/منوعات/ عرض الخبر

"جدتنا الزيتونة" فيلم وثائقي تروي فيه الشجرة حكايات فلسطينية

2023/09/24 الساعة 10:04 ص

وكالة القدس للأنباء - متابعة

لقد استعار الشعراء لغة الأشجار والأحجار والأرض في التعبير عن القضية الفلسطينية ونُظمت مئات القصائد وآلاف الأبيات في العديد من الدواوين عن كفاح الفلسطينيين، شباباً وشيوخاً وأطفالاً ونساءً ضد الاحتلال "الإسرائيلي" عبر سنوات طويلة، لكنها المرة الأولى التي تلجأ فيها السينما إلى استخدام هذا الرمز باستنطاق شجرة الزيتون العجوز لتحكي على لسانها حكايات وبطولات من دفتر أحوال الوطن.

وقد جاء اختيار شجرة الزيتون على وجه التحديد لتكون بطلة الأحداث في الفيلم الوثائقي التاريخي المهم كونها تتمتع بقداسة خاصة لدى الفلسطينيين. فهي مصدر الزاد والرزق وعنوان الطهارة والصلابة والنماء والعطاء، فضلاً عن أنها الشجرة المُباركة التي ذُكرت في القرآن الكريم فكان لذكرها دلالة تُشير إلى مكانتها وأهميتها.

ولعل ذلك ما حاول المخرج سعود مهنا مع كاتب السيناريو أحمد أبو هاشم الإشارة إليه بوضوح في سياق العرض والتحليل لعُمر الشجرة وميلادها وأهميتها كشاهد عيان على دورة الحياة التي عاصرت من خلالها، انتصارات وانكسارات وتواريخ وأزمنة مرت مرور الكرام بحلاوتها ومرارتها ولم تزد الشجرة العتيقة إلا صلابة وقوة.

فها هي شجرة الزيتون وقد هرمت وصارت جدة لم تتخل عن القص ورواية الحكايات وسرد التفاصيل للصغار والكبار، فكم من مرة جلس تحت ظلالها الشيوخ وتباركوا بها، وكم من أيام وشهور وسنين احتمى بها الفدائيون والمُقاتلون وهم يتفادون رصاصات الغدر ويصوبون بنادقهم تجاه عدوهم وعدو الجمال والإنسانية والحياة.

ليس من ذكرى مرت إلا وكانت الشجرة شاهدة عليها، فجذعها الصلب مليء بالإصابات، فهذه ضربة رصاصة طائشة استهدفت طفلا أو امرأة، استقبلتها الشجرة وافتدت بها غيرها، وتلك دماء الشهداء لا تزال آثارها ترسم خطوطاً وصوراً تتقاطع مع الأفرع والجذور تاركة بصمات الأيادي والكفوف والأصابع التي طالما صفقت للنصر وضغطت على زناد البندقية ولوحت بالعلم الفلسطيني في إباء وعزة.

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

الشجرة الفصيحة التي تتكلم العربية وتنطق شعراً لم تنس شيئاً من ذكرياتها ولا طفولة أبنائها ولا مرح البنات ودلالهن، هي أيضاً تبعث بأجل وأرقى صيغ الوفاء والعرفان للأبطال والشهداء وتُبرز ملامح صبرها آيات الحكمة واليقين بأن الغد الآتي بأحلامه المُبهجة أفضل بكثير من كوابيس الأمس، فلا ضجر ولا خوف ولا هزيمة طالما بقيت الأماني وبقي الإصرار على الصمود عنواناً عريضاً ينفي المذلة والهوان.

الحالة السينمائية الاستثنائية التي حققها المخرج سعود مهنا في فيلمه «جدتنا الزيتونة» إنتاج قناة «القدس» الفلسطينية، فرضت استقبالاً خاصاً للتلقي ومستوى مُعينا من المُشاهدة، إذ لا تستقيم الرؤية بذهنية تقليدية في ظل توظيف رومانسي خيالي لكل مفردات العمل، بدءاً من الإلقاء الشعري والتعليق المُرهف على الأحداث لدعاء الباز بصوت راسخ يمتلك زمام اللغة وناصية البلاغة واحترافية التفخيم والتعظيم للكلمات والعبارات الدالة على المعنى، وانتهاءً بالجملة الختامية للأحداث المستوحاة من شعر محمود درويش «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» مروراً بكافة المؤثرات الإبداعية الأخرى كالتصوير والموسيقى والإضاءة والمونتاج والمكساج.

كما أن مجموعة المُمثلين والمجاميع التي شاركت في العمل كجنود وضباط ومقاومين مدنيين وفدائيين، كانوا جميعاً برغم ظهورهم الصامت يمثلون واجهة التحدي الحقيقية التي تفرض الواقع الحي المُعاش برغم أنف الأعداء، فبحضورهم القوي اكتملت الصورة الإنسانية وازدادت عمقاً في معانيها وإشاراتها الذكية الموحية بقبول مبدأ الروح مُقابل الأرض بلا مُهادنة أو تفاوض أو استسلام أو مُقايضة على كل غالي ونفيس بما هو أدنى وأقل، إذ لا مجال للمُساومة قط، فالقوة أساس التغيير وأن الشجر والحجر والبشر الذين يحكون ويقصون فصول المعاناة والمأساة لن يقبلوا بأن تُدنس الصفحة البيضاء للنضال الفلسطيني بما يُسمى بالمفاوضات والاتفاقات.

ذلك هو الحديث الضمني الافتراضي حسب رؤية كاتب السيناريو أبو هاشم والمُخرج سعود مهنا لشجرة الزيتون الجدة التي نبتت وكبرت وهرمت وسط رياح القصف والدمار وسجلت ذاكرتها بيانات الأجيال جيلاً بعد جيل، من شهيد إلى مُصاب إلى طفل تتشبث كفه الصغيرة بالحجر ويُعانق الخطر غير مُبال بما يقع وما يحدث، فشعاره هو الأمل ونشيده هو النصر.

هكذا جاء نبأ الشجرة العجوز ذات الكبرياء وصاحبة العصمة الوطنية وأم الشهداء والأبطال وعنوان البلدان والطرقات والبيوت. كلمات منثورة وأخرى مُقفاة تُلخص الرؤية السينمائية المُتخيلة عن شهادة صادقة لكائن حي يأبى الموت ويرفض السقوط. (المصدر: القدس العربي)

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/197954