/مقالات/ عرض الخبر

"الانتصار ليس خيارا بل هو فريضة وواجب حتمي"

2022/06/06 الساعة 10:24 ص

بقلم: راغدة عسيران

في يوم 6/6/2020، توفي القائد المجاهد الدكتور رمضان شلح، الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي، بعد مرض عضال أبعده عن العمل لما يقارب السنتين. قالت الحركة في بيان النعي "هذا القائد الكبير الذي نذكر تاريخه وجهاده منذ تأسيس حركة الجهاد" أنه كان "فارس الكلمة وفارس الموقف ورجل المقاومة" وأنه "كان رجلا كبيرا وقائدا مميّزا حمل الأمانة على أفضل ما يكون وحافظ على راية الجهاد عالية".

لقد تم انتخاب المجاهد الراحل الدكتور رمضان شلح أمينا عاما لحركة الجهاد الإسلامي بعد استشهاد القائد المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي في 26/10/1995، ما يعني أنه حمل الأمانة لأكثر من 22 عاما، في أصعب وأخطر الظروف التي شهدتها الساحة الفلسطينية والساحات العربية عموما، بدءا من اتفاقيات أوسلو في العام 1993 وتداعياتها على الوضع الداخلي، حتى تولي الرئيس دونالد ترامب رئاسة الحكم في الولايات المتحدة، في العام 2017، والتي سيكون لها تداعيات خطيرة على وضع مدينة القدس والقضية الفلسطينية من جهة وعلى الهرولة العربية نحو التطبيع مع كيان العدو وإبرام الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية معه، مرورا بما سمي ب"الربيع العربي" ومشتقاته في أكثر من ساحة.

لكن، بالمقابل، شهدت المنطقة صعود تيار المقاومة بعد انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان ودحر الاحتلال الصهيوني (2000) واندلاع انتفاضة الأقصى التي عمّت كل فلسطين، قبل أن تشن قوات العدو حربها على لبنان (2006)، ثم على قطاع غزة (2008-2009)، حيث صمدت المقاومة في لبنان وفي فلسطين في وجه آلات التدمير الممنهج وأرست قواعد ردع أظهرت هشاشة الكيان وإمكانية الانتصار عليه. واستكملت المقاومة الفلسطينية بناء قواتها في قطاع غزة وخاضت عدة حروب، في الأعوام 2012 ثم في 2014، حيث راكمت إنجازاتها، قبل اندلاع انتفاضة القدس في العام 2015.

خلال هذه الفترة التي شهدت هذه الأحداث، عمل القائد الراحل رمضان شلح على عدة جبهات. فكان عليه أولا التركيز على البناء الداخلي وتوسيع بنية الحركة التنظيمية والمؤسساتية، كما صرّح في إحدى المقابلات (1999)، قائلا: "انصبت جهود الحركة، في جزء كبير منها، على تنظيم شأنها الداخلي وترتيب أمرها بما يعينها على الثبات ومواصلة الطريق والنهج الذي خطه الشهيد والمؤسس. وبتساقط بعض المفردات التي التحقت بالمشروع، في أوقات أكثر فسحة وأقل محنة، تمت عملية فرز وتنقية طبيعية للصف، وقد قطعت الحركة شوطا كبيرا في إعادة البناء المتواصل حتى تجاوزت مرحلة الخطر، وبلغت حالة من النضج والاستواء مكّنتها من استيعاب آثار غياب المؤسس. وتكاملت منظومة عملها بامتداداتها الداخلية والخارجية في انسجام تام، واستعادت قدرتها على الفعل الجهادي والحضور الشعبي كرقم حقيقي لا يمكن تجاهله في الساحة الفلسطينية."

انطلاقا من الأسس الفكرية والسياسية التي وضعها المؤسس الشهيد فتحي الشقاقي مع أخوانه، ومن أجل تحقيق هدف "تحرير فلسطين، كل فلسطين"، رغم اختلال ميزان القوة لصالح العدو، عمل القائد المجاهد رمضان شلح على الإعداد والاستعداد، وقد صرّح (2012) أن "الإعداد وطول النفس والاستعداد هو الحل".

فأعاد ترتيب الجناح العسكري للحركة خلال انتفاضة الأقصى، بتشكيل "سرايا القدس"، والتي واكب تطويرها بشكل مباشر، من التدريب الى التجهيز وصناعة السلاح، معتبرا أنه يجب "أن نكون على أعلى درجات الجهوزية، وأن لا ندخر جهدا في تعزيز الإمكانات والقدرات القتالية".

لقد شكلت مرحلة انتفاضة الأقصى أول امتحان لهذا التوسع القاعدي والتماسك والاستعداد العسكري، ثم تأكدت أهمية بناء هذه القدرات العسكرية في الحروب التي شنها العدو على قطاع غزة، وأخيرا، خلال معركة "سيف القدس" (2021)، التي شنّتها المقاومة دفاعا عن القدس وفلسطين.

