وكالة القدس للأنباء – خاص
امتاز شهر رمضان المبارك في الأوساط الفلسطينية بكثير من العادات والتقاليد الجميلة، تركزت على الألفة والمحبة والعبادة، والاهتمام بالفقراء والأيتام، وتعزيز الأواصر الاجتماعية.
ماذا بقي من هذه العادات، وهل تخلى الجيل الجديد عنها، وكيف بالتالي يمكن إحياء الخصائص المفيدة منها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، جالت "وكالة القدس للأنباء" على المخيمات الفلسطينية من الجنوب مروراً ببيروت وصولاَ إلى الشمال.
فتقول أم علي من سكان مخيم برج الشمالي:" كنا في السابق ننتظر المسحراتي بفارغ الصبر، الذي كان يجول في المخيم على ظهر حمار، أما الإفطار فكان جماعياً يجمع العائلة كلها، وجدتي هي التي تعد الطعام، وعمي يحضر العصائر ثم يسكبها في كارات، وننتظر جميعاً سماع صوت المدفع بشوق كبير الذي يسبقه إرسال أطباق الطعام إلى الأقرباء والجيران، كما كنا نفرح بصلاة التراويح".
غياب المسحراتي والأستماع للقصص
واعتبرت الحاجة أم فتحي أن " رمضان كان أجمل بكثير، حيث كنا ننتظر سماع صوت المسحراتي الذي يتلو القرآن بصوت عذب ، أما اليوم فالمسحراتي يدق الطبل قائلا " اصحى يا نايم وحد الدايم "، وأذكر أن أمي كانت تطهو الأكل من أجل السحور ' رز أو ملفوف" وفي الصباح تخبز لنا على الصاج الذي تجتمع عليه نساء الحارة ويعدونه سوياً. كما كان يميز رمضان شراب قمر الدين وتبادل أطباق الطعام وصوت المدفع. أما بعد الافطار كان الجميع يجتمع في بيت الحكواتي لسماع قصص الزير سالم وغيرها التي تبقى لمنتصف الليل لكن اليوم يشاهدون التلفاز".
تغير الحال كثيراً لكن الحاضر حافظ على تراث الماضي وبقيت صلاة التراويح لأهميتها، أما شراب قمر الدين فقد اختفى قليلاً عن الأضواء ليحل مكانه الجلاب والتمر هندي. كل هذه العادات والتقاليد بقيت محببة عند الجميع وهذا ما أكد عليه الجيل الجديد.
ويقول يوسف دحويش أن " تبادل الطعام والعزائم عادات جيدة فهي من ثراثنا ، ومن أفطر صائماً فله الأجر عند الله تعالى، كما أنه إجتماع على طاعة يزيد العلاقات بين الناس، فالطعام علامة محبة، أما المسحرتي اليوم فيحتاج الى تنظيم كل 5 دقائق يأتي أحدهم وذلك من أجل جمع المال في العيد".
أما ديانا بكار فتقول" هذه العادات أمر ضروري في رمضان وتجعل لرمضان طعم آخر خصوصاً بالافطارات الجماعية التي تسمح لنا الالتقاء بالآخرين، فنبتعد قليلاً عن الفيسبوك والوتساب ونتبادل الأحاديث مع بعضنا البعض".
وهذا ما أكدت عليه رنيم جمال بقولها:" هذه العادات من عزائم وافطارات جماعية وتبادل الطعام هي مميزة لرمضان وأراها من أجمل العادات لأنها تقوي العلاقات بين الناس وتعزز الحب بين الجميع، وصلاة التراويح ضرورية تجمع الناس على الخير والأجر العظيم".
واعتبرت الحاجة هنية من سكان مخيم الرشيدية، أن "العادات والتقاليد التي كنا نتبعها برمضان قديماً كانت تتمثل في الكثير من الأجواء الاجتماعية، حيث كنا نقوم بتبادل الأطباق الرمضانية، إضافة إلى تقديم الوجبات للأيتام والأرامل، وهذا مما كان له تأثير في توطيد العلاقات الاجتماعية بين الجيران وأهالي الأحياء، أما في أيامنا هذه فقد قلت هذه العادات ومن يحتفظ بها هم قلَة."
ورأى الشاب حسين محسن، أن "لشهر رمضان بهجة في أجوائه الإجتماعية التي يتساوى فيها الجميع من غني وفقير وكبير وصغير، ويقوم الميسورون على خدمة من هم عاجزين والنظر في أحوالهم وتقديم ما يحتاجونه."
