وكالة القدس للأنباء - خاص
كيفما سرت في شوارع مخيم شاتيلا، تصادفك بسطات بيع عصير البرتقال، في ظاهرة قد تبدو في الوهلة الأولى مستغربة، أو قد تربطها بشهر رمضان المبارك حيث يتهافت المواطنون على شراء العصير كي يرووا ظمأهم بعد يوم حار، غير أن هذا التساؤل أو الإستغراب سرعان ما يتبدد عندما تلحظ من خلال أحاديثك مع أصحاب هذه البسطات، أن بيع العصير أصبح مهنة، وهي لا تقتصر على موسم محدد، بعد أن سدت آفاق العمل في وجه الكثير من الشباب الفلسطيني.
"وكالة القدس للأنباء" واكبت حركة وعمل هذه البسطات وما يجري فيها من مضاربات، وحاورت العاملين في هذا المجال، فخرجت في انطباع واقعي وهو أن البطالة أحد أبرز الأسباب، رغم أن معظم أصحاب هذه البسطات يحملون شهادات، أو يتقنون مهناً محترمة ولديهم خبرة واسعة، لكن القوانين جائرة وفرص العمل النادرة حالت دون تحقيق مطلبهم.
الظروف والمسببات الدافعة لهذا العمل
اقتربنا من صاحب بسطة عصير ليمون في المخيم، يدعى حرب محمد حمدان، وسألناه عن دوافعه لهذا العمل فقال بأن مهنته الأساسية هي "كهربا بيوت" ولكن للأسف لا تتوافر له فرص عمل ، ما جعله يضطر إلى فتح هذه البسطة لتأمين مورد رزق ولو كان متواضعاً، وأشار إلى أنه جهَز البسطة قبل رمضان بأشهر عدة حتى يصبح معروفاً للناس، وقال:" برمضان بيزداد الطلب على عصير الليمون اللي ضرب كل أنواع العصائر الرمضانية الأخرى كونه المشروب الصحي المفيد ،وأخيراً قررت أن أتخذ من عصر الليمون مهنة لكي أوفر مصروفي".
وأوضح أنه:"يوجد في المخيم أكثر من 45 بسطة عصير ليمون وبتحصل مضاربات، والبعض يخفض من سعر القنينة، ولكن سبحان الله كل واحد بيأخذ رزقته، والحمد لله يوجد إقبال على العصير وصارت قنينة عصير الليمون أساسية على مائدة الإفطار".
وأضاف:" قررت أن أشتغل هالشغلة لأنه أي مشروع بدك تقدم عليه بحاجة لرأسمال والحالة تعتير، وهالشغلة ما بتحتاج لتكلفة مالية كتير بس طاولة ومكنة عصير وقفص ليمون".
وأكد أن:"صندوق الليمون زاد سعره عن السنة الماضية ووصل ما بين 12 وال 15 ألف ليرة ، الصندوق بيعمل معك 6 قناني كبار والقنينة عم نبيعها بـ 3000 ل.ل وإنت وحظك، لإنه أوقات بيعملك 4 قناني، وعندك سعر القناني الفارغة والمي الحلوة يعني كل يوم بدك 8 غالونات مي لحتى تغسل الليمونات".
وأسف حرب لما آلت إليه أوضاع الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان، والذي يعاني من ضغوطات ومضايقات من قبل قوانين الدولة اللبنانية ، لذلك أنا مستمر بهالمصلحة بعد رمضان لأنه ما في بديل وبدنا نعيش ورمضان كريم".
نعمل لتأمين قوت عائلاتنا
من جهته ياسر شرقية قال :" أنا بشتغل بمصلحة الدهان وصرلي سنتين عاطل عن العمل، وفتحت بسطة العصير فقط خلال الصيفية لحتى نصمد مصاري لأنه بالشتاء بقل شغل الدهان، خصوصاً معظم العالم بتدهن بيوتها بنفسها.
هذه الشغلة لا تحتاج إلى مبلغ كبير من المال، لذلك ترى العدد الكبير من بسطات العصير في المخيم، وبيحصل مضاربات لكثرة الباعة، وحسب حظك بالليمون إذا كان ناشف ما بيعصر أو كثير الحموضة ساعتها رح تكون بحاجة لقفص جديد وهون بتحصل الخسارة لأنه الربح 6000 ل.ل بكل صندوق."
ولفت بلال اللداوي إلى أنه عامل بناء ولكنه حالياً عاطل عن العمل، لذلك قرر فتح بسطة العصير في شهر رمضان لكي يؤمن لأسرته بعض احتياجاتها.
ورأى أن "كل شي عم بيغلى، فصندوق العصير كان حقه 8000 ل.ل وصار سعره 13000 ل.ل والواحد هو وحظه، أوقات كتير بيجي الليمون مضروب أو ناشف وما بيعصر فمنتحمل الخسارة، لأنه بدنا نعيش والحمد الله على كل حال".
وأكد محمد شعيب أنه يعمل في مهنة تصليح السيارات وهو حاصل على شهادة في الميكانيك، ولكنه لم يجد فرصة في العمل بشهادته وليس لديه الإمكانات المادية لفتح محل تصليح سيارات، لذلك قرر فتح بسطة عصير لأنها لا تحتاج إلى تكلفة باهظة ، ولكي لا يبقى عاطلاً عن العمل لفترة طويلة .
ويقول شعيب بأنها السنة الثانية له كبائع عصير وهو يريد الإستمرار في ذلك بعد رمضان، لأنه المعيل الوحيد لأسرته المكونة من زوجته وأطفاله الثلاثة.
وأشار إلى أنه استدان حتى تمكن من فتح هذه البسطة، وأضاف:"المطلوب مني أن أتحمل الخسارة في حال طلع الصندوق مضروب، ناهيك عن المضاربات التي تحصل وسعر الليمون في ارتفاع مستمر، والحمد لله عايشين مستورين عمنقدر نؤمن لقمة الخبز لعيالنا".
بعد هذه الجولة شعرنا بالأسى لما وصل إليه الفلسطيني من ضائقة، فكل الظروف المحيطة به تدفعه لإبتداع أساليب عيش جديدة، على أمل أن يحمل الغد وعداً مختلفاً يقلب كل هذه الأوضاع رأساً على عقب، وهي إن دلت على شيء إنما تدل على تمسك الفلسطيني بالحياة والكرامة، فهو يرفض الخنوع وينتصر على الفقر والفاقة، واضعاً نصب عينيه العودة إلى أرضه ووطنه وبيَاراته التي سيحول برتقالها إلى مواسم تدهش العالم.