رافقت مشاريع إعادة توطين الفلسطينيين وتهجيرهم إلى المنافي البعيدة المشروع الصهيوني الغربي الإستعماري منذ بداياته الأولى، وذلك ترجمة لمزاعم آباء الحركة الصهيونية بأن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وكانت المجازر البشرية بكل صورها الإرهابية الفاشية التي نفذتها المنظمات الصهيونية طريقها إلى تحقيق ذلك الهدف. فلولا مجرزة دير ياسين "لما قامت إسرائيل" كما صرَّح مناحيم رئيس حكومة العدو الأسبق، زعيم منظمة "الهاغاناه" الصهيونية الإرهابية...
ومنذ كانت نكبة فلسطين، بتهجير الفلسطينيين وإقامة الكيان العنصري العدواني في العام 1948، ومشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين لم تتوقف. وقد تجاوز عددها الخمسين مشروعاً، بعضها استمر الجدل بشأنه بعض الوقت، وبعضها الآخر ولد ومات في لحظته. لكن الغالب على كل هذه المشاريع هو الفشل، وذلك بسبب رفض اللاجئين الفلسطينيين المطلق لكل تلك المشاريع، وتمسكهم بتحرير فلسطين وتحقيق العودة الحرة الكريمة إلى أرض الآباء والأجداد. وهم لذلك اختاروا العيش في أقرب الأماكن المتاخمة لفلسطين المحتلة. فلا هي (المشاريع) نجحت في توطين اللاجئين الفلسطينيين، ولا هي أنستهم حق العودة إلى ديارهم.
وفي هذه الأيام التي يحيي فيها الشعب الفلسطيني في كل مكان، الذكرى ال68 للنكبة، نستعيد تلك المشاريع، لنكشف لأبناء فلسطين مخاطر تلك التوجهات الغربية الإستعمارية التي لم تتوقف، والتي تستهدف تصفية قضية اللاجئين وإسقاط حق العودة خدمة للعدو "الإسرائيلي" وكيانه الإستعماري العدواني...
أبرز مشاريع التوطين
ومشاريع التوطين كثيرة، منها ما هو على المستوى الدولي وأخرى على المستوى العربي و"الإسرائيلي". ومن أهم المشاريع: على المستوى الدولي: "بعثة غوردن كلاب، مشروع جون بلاندفورد، مشروع إريك جونستون ، دراسة سميث وبروتي، مشروع جون فوستر دالاس، مشروع جون كينيدي، مشروع داغ همرشولد، مشروع جوزيف جونسون، مشروع مارك بيرون، مشروع إلينا روز لشتاين". أما على المستوى العربي والدولي: "لجنة ديفد بن غوريون، مشروع الجزيرة، مشروع سيناء، مشروع يغنأل ألون، وثيقة أبو مازن وبيلين، مشروع يوسي بيلين ووثيقة جنيف، مشروع سري نسيبة وعامي إيالون، وثيقة إكس آن بروفانس، مشروع ليفي أشكول".... وكل هذه المشاريع الغربية الإنتماء وتلك "الإسرائيلية" والعربية والفلسطينية، تتشارك في نقطة مركزية واحدة تنطلق وتصب في مصلحة الكيان العنصري، وعنوانها رفض عودة اللاجئين إلى أرض الأباء والأجداد، وحل قضيتهم بتوطينهم حيث يقيمون، أو توزيعهم على الدول العربية والغربية، مع منحهم بعض التعويضات المالية كما يشيع مروجو تلك المشاريع التي ما تزال تُطرح بين الفينة والأخرى، وآخرها ما أثير عن مشروع سيناء!.
تمويل خليجي لمشاريع هنا وهناك
امتدت المرحلة الأولى لمشاريع التوطين التي كانت المقترحات بشأنها تأتي من قبل حكومة العدو "الإسرائيلي" بشكل مباشر، منذ العام 1948 الى حقبة الخمسينيات وحتى العام 1967. وتميزت تلك المشاريع بالسرية وان كانت رسمية. ومنطلقها الأساس هو شعار "اذا لم تستطع حل المشكلة عليك بتذويبها"، خاصة بعد فشل محاولات التوطين الأولى وعدم مقدرتها على حل قضية اللاجئين كقضية سياسية، ما دفع كبار موظفي حكومة العدو، إلى التفكير بتشتيت وتفكيك مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن طريق اختصارها إلى مشاكل إجتماعية.