وأوضحت الحاجة أم فادي، أن "من العادات التي لا زلنا محافظين عليها هي اجتماع جل أفراد العائلة على مائدة واحدة في وقت الإفطار، فالكثير من الناس في هذا الوقت ضيعوا هذه العادة التي هي أساس محبة الإخوة واجتماعهم في منزل الأمومة التي ربتهم على صحن واحد ، وقالت:"أنا بتوجه إلى كل الأمهات والعائلات بأن تقوم بالعمل على إحياء هذه العادة والتمسك بها لأنها تزيد الإرتباط بين أفراد العائلة الواحدة."
وأشار الحاج أبو محمود غنام، إلى أن "من أهم العادات التي فقدناها والتي كنا معتادين عليها هي تجوال المسحراتي الذي كان يتجول كل يوم في أرجاء الحارات، لأنه في الماضي لم تكن العادة مثل هذه الأيام من الموبايلات التي أصبحت وسيلة في إيقاظ الآخرين، كما أن السهرات الجماعية أصبحت تنقرض، فالكثير أصبح يفضل مشاهدة المسلسلات التلفزيونية على الجلوس والحديث مع أفراد العائلة، إضافة الى ظاهرة النت والموبايلات الحديثة التي باتت تجعل الفرد يتواصل مع عالم آخر غير عالمه."
افتقدنا الأمن والأستقرار وراحة البال
وتقول الحاجة أم عماد من مخيم عين الحلوة، أن"رمضان كان قديماً له بهجة أكثر حيث الهدوء والسكينة والأمن والإستقرار وراحة البال، وكان الشبان يصعدون إلى التلال المرتفعة حتى يروا الشمس تغيب ترقباً لساعة الإفطار، وتقوم الناس قبل عيد الفطر بأسبوع بدهن المنازل وتعزلها وغسل الفرش والحرامات والستائر، والجيران والأقارب نتعاون ضمن الأحياء في تلك الأمور، ونبدأ بيت بيت كما كنا قبل العيد بيومين نعمل المعمول البتي المكون من التمر والجوز والفستق، أما حالياً تقول الحاجة:" تغيرت التقاليد وأغلب الناس فقدت روح التعاون والألفة التي عشناها سابقاً."
كما أشارت إلى تبادل أطباق الطعام ببن الأهل والجيران ومنها: كبة حيلة المكونة من صراصيرة ناعمة من لسميدة والقريصة مع دبس البندورة لبنية رز، أما الحلويات فكانت الزردة المكونة من الرز والحليب واليانسون نعبيها بالصحون حتى وقت الإفطار، أما حالياً الأطعمة تغيرت رغم كل ذلك يبقى شهر رمضان شهر خير وطاعة وفيه نتقرب إلى الله تعالى".
أما انشراح أم محمد فقالت :" لقد كانت حياة المرحومة والدتي تطبخ لنا بشهر رمضان سميدة وبندورة وبرغل ومخبوصة، أما حالياً هذه الأنواع من الأطعمة لم تعد موجودة على سفرة الطعام بشهر رمضان المبارك، وأصبحت اللحوم والدجاج والمعجنات هي أساسية لهده السفرة، كما كانت تصنع لنا الهريسة صواني الحلو من طحين الذرة". واشارت إلى أن أهل الخير الميسورين كانوا يبحثون عن الأيتام والأرامل والفقراء من أجل إنفاق المال عليهم زكاة عن أموالهم".
الحاجة فاطمة حليحل شرحت لنا كيف كان الناس يعيشون خلال شهر رمضان أجواء المحبة والتواصل وصلة الأرحام قائلة أن "الحياة الإجتماعية كانت أفضل من اليوم بكثير، حيث كانت أطباق الطعام تتداول بين الجميع رغم الفقر الذي كانت أغلب الأسر تعيشه، وكانت البركة تخيم علي الأسر والتي نفتقدها حالياً، وأغلب الرجال والشبان كانوا يعملون في معامل توظيب الحمضيات والليمون في البساتين، وكانت حياتنا تسودها البساطة، كما كان الأمن والإستقرار يسود أجواء المخيم وكبار السن يمونون على الشبان والإحترام كان أساسي بين الناس على عكس ما نعيشه اليوم."
