وكالة القدس للأنباء – خاص
تشكل ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار كل عام محطة أساسية من محطات المواجهة المفتوحة بين أصحاب الأرض الأصليين الذين تشبثوا بأرضهم، وبين شذاذ الآفاق الصهاينة الذين جيء بهم إلى فلسطين، لإقامة كيان عنصري فاشي، بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة، تؤدي دورا وظيفيا محددا بحماية مصالح الدول الاستعمارية، وضرب كل توجه عربي للتحرر والاستقلال والتقدم والوحدة، وإبقاء المنطقة مجزأة ومتخلفة وتابعة...
وإذا كنت الحروب العدوانية هي لغة التعامل التي مارسها الكيان الصهيوني بحق الدول العربية المتاخمة لفلسطين المحتلة والبعيدة عنها، فإن حربا من نوع آخر شنت على أصحاب الأرض الأصليين، استخدمت فيها سلطات الاحتلال وما تزال كل أشكال العنف والفاشية، والارهاب الجسدي والنفسي، المقوننة بمئات القوانين العنصرية، وكل ذلك بهدف وضع الفلسطينيين أمام واحد من خيارين: إما الخضوع والخنوع والاستسلام لمشيئة المحتل أو ترك البلاد والفرار.
كان صمود أبناء البلد هو الرد، وكان الثلاثين من آذار 1976 أول انتفاضة شعبية شاملة بوجه سلطات الاحتلال الصهيونية ومخططاتها التهويدية، شكلت نقطة تحول بارزة في مجرى المواجهة المفتوحة بين ابناء البلد وبين سلطات الاحتلال التي استهدفت ولا تزال شطب وإزالة كل ما هو عربي وإسلامي فوق الأرض الفلسطينية، لتسريع مخططات التهويد والصهينة، على طريق إقامة "الدولة اليهودية"!..
وعلى الرغم من ان الفلسطينيين يمثلون ما يقارب 21% من مجموع السكان في كيان العدو، إلا انهم يعانون من اضطهاد عرقي وديني ومن تمييز عنصري على كل الصعد والمستويات منذ عهد النكبة. وقد تنوعت أساليب الاضطهاد تحت ستار اعتبارات عسكرية وأمنية. ومن أجل تكريسها على أرض الواقع سنَّ (الكنيست) عددا كبيرا من القوانين التي هدفت لتثبيت وتعزيز التفرقة العنصرية وترسيخ فكرة "يهودية الدولة"...
وكانت تلك القوانين بمثابة العصا والتهديد والعقاب لعرب الـ48، كقانون النكبة الذي ينص على حرمان أي جسم او مؤسسة مدعومة من الدولة كالمجالس المحلية من 3 اضعاف ما يتم صرفه على أي فعالية تعتبر يوم قيام "اسرائيل" هو يوم نكبة... وقانون الجنسية الذي يخول المحكمة سحب المواطنة من كل من يُدان في مخالفة تمس بـ"أمن الدولة"، والقسم لمن يحمل الهوية اليهودية، بيهودية الدولة، بما يهيئ لسحب الهوية ممن لا يقبل ذلك من الفلسطينيين، وطردهم من أرضهم... وقانون خصخصة اراضي اللاجئين الذي يمكِّن سلطات العدو من نقل مساحات شاسعة من الأراضي المصادرة من الفلسطينيين الى (الكيان)... وقانون منع لم الشمل والذي فُعّل منذ أن أُقرّ في العام 2002، بحيث جمدت كافة طلبات لم الشمل، الأمر الذي هدد استقرار الكثير من العائلات وفرض عملية "الترانسفير" بغطاء من القانون والقضاء، وتطول قائمة القوانين العنصرية المشابهة او مشاريع القوانين المقترحة، كمقترح قانون اللغات الهادف لشطب اللغة العربية كلغة رسمية، وقانون "منع رفع الأذان"، والتي تأتي في اطار سياسات ومحاولات ممنهجة لطمس الهوية والثقافة الفلسطينية العربية.
ويعد مشروع قانون "الدولة القومية اليهودية" تتويجاً لما سبقه من قوانين عنصرية، لما يعكسه من تكريس وترسيخ للمزاعم الصهيونية في "يهودية الدولة"، وإلغاء الهوية العربية والحقوق الجماعية للشعب الفلسطيني.
