وكالة القدس للأنباء – خاص
بالخيوط والخرز نسجت اسم فلسطين، قضت أياماً طويلة ترسم خريطة بلادها، فهذا ما ورثته عن عمّتها التي علّمتها الكنفة، وبفضل مجهودها صنعت من كرات الصوف، شالات وقبعات تحمي أحبائها من برد الشتاء، ووضعت بصماتها الفنّية على الحرير، ليشهد لها الجميع، بأن أناملها الذهبية جعلت منها محترفة في التطريز.
هي إزدهار دلال، إبنة مخيم "الجليل" في بعلبك، التي بدأت بتعلّم الكنفة بعمر التسع سنوات، فكانت تقوم بمراقبة عمّتها لساعات طويلة دون أن تشعر بالملل أو الكلل، وبإصرارها وحبّها للتطريز، إكتسبت هذه المهنة .
في البداية، كان في المخيم حوالي مئتي إمراة تعملن في الكنفة، وذلك من أجل أن يكسبن لقمة العيش، في وقت كانت فرص العمل ضئيلة، فترى في كل منزل حوالي أربع أو خمس إناث يقضين وقتهن في التطريز، وفي بعض الأحيان كان الشباب يقدمون لهن المساعدة.
تطوير العمل وتصدير الإنتاج
في حديث مع "وكالة القدس للأنباء" قالت دلال: "كنا نشتغل لمؤسسة إسمها "الإنعاش"، كل واحدة تأخذ شغل على قد ما بتقدر من ركيات أو شراشف وغيرها، والمؤسسة تصدّر الشغل للأردن، والأردن تصدره على "إسرائيل" والدول الأجنبية، بس صرنا ننسج إسم فلسطين بالقطعة لِنشتغلها، ما بقى في تعامل بين الأردن والإنعاش، فصارت المؤسسة تشتغل وتتعامل مع أشخاص من كتير دول وتبيع."
عُرف عن إزدهار النشاط والإجتهاد، فكانت أول من يقوم بتسليم العمل المطلوب منها ، ففي كل كيس يستلمونه، يوجد قطعتان من القماش، وحسب ما أشارت إزدهار أن أجرهن على النصف متر من القماش هو 40,000 ل.ل ولكن يباع في الأسواق بمبلغ 200$.
في "الجليل"، مكتب تابع لمؤسسة الإنعاش، يفتح كل نهار جمعة من الساعة العاشرة وحتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، لتسليم العاملات في الكنفة خيوطاً في حال النقص وغيرها، ومع نهاية كل شهر يفتح المكتب أبوابه لتسليمهن قطعاً جديدة وإستلام عملهن السابق.
لم تكتف إزدهار بتعلم الكنفة فقط، فشغفها وحبها للأعمال اليدوية دفعها إلى مسك الصنّارة لحياكة الصوف والحرير، وكان عملها الماهر، عبارة عن عربون محبّة تهديه لأقربائها وأصدقائها. وأضافت دلال: "أنا الوحيدة بالمخيم، بشتغل صوف وحرير وكنفة ونول وإيتامين بوقت واحد، عندي هواية اشتغل هالشغلات، وعملت شي أربع خمس خرايط لفلسطين من الكنفة، كانت القطعة تاخد معي حوالي 12 يوماً".
تقلّص عدد العاملات في الكنفة
للأسف الشديد فإن عدد العاملات في الكنفة يتقلّص شيئاً فشيئاً، فقد أصبح عددهن حوالي العشرين إمرأة في "الجليل"، تتراوح أعمارهن ما بين الثلاثين والستين عاماً، ولم يعد هناك رغبة من قِبل الجيل الجديد في تعلّم الأشغال اليدوية، كونها تتطلّب وقتاً ومجهوداً كبيرين، فضلاً عن الفِكر والدقة في العمل"، وأضافت بحسرة:
"العدد كرمالو عم يقل، بكرا بس نموت نحنا ما بظل في حدا محافظ على هالتراث، مرة إجت بنت الجيران للتعلم، ظلِّت تجي على يومين وبعدين وقفت، فلازم يكون في مركز لتعليم البنات الأشغال اليدوية ويشجعهن بأي طريقة لإنو هالشغل بلّش ينقرض".
دلال إمرأة مثابرة، نشيطة وماهرة في عملها، تسهر لساعات طويلة من أجل تسليم عملها في الوقت المطلوب، وتقديراً لجهدها وتميزها في العمل، حصلت على العديد من الشهادات من قِبل مؤسسة الإنعاش، بالإضافة إلى المكافآت المالية ، حتى عمّتها، التي كانت الأساس في تعلّم إزدهار الكنفة والصنارة، تشهد بأن عملها تفوّق على الجميع، فتدخلت قائلة: "بنت أخوي أشطر مني، والقطبة إلي بتشتغلها ما حدا بيعرف يشتغل مثلها، وحتى بغير مخيمات، بياخدو شغل إزدهار كنموذج ليعلموا البنات".
ولماذا لا تفتح دلال عملاً خاصاً بها أجابت: "ما في حدا بيدعمني، لا دعماً مادياً ولا دعماُ معنوياً، هالقصة بدها مصاري كتير، وما في إمكانية، وما عاد في وقت معي متل الأول، أنا بدير بالي على خالتي لإنها مريضة."
مؤسسة الإنعاش، كانت تسعى لتعليم الكنفة، للأجيال الجديدة في مخيم الجليل، وذلك في العام 2009، وكان من المقرر بأن تكون دلال هي المعلمة، ونظراً لتعرض المؤسسة للسرقة توقف المشروع، لتبقى هذه المهنة عرضةً للزوال في المخيم، على أمل أن تظهر جهةٌ أو شخصٌ قادرٌ على تبني مثل هذا العمل المهم ليظل هذا التراث الفلسطيني حياً تتناقله الأجيال.