وقال الشاب عمر حسن، من سكان مخيم نهر البارد:"أن لرمضان عادات وطقوس تختلف تماماً عن باقي الأشهر فترى العائلة بأكمالها تجتمع على مائدة واحدة، وترى تبادل الطعام بين الجيران والأهل والأحباء في ما بينهم، ويدل ذلك على صلابة العلاقة الإسلامية التي علمنا إياها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ".
ورأى أن "هذه العادات التى ورثناها عن أسلافنا وأجدادنا نحافظ عليها إلى اليوم، ومنها المسحرين الشباب وتبادل الطعام والشراب وكثرة عمل الخير".
تبادل الأطعمة وزيارة الأهل والجيران
أما الحاجة حصن خالد لوباني فتقول:"كانت الناس تحب بعضها البعض حيث كان يتم تبادل الطعام والخبز والحلويات بين الجيران، وكانت الناس تزور بعضها والكل يعرف أوضاع الآخر، أما اليوم كل هذه العادات تتلاشى مع مرور السنين."
وأوضحت الحاجة تمام محمد محمد:"كنا نبدء بتحضير الطعام بعد صلاة العصر حيث نحضر الأطعمة المختلفة والحلوى ونتبادل الأطعمة مع الجيران، وفي الماضي كان المسحر ينشد مدائح دينية أما اليوم أصبح التسحير مثل زفة العريس".
وأكدت الحاجة ريما حسين واكد :"كانت الناس تحب بعضها البعض حيث كانوا يجهزون طعام من العصر حيث كانت تتننوع مائدة الطعام، أما اليوم الوضع الاقتصادي صعب ويتم تبادلها بين الجيران، بالاضافة إلى تحضير كعك العيد آخر رمضان ولكن اليوم هذه العادات في تراجع."
وتقول ريان محمد سكر من سكان مخيم شاتيلا، أن"أبرز العادات في رمضان هي عزائم الإفطار عند الأقارب الأصدقاء وشراء الحلوى للبيت الذي تقام فيه العزومة، وبعد الإفطار ذهاب الأهالي إلى صلاة التراويح في الجوامع هي كعادات وطقوس رمضانيه في آن واحد، أما الجيل الجديد فيتعاطى بإيجابيه مع هذه العادات يطبق بعض منها لكن لا بد من ممارسة بعض الطقوس المميزه في الشهر الفضيل كشراء الملابس الجديدة في رمضان وتحضيرها للعيد".
ورأت الحاجة أم عاطف أن" رمضان يبقى شهر الخير والغفران، ولكن قليل من الناس بتتقيد بالعادات الرمضانية اللي ربينا عليها، صارت الناس تفطر بالمطاعم وبأكلات أجنبية، وما في تبادل الأطباق بين الجيران طيلة أيام الشهر، وقلَت المودة والزيارات بين الناس والصغير ما بيحترم الكبير والله يلطف بالعباد ... ورمضان كريم".
رمضان كان في الماضي أجمل
وقال أبو محمد خلايلي، أن "شهر رمضان هو شهر العبادة، والصوم مش بس أكل ... هيك أهلنا ربونا على العادات الرمضانية الأصيلة، وليس الجلوس أمام التلفاز ومشاهدة المسلسلات لساعات بدل ما يجلس بالجامع ويواظب على دروس الدين وقراءة القرآن".
واعتبرت الحاجة أم قاسم شحادة من مخيم برج البراجنة:"رمضان زمان كان أجمل حيث كنا نتبادل الطعام مع جيراننا وأقربائنا، وكانت البيوت مفتوحة على بعضها البعض ولا يوجد فرق بين جار وآخر ومنزل وآخر، حيث كنا نحضر مائدة الإفطار في الحارة يجتمع عليها كل الجيران طيلة أيام الشهر الفضيل".
وأضافت:"كنا نتفقد جيراننا وأقربائنا في رمضان لكي نطمئن على وضعهم إذا كانوا محتاجين، ونحاول دعمهم بحسب الإمكانات، وكانت الألفة والمحبة تسود بين الأهالي، أما الآن فتجد البيوت مغلقة وكل شخص لا يعير الإهتمام لجاره ولا أحد يسأل عن أحد، وكل واحد منهمك بأشغاله وهمومه".
وتمنت الحاجة أم هيثم كساب لو يرجع الزمان إلى الماضي، حيث الحب والحنان والألفة بين الأقارب والجيران، مستذكرة والدتها التي كانت ترسلها إلى جيرانها للإطمئنان عنهم، ووالدها الذي كان يتألم كلما سمع بأن هناك مريض أو فقير".