ففي بداية الخمسينيات والاحتلال القصير لقطاع غزة بين عامي 56-57 وبعد انتهاء حرب 1967 تم التقدم بمجموعة من المشاريع والخطط التي هدفت إلى إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين. وفي تلك الفترة وبعد إدراك من كبار موظفي وزارة الخارجية بأن مصر وسوريا والعراق لن تفتح أبوابها امام اللاجئين الفلسطينيين، بدأ النقاش يدور حول تشجيع اللاجئين الذين يعيشون تحت سيطرة الكيان الصهيوني إلى الهجرة لبلاد وراء البحار وإلى أمريكا الجنوبية بالذات.
وكشفت تقارير غربية وعربية عن وجود تحركات سرية واسعة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول خليجية وفي كندا واستراليا، وقسم منهم عبر إعادتهم إلى قطاع غزة.
وحسب التقارير التي نقلها "مركز حقوق اللاجئين الفلسطينيين"، فإن دولتين خليجيتين تقودان هذه التحركات بالتنسيق مع "إسرائيل" والولايات المتحدة وتركيا، وهذه الدول حاولت مؤخراً فتح قنوات بين تل أبيب وعدد من الفصائل الفلسطينية، للتمهيد لإعلان دولة في قطاع غزة، يصار بعدها إلى إعادة أعداد من اللاجئين إلى القطاع، مع استعداد خليجي لتمويل هذا المخطط.
ويتتبع قادة الفصائل ما يصلهم من معلومات عن ملف التوطين الذي يشغل جهات رسمية لبنانية عدة، ولا سيما أن مسؤولا لبنانيا كان قد استقبل شخصية غربية مؤثرة وكان محور الحديث عن اللاجئين. ولم تستعمل هذه الشخصية القفازات الديبلوماسية عندما تناولت موضوع التوطين وإبداء حماسة ظاهرة "للقبول بتوطين 400 ألف فلسطيني في لبنان بدل القبول بتوطين مليون ونصف مليون لاجىء سوري على أرضكم، وما عليكم في النهاية إلا اختيار واحد من الطرفين، أي بمعنى أن تقبلوا بالفلسطينيين أو بالسوريين".
مقاومة لا تتوقف
إذاً، الجهد الأكبر للتوطين ينصب على لاجئي لبنان، الذين يعدون الأكثر نسبياً في الأقاليم الخمس، خصوصاً بعد انخفاض أعداد اللاجئين في العراق عقب الاحتلال الأمريكي، كما يؤكد باحثون ومختصون في شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق أنّ "أكثر من 19 ألف فلسطيني هُجروا من العراق خلال السنوات الماضية من أصل 25 ألفًا، فيما لم يتبق في العراق كلها أكثر من 6000 آلاف فلسطيني". أما في الأردن، فلا نرى فرقاً بين المواطن الأردني واللاجئ الفلسطيني الذي يتمتع بامتيازات لا تختلف نسبياً عن الأردني، وفي سوريا، دفعت الحرب التدميرية المستمرة منذ 6 سنوات تقريباً اللاجئين الفلسطينيين للهجرة خارج البلاد نحو لبنان والأردن وبلاد الغرب...
في الذكرى الثامنة والستين للنكبة، يؤكد الفلسطينيون قولا وفعلا، رفضهم المطلق ومقاومتهم الشرسة لكل مشاريع التوطين والتهجير والتجنيس المتعددة الجنسيات، بمقاومتهم التي لا تتوقف... بانتفاضتهم المتواصلة منذ نحو ثمانية أشهر، بسكاكين الأطفال والمقصات المهربة من أعين عسس "السلطة"... بعمليات الدهس المتنقلة في كل الأرض الفلسطينية... بالعبوات الناسفة التي تؤرق قادة العدو وترعب مستوطنيه... بمسيرات العودة التي تجوب الداخل الفلسطيني والضفة المحتلة والقطاع المحاصر، وكل بلدان اللجوء القريبة والبعيدة.