قائمة الموقع

بين النكبة والانتصار.. إصرار على التحرير

2015-05-14T07:36:17+03:00
جميع أهالي القرى والبلدات والمدن الفلسطينية يصرون على نقل كل ذكريات لأبنائهم
هيثم أبو الغزلان

تجسّدت الحرية على أرض الجنوب اللبناني بناء مكتملاً في الخامس والعشرين من أيار عام ألفين. وما كان حلما ومستحيلاً، غدا ممكناً، تحريراً وفرحاً، وفجر حرية صنعها المقاومون بدمهم شهادة ونصراً.

إحدى عشرة ساعة قضيناها في الجنوب، لم نشعر خلالها بتعب او ملل، لقد كانت نسمات الهواء مختلفة، والطيور غير خائفة، والسماء صافية على غير عادتها، والأرض مبتهجة بعودة أصحابها وكأنها تريد أن تستريح من عناء اثنين وعشرين عاماً من الاحتلال. أما النسوة فزغردن كثيراً، والأطفال لعبوا باطمئنان، ورفعوا شارات النصر، وعلت وجوههم بسمات تهزأ بالمحتل وعملائه، وتقول: "انتصرنا".

هناك في معتقل "الخيام" سابقا، وعندما هممنا بالمغادرة رأينا ولداً لا يتجاوز عمره تسع سنوات يمسك والده بيده، ويلبس بزة عسكرية، ويحمل بيده الأخرى مسدساً بلاستيكياً ويقول لوالده: "أيمتا بدي حارب اليهود؟"، فرد والده عليه بقوله: "عندما تكبر". فقال الصبي: "بس أكبر بيبطل فيه يهود". فضحك الوالد وضحكنا معه، فنظر الصبي إلينا، وتوارى خلف والده خجلاً.

وانطلقنا من بعدها من ميس الجبل، فعيطرون فبنت جبيل، العديسة، وهناك وقفنا لنرى ولأول مرة فلسطين الحبيبة، الموقف لا يوصف، دموع وارتباك، فمع شمس بلادي أحسست لأول مرة بشعور غريب، فتنفست هواء غير الهواء، وشممت رائحة عطر ليمون وبرتقال يافا وبيارات حيفا، هناك أيقنت كم هي قوية ذاكرتنا، فتشريدنا وغربتنا عن المكان عززه حضور قوي للذاكرة جعلت الأجداد يجتهدون بنقل كل ما يتعلق بفلسطين لأبنائهم، وكذلك فعل الأبناء فتركز الوعي الجمعي أن الوطن لنا، وأن الغاصبين لا بد أنهم راحلون.

جميع أهالي القرى والبلدات والمدن الفلسطينية يصرون على نقل كل ذكريات لابنائهم، ويعطونهم صكوك ملكية الأرض ومفاتيح المــنازل كتأكيد على عمق الانتماء والارتباط بالأرض. وإذا كان الصهاينة يعتقدون أن جيل الكبار سيموت وسينسى الصغار من بعدهم ما حصل، فقد خاب ظنهم، فالــجيل الجديد أكثر تمسكاً بأرضه، وجيل انتفاضة الحجارة عام 1987، والمجاهدون أبطال "سرايا القدس"، وكل الكتائب والألوية، يثبتون من جديد أن دم الشهداء يرسم خارطة الوطن، وأن الاحـتلال لا بد زائل.

اخبار ذات صلة