على الرغم من آلامها، وجِراحها العالقة، والتي لم تنتهِ بعد من لملَمتها بفعل الحرب الأخيرة منذ أكثر من عام ونصف، واستمرار الحصار "الإسرائيلي" عليها، تأبى مدينة غزة إلا أن تكون شريكة في "انتفاضة القدس" التي انطلقت من الضفة الغربية، والقدس المحتلة.
أهل غزة لطالما سارعوا في نصرة أي حراكٍ ضد العدو "الإسرائيلي" الذي استباح الحرمات، ودنّس المقدسات، وعاث فساداً فيها، ولكن هذه المرّة المشاركة مختلفة حيث اتخذ التضامن شكل الطابع الشعبي العفوي، وغاب عنه الطابع العسكري، والسياسي، لتقديرات مرتبطة بالوضع الإقتصادي، والمعيشي الحرِج في غزة، وخشية حرف البوصلة عن الانتفاضة المتواصلة في القدس والضفة والداخل الفلسطيني المحتل عام 48.
منذ الأيام الأول لاندلاع الانتفاضة، خرج الشباب الغزيّ الثائر والذي لم يعتد على الوقوف مكتوف الأيدي أمام جرائم العدو، ووجد في الجنود "الإسرائيليين" المتمركزين على الحدود الفلسطينية-"الإسرائيلية" وُجهَته، فتظاهروا هناك لنصرة أهلهم في الضفة، والقدس، وقاموا بإلقاء الحجارة باتجاه الجنود "الإسرائيليين"، الذين ازداد عددهم مؤخراً، والمصطفّين على طول الحدود مع قطاع غزة.
الردّ "الإسرائيلي" على أولئك الشباب جاء سريعاً، باستخدام القناصات والرصاص المطاطي والمعدني والغاز المسيل للدموع، ومن ثم امتد إلى القنص المباشر، ما أدى إلى استشهاد 25 شاباً و1400 جريحاً منذ بداية الانتفاضة، وحتى دخولها شهرها الخامس بشكلٍ متفرق على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة .
التضامن الغزي مع الانتفاضة لم يقتصر على التحرك الثوري، والمسيرات التي تنظم بين الفينة والأخرى، بل امتد ليطال الأعمال الفنية والأدبية، حيث أقيم في مدينة غزة مهرجانات فنية دعماً ومساندة لها، وشارك الفنانون الغزيون بأقلامهم، وريشاتهم في رسم لوحاتٍ تضامنية، لنصرة أهل الضفة في انتفاضتهم.
العالم الإفتراضي أيضاً كان له دور كبير في دعم الانتفاضة، فقد أطلق بعض رواد مواقع التواصل الإجتماعي في غزة "هاشتاغات" على "الفيسبوك" دبّت الحماس في نفوس أبناء الضفة، والقدس، ومن ذلك هاشتاغ # وينك_عنها، و# أخت_المرجلة، في دعوة للدفاع عن النساء اللواتي تعرضن للضرب والتنكيل على يد المستوطنين مطلع الانتفاضة، الأمر الذي انعكس إيجاباً على استمرار الانتفاضة، خاصة مع محاولات إجهاضها، ووأدها من قبل "إسرائيل" وبعض الدول المساندة لها.