاقتصادية للغرب الاستعماري.

6 – تعيش معظم الدول العربية والإسلامية أزمة اقتصادية، تختلف حدّتها من بلد الى آخر. لقد لجأ جزء من مواطني هذه الدول الى البدائل الآسيوية وغيرها منذ عقود من الزمن، وخاصة فيما يخص الاستهلاك اليومي، ولكن لم تتمكن هذه البدائل المتنوعة من إزاحة بعض الشركات الأميركية والعالمية الخاصة بالتغذية. من هنا أتت أهمية مقاطعة هذه الشركات في الوقت الحاضر.

7 – حاولت الشركات المستهدفة (المنتوجات والمطاعم) الترويج بأنها شركات وطنية لا علاقة لها بالشركات الأم المتصهينة (الأميركية والأوروبية) وأنها متضامنة مع الشعب الفلسطيني، كما فعلت شركة "كارفور" الفرنسية في الأردن عندما أعلنت أنها خصصت مبلغا من المال لصندوق دعم الشعب الفلسطيني الرسمي، لكن دون جدوى، أو عندما سوّقت هذه الشركة في لبنان أن مديرها التنفيذي إماراتي الجنسية، وأنها تبنّت فقط الماركة. وكذلك فعلت شركات أخرى، لتجنّب الغضب الشعبي (في العراق مثلا حيث استهدفت الجماهير الغاضبة الشركات الأميركية). وروّجت أيضا هذه الشركات أنها داعمة للاقتصاد الوطني بسبب توظيفها للمواطنين.

منذ بداية حملات المقاطعة، شنّ الإعلام الغربي الناطق بالعربية حملة تشويه وكذب لإحباط هذه الحملات، وتبعه الإعلام العربي المعادي للمقاومة والشعب الفلسطيني بشكل عام، قائلا، بالأرقام أحيانا والتحليل السطحي لها، أن المقاطعة غير مفيدة لدعم الشعب الفلسطيني بل مضرّة بالاقتصاد الوطني، بسبب تراجع الاستثمار الغربي في بعض الدول، وكأن الاستثمار الغربي يساهم في تنمية الدول ولا يعطّلها في أكثر الأحيان.

8 – تشكك فئة من المواطنين في الدول العربية، مهما كان حجمها، بجدوى المقاطعة، إما لأنها معادية لها أساسا، إما لعدم قدرتها على تغيير بعض أنماط حياتها اليومية، إما لأن لديها "عقدة الأجنبي"، أي انها تعتبر أن السلع الوطنية أو البديلة غير الغربية، أقل جودة من السلع الغربية التي اعتادت عليها. وتطال "عقدة الأجنبي" السلع والمنتوجات كافة، من الاستهلاك اليومي وغيرها.

9– تعيش الأراضي الفلسطينية المحتلة (48 و67) وضعا خاصا فيما يخص مسألة مقاطعة المنتوجات "الإسرائيلية"، بسبب إلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني بشكل عام، وجشع التجار المستفيدين من هذا الوضع المدعوم من قبل المؤسسات الدولية. تحاول جهات عديدة، ومنذ عقود، إقامة أسواق محلية غير خاضعة للعدو لدعم المزارع والمنتج الفلسطيني، في كافة مناطق فلسطين، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

10–لم تتبنّ، بشكل عام، الأحزاب حملات المقاطعة، التي ظلت عفوية في أغلب الأحيان، رغم وجود جمعيات وأطر دعت منذ عقود وتدعو اليوم الى مقاطعة بعض الشركات الداعمة لكيان العدو، ما يعني أنه لم يتم بعد ربط مسألة مقاطعة الشركات الغربية عموما بمسالة التنمية أو اعتبارها كأحد أوجه رفض التبعية، والتفكير في بعض المسائل المتعلقة بها، كطبيعة الاستهلاك والمجتمع الاستهلاكي، خاصة وأن معركة طوفان الأقصى المجيدة فتحت أفقا واسعة للتحرّر، فكريا وعمليا. كما لم يتم التطرق الى المقاطعة الثقافية والإعلامية، رغم استعمال الدول الغربية، رسميا وغير رسميا، هذا النوع من المقاطعة لإسكات صوت من تعتبرهم أعداءها (ايران، روسيا، المحتوى الفلسطيني بكافة اشكاله أو المؤيد لفلسطين والمقاومة والإعلام المقاوم).

تحتل المقاطعة حيّزا ضيّقا ضمن جهود الشعوب العربية والإسلامية لدعم شعب فلسطين ومقاومته، ويمكن اعتبارها الحد الأدنى لهذا الدعم. تتكامل المقاطعة مع أشكال أخرى من الدعم، الإعلامي والمالي والجماهيري في المسيرات والوقفات المندِّدة بحرب الإبادة، والمطالِبة بالضغط على الحكام من أجل إنقاذ الشعب الفلسطيني من التوحّش الصهيو-أميركي. لكن لم يتم النظر الى المقاطعة كسلاح يساعد في تقليص التبعية الاقتصادية في الدول العربية والإسلامية، ليكون سلاح المقاطعة ليس دعما لشعب فلسطين فحسب بل خطوة نحو تنمية الاقتصاد في بلداننا.

 

 

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/206742

اقرأ أيضا