وكالة القدس للأنباء - خاص
بدأت مسيرتها الجهادية وهي طفلة لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، فتحت عينيها على مجزرة "صبرا وشاتيلا"، وشاهدت فظاعاتها عندما كان الصهاينة وعملاءهم يذبحون النساء والشيوخ والأطفال، تأثرت بأعمال الفدائيين وانخرطت في صفوفهم، عاشت مرارة الإعتقال وكانت أقوى من السجان، كانت أمنيتها أن تستشهد فوق تراب فلسطين.
إنها إبنة قرية الياجور في فلسطين المحتلة، من سكان مخيم شاتيلا، كفاح العفيفي، وقد تحدثت لـ"وكالة القدس للأنباء" عن رحلتها المبكرة في العمل الجهادي ، فقالت:" التحقت بالعمل الفدائي سنة 1985، وكان معروف أنني أصغر بنت بالمخيم من ناحية النشاط وحفر الخنادق، وأوقف مع الشباب بالمواقع،وقد رآني الشهيد علي أبو طوق مرةً وقال لي :"الجرأة اللي عندك مش موجودة عند حدا"، موضحةً أنه لمس لديَ الإصرار والعزيمة لعمل شيء لفلسطين، فطلبت منه أن يدربني على استخدام السلاح، وكان دائماً يقول لي :"يا دلال الصغيرة ما رح تموتي إلا بفلسطين"، وحقيقة صدق معي وكان يعطيني كل يوم من وقته ويدربني على السلاح بغرفة صالح البدوي لفترة ، رجع استلمني الأخ بهاء وصار عندي خبرة".
هكذا كانت خطتنا لتنفيذ العملية
وكشفت أنه بعد استشهاد أبو طوق وخروج مقاتلي حركة "فتح" من المخيم، وتوجههم إلى منطقة شرق صيدا، إزدادت قناعتها بضرورة القيام بعمل يخدم قضيتها، بخاصة أن الشهيد وضع لها برنامجاً لتنفيذ عملية فدائية، غير أن الفصائل كانت ترفضها لكونها طفلة صغيرة ، وكانوا ينصحونها بمتابعة دراستها، لكنها توجهت إلى مخيم عين الحلوة والتقت منير المقدح وأصرت على طلبها بتنفيذ عملية استشهادية بفلسطين، فوافق وبدأ يدربهاعلى السلاح وأخضعها لدورة عسكرية شاقة أصيبت خلالها برصاصة في رجلها.
وأخيراً كان ما لها فانطلقت المجموعة التي تم إختيارها لتنفيذ العملية والمؤلفة من سبعة أشخاص:محمد سعيد القتناني، بدر الدين النواس، محمد جواد ، أبو ماهر، عبد الناصر مقصود، عبد الرحمن ياسين وكفاح العفيفي، من مخيم عين الحلوة، سيراً على الأقدام واتجهت إلى منطقة كفر كلا عند بوابة فاطمة التي تتمتع بجغرافية صعبة من جبال ووديان، وقد صودف في تلك الأثناء تنفيذ عملية "الحر العاملي" عبد الله عطوي التابع لـ"حزب الله" في تلك المنطقة ، وأضطرت المجموعة إلى تأجيل العملية ثلاثة أيام، وعادت إلى منطقة زوطر حيث اختبأت في أحد المنازل حتى الصباح، واتجهت نحو نهر الليطاني فمشروع الطيبة وكانت خطة العملية أن تكون استشهادية.
وأضافت:"بعد ما نزلنا إلى زوطر كان التخطيط إنه نفوت على فلسطين، وكان هناك تغيير دوريات للجيش الإسرائيلي يومين بالأسبوع، وكان المطلوب أن نصل لحظة تبديل الدورية، وبلحظات نكون قاطعين الأسلاك الشائكة وفايتين زحفاً إلى قلب فلسطين ونختبئ بين بساتين الليمون، وكانت العملية استشهادية ..
وصلت المجموعة منطقة كفر كلا بعد يومين ونص مشي، والميركافا فوقنا... وصلنا عند طلوع الضو وكان الأهالي قد خرجوا من بيوتها لقطف الزيتون، فما عاد فينا نعمل شي، فلجأنا إلى أحد المنازل وكان صاحبه يعلق صورة القدس لكننا فوجئنا أنه عميل لـ "إسرائيل"، وفجأة طوقنا من قبل جنود العدو ومعهم عناصر لحد، ودار اشتباك بيننا لكنهم فجروا البيت فينا، واصيب شاب معنا فقلت للشباب أن يسلموا أنفسهم، وأنا بطلع بفجر حالي، فسلم شابان ولما طلعت أنا طلعوا بوجهي الشباب مكبلين الأيدي، وسمعت صوتاً ينادي وين البنت الصغيرة، عندئذ طلعت وقلت لهم أنا البنت وكنت وقتها كتير صغيرة، فاستغربوا عندما شاهدوني ٍ".
قصتها مع السجن ودورها فيه
وأثناء الإستجواب، رفضت كفاح النطق بأي كلمة حتى يسمح لها بأن تلمس تراب فلسطين وتشم رائحتها ، وعندما فتحت بوابة فاطمة وأصبحت في قلب فلسطين، قاموا بتعصيب عينيها ووضعها في زنزانة رقم 3 وبدأو برش البنزين بالقرب منها وتهديدها بالحرق إذا لم تتعاون معهم.
بعدها نقلت إلى "سجن الموت في الخيام" حسب توصيفها، وقد مورس عليها أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي وقالت:"كان يمعن في تعذيبي العميل أبو فراس من جماعة لحد، فكان يضع عضاضة بفمي وينهال عليَ بالضرب والشتائم، وفي السبع سنوات التي أمضيتها هناك لا أذكر يوماً أنه نطق باسمي".
وتابعت:" من شدة التعذيب وضعوني بشوال وقالوا لي آخدينك لنعدمك، فنقلوني إلى مستشفى مرجعيون، وكانت تابعة لجيش لحد، وصار الأطباء يعذبوني بوضع آلة سحب العمل في أذني وأنا في كامل وعيي أنزف دماً".
وأكدت أنها كانت الأسيرة الفلسطينية الوحيدة في معتقل الخيام، وقد ساعدها على الصمود والصبر إمانها بقضيتها.
وأكملت دورها النضالي داخل السجن بتوعية الأسرى وتعميق المفاهيم حول القضية الفلسطينية، فزرعت بوجدانهم وذاكرتهم حب فلسطين ودعتهم إلى الصمود وقهر السجان.
تألمت الأسيرة المحررة العفيفي عندما خرجت من زنزانتها وقد وقعت إتفاقية مذلة مع العدو الصهيوني، كما تألمت من إطلاق سراح بعض العملاء بينهم العميل أبو عريضة الذي مارس ضدها أبشع أنواع التعذيب على مدارسبع سنوات وهو الآن حر طليق في منطقة صيدا.
تواصل العفيفي حالياً دورها النضالي فتنشط في مجال دعم الأسرى والمعتقلين من خلال "نادي الأسير الفلسطيني" بنابلس، كم تنشط في جمعية "عائلات لبنان تساند عائلات فلسطين" وفي عدد من الجمعيات الإجتماعية والثقافية وقالت:"بحس إنه هذا واجبنا وبدنا نكمله لأنه في ناس بحاجة للمساعدة أكثر من غيرهم".
وختمت العفيفي كلامها قائلةً:"نحن اللاجئون عانينا كثيراً وبحاجة لأرض تجمعنا، بحاجة لفلسطين لأننا شعب معطاء يضحي بروحه في سبيل القضية".