"يهودية الدولة واللغة العبرية رئيسية"
ينص القانون الذي قدمه الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" الصهيوني، عضو الكنيست، آفي ديختر، على أن "دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي"، وأن "الحق بتقرير المصير والتعبير عن الهوية والتماهي مع الرموز القومية يقتصر فقط على اليهود"، وأن "تكون العبرية هي اللغة الرئيسية والوحيدة للدولة، بينما تلغى العربية كلغة رسمية وتصبح ثانوية، مع منحها مكانة خاصة وضماناً للناطقين بالعربية بالحصول على خدمات الدولة بلغتهم".
كما تشدد بنود القانون الجائر على أن "الرموز اليهودية والصهيونية هي الأساس في النشيد الوطني وعلم الدولة، مع منح الأفضلية للطابع اليهودي على النظام الديمقراطي"، على أن يضمن التشريع "لكل مواطن، ودون تمييز، الحفاظ على ثقافته وتراثه، وتكون الدولة صاحبة الحق في إقامة بلدات خاصة بالمجموعات الدينية وأبناء القومية الواحدة".
واللافت في مضمون البنود أيضاً، أنه عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني في 6 تشرين ثاني/ نوفمبر الفائت، تم تعديل صيغة القانون لتصبح "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل"، بدلاً من "القدس هي عاصمة إسرائيل"، وذلك يصب بهدف التأكيد على رفض حكومة بنيامين نتنياهو لأية تسوية سياسية بشأن القدس.
ورغم أن القانون لا يزال يشكل نقطة جدل حول بعض بنوده داخل أحزاب الائتلاف الحكومي الصهيوني، إلا أنه يحظى بمباركة غالبية كبار قادة ورؤساء وأحزاب الكيان الصهيوني، حيث يعتبر رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أن "القانون سيُسجل كأحد أهم القوانين في صفحات تاريخ دولة إسرائيل"، فيما وصفت وزيرة القضاء الصهيونية، إييلت شاكيد، القانون بأنه "فرصة تاريخية"، كما قال عضو الكنيست، أمير أوحانا، أنه "يحافظ على حقوق الأقلية، لكنه يقرر بوضوح أن الحقوق القومية هي لليهود وحدهم".
القانون إعلان حرب على فلسطينيي الداخل
اعلن فلسطينيو الداخل بأحزابهم وهيئاتهم ولجانهم المحلية ونوابهم رفضهم لهذا القانون العنصري الجائر،
الذي يعتبرونه بمثابة إعلان حرب، ومن شأنه أن يمس بالمواطنين العرب المقيمين في الداخل المحتل، ويضعهم على سكة "الترانسفير" التي لطالما هددت بها حكومات العدو والأغلبية الساحقة من الأحزاب والكتل البرلمانية الصهيونية، إضافة إلى أن هذا القانون يشطب حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين في أنحاء العالم إلى الداخل المحتل، على اعتبار أن هذا الكيان هو "دولة يهودية" لا مكان فيها لغير اليهود.
وأكد النائب عن "القائمة العربية المشتركة" يوسف جبارين، أن"القائمة ستعمل على تأسيس لوبي برلماني ينشط على صعيد المجتمع الدولي والكنيست، من أجل إفشال تمرير القانون بصيغته الحالية كونه غير دستوري وغير ديمقراطي".
ان مواجهة أبناء الداخل المحتل لسلطات الاحتلال وقوانيها العنصرية، دفاعا وحماية للأرض وصونا للحقوق، هي جزء لا يتجزأ من مواجهة الشعب الفلسطيني المفتوحة مع هذا العدو الذي يحتل الأرض ويغتصب الحقوق... وأكدت المواجهات المفتوحة مع سلطات العدو التي شهدتها مدينة القدس دفاعا عن الأقصى وكنيسة القيامة، وإبان الانتفاضات والهبات الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تلاحم الشعب الفلسطيني في معركته مع المحتل الغاصب للأرض الفلسطينية.
وسوف تشكل "مسيرات العودة الكبرى" التي ستنطلق في يوم الأرض في الثلاثين من آذار، وتتواصل فعالياتها في المناطق الحدودية مع الداخل المحتل إلى يوم النكبة في الخامس عشر من أيار المقبل، عنوانا لمرحلة كفاحية جديدة.