من ناحية أخرى، كان القائد المجاهد يولي أهمية كبرى للعنصر البشري في بناء القدرات والاستعداد للمعارك: "فالعنصر البشري بما يملك من روحية ومعنوية عالية، أثبت أن مقولة التفوق النوعي "الإسرائيلي" مقولة غير صحيحة"، وهو العامل الأول للانتصار، والذي من خلاله "نستطيع أن نجابه هذا الميزان المختل لصالح العدو. فإن العنصر البشري والتفوق المعنوي لإنسان المقاومة كان يشكل نوعاً من التعويض في هذا الميزان... والذي أثبت تفوقاً نوعياً كعنصر بشري في المعركة هو الإنسان العربي حتى عندما يتعاطى مع التقنية ومع السلاح"، كما ثبت في معركة تحرير جنوب لبنان، والتي قلبت المعادلة وأعطت زخما لتيار المقاومة، وكما ثبت أيضا في الحروب التي خاضتها المقاومة في قطاع غزة، عندما استخدم الانسان الفلسطيني العربي التقنيات والسلاح في المواجهة.

لقد واجه القائد، في الساحة الفلسطينية، اتفاقيات أوسلو والسلطة المنبثقة عنها، عمليا وسياسيا وفكريا.من الناحية العملية، فكان رفض المشاركة في السلطة عن طريق الانتخابات، ورفض الانزلاق الى الاقتتال الداخلي، رغم الملاحقات التي عانت منها الفصائل، وخاصة حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس، والتنسيق الأمني مع أجهزة العدو القمعية، المستمر الى اليوم.

من الناحية السياسية، لم يترك القائد الدكتور رمضان شلح مناسبة إلا وكان يفضح مسار التسوية ويبيّن خطورته على القضية الفلسطينية وعلى وحدة الشعب الفلسطيني، معتبرا "إن ما يجري في ظل السلطة ليس فسادا وإنما هو إفساد مخطط ومقصود لتدمير أخلاق الشعب الفلسطيني وقيمه، ولكسر إرادته وروحه النضالية من أجل تيئيسه وسلبه القدرة على أي نوع من المقاومة.." (1999)، إضافة الى أن مسار التسوية والمفاوضات مع العدو لم ولن يأت بدولة أو أي كيان آخر، كما ثبت ذلك بعدما يقارب 30 سنة على هذا النهج، بل يفرّط بالأرض والقضية والقدس والحق الفلسطيني، ويعمّق الانقسام في الساحة الفلسطينية.

في المقابل، كان يؤكد على أهمية مسار المقاومة، المسار الوحيد الذي يفتح آفاق التحرير ويوحّد الشعب والأرض، وقد سعى الأمين العام السابق الى توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة العدو. فكانت علاقاته جيدة مع كافة الفصائل ومكوّنات الشعب الفلسطيني، ايمانا منه بضرورة تشكيل "الجماعة الوطنية، من أجل بناء حركة وطنية على قاعدة الانتماء الى الوطن، بعيدا عن أي صراع إيديولوجي أو عقائدي، لأن الصراع الوحيد الذي له الأولوية هو الصراع مع الاحتلال" (2014).

لقد وضّح القائد الراحل طبيعة الكيان الصهيوني والمستوطنين الذين جاؤوا "من وراء البحار" وعلاقته مع القوى الامبريالية العالمية، ليؤكد من ناحية، على الحق الفلسطيني في أرضه ومقدساته كلها، وليبرهن على استحالة التسوية معه، وليشدّد من ناحية أخرى على الخطر الذي يمثله على الأمة، وليس فقط على فلسطين: تمثل "إسرائيل" "خطر يومي ومباشر على الشعب الفلسطيني و(تهديدا) للعرب والمسلمين بل كل المستضعغين في العالم عبر علاقاتها بالنظام الدولي والأخطبوط الرأسمالي الكوني الذي يتحكم في العالم بقيادة رأس الإمبريالية أميركا".

لقد تحدّث مرارا للصحافة وفي المؤتمرات والندوات عن مركزية القضية الفلسطينية للأمة وللحركة الإسلامية، منبّها لخطورة التطبيع معه، بل أكثر من ذلك، لضرورة المشاركة في مواجهة العدو وعدم استبداله بعدو وهمي، وكان يتأسف لعدم استيعاب دور الكيان الوظيفي وارتباط وجوده بتجزئة الأمة واستحالة نهوضها، من قبل بعض الحركات الإسلامية في العالم العربي. يقول: "إن شعار القضية الفلسطينية هي قضية مركزية للحركة الإسلامية، ليس مجرد شعار سياسي نتيجة مرحلة سياسية معينة في الصراع. لا، إنه شعار استراتيجي لا تلغيه معطيات سياسية لأنه يتعلق بالمقدس"، و"أن صراع الأمة مع التحالف الغربي – الصهيوني على فلسطين ليس صراعا على الأرض أو الثروات أو الموقع الاستراتيجي فحسب، بل هو صراع حضاري شامل يمس بما له من أبعاد عقدية واستراتيجية وثقافية وسياسية وعسكرية واقتصادية كينونة الأمة ووجودها وهويتها ومستقبلها." (2000)

لا تشكل هذه المواقف والاسهامات العملية والفكرية والسياسية للقائد الراحل الدكتور رمضان شلح إلا جزءا بسيطا مما قدّمه للأمة بكل مكوناتها، وذلك بأسلوبه الفذّ في طرح الموضوعات، حيث كان يسعى دائما الى انتقاء المصطلحات وتفسيرها من أجل توضيح الفكرة وإزالة الضبابية والفوضى. وتشكل آخر اسهاماته، "الأسس والمفاهيم الإسلامية" (2018)، نموذجا حيا لهذا الأسلوب المميّز.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/182491

اقرأ